مطالبة حكومة "شرف" بإلغاء قانون تجريم الإحتجاجات . حدث مالم يكن يحدث أيام النظام البائد . هذا هو لسان حال آلاف العمال الذين فوجئوا بحكومة "شرف" تفعل قانون تجريم الإحتجاجات والمظاهرات والإضرابات المخالف للمواثيق والإتفاقات الدولية التي وقعت عليها مصر ، وتلقي القبض على عشرات العمال وتحيل عدداً منهم إلى المحاكمات العسكرية والمدنية في محاولة لوقف الإحتجاجات العمالية المندلعة ضد الفقر والجوع والبطالة ، وهي المطالب التي إندلعت بسببها الثورة المصرية ، وقد أدت هذه السياسة التي تواكبت مع تمرير مشروع لموازنة الدولة لعام 2011/2012 ، والتي لم تنصف القطاع العريض من الأسر مما أدى إلى إحالة عشرات العمال إلى المحاكمات المدنية والعسكرية خلال الفترة الماضية ، ويكفي أن الشهر الجاري فقط شهد إحالة 22 عاملاً وفلاحاً إلى النيابات والمحاكمات بتهمة الإحتجاج على أوضاع الفقر والبؤس التي يحيا في ظلها المصريون . وترصد "أولاد الأرض لحقوق الإنسان" في هذا السياق الإجراءات القانونية التي إستخدمتها الدولة تجاه المحتجين ، والتي صاحب معظمها إستخدام العنف من قبل الشرطة العسكرية والمدنية على السواء . واليوم ، الخميس 23 يونيو ، من المقرر أن تصدر المحكمة العسكرية بالحي العاشر في مدينة نصر حكمها ضد عمال شركة "بتروجيت" الخمسة المحبوسين . كانت الشرطة العسكرية قد قامت يوم 3 يونيو الجاري بإلقاء القبض على العمال المعتصمين من أمام وزارة البترول للمطالبة بعودتهم للعمل وتم إحالتهم إلى النيابة العسكرية ، ووجهت لهم تهمة تكدير السلم العام . كان إعتصام حوالي 150 عاملاً من عمال بتروجيت قد بدأ أمام وزارة البترول يوم 22 مايو الماضي ، ويبلغ عدد العاملين بالشركة حوالي 1500 عامل ، ويؤكد العمال أن إدارة الشركة كانت دائماً ماتلقى عليهم وعوداً زائفة بالعودة للعمل مرة أخرى بالشركة . أما يوم 19 يونيو قررت محكمة جنح أول مدينة نصر إخلاء سبيل كلاً من عاطف الجزار وحمادة قرني المعلمين المحتجزين علي خلفية تظاهرهم أمام مبنى الجهاز الإداري للمحاسبات وقضت ببراءتهما من تهم التعدي على موظف أثناء تأدية عمله وسب ضابط شرطة والتجمهر وتعطيل سير العمل . كانت الشرطة العسكرية قد ألقت القبض عليهما لإجهاض إعتصام المعلمين الذي نظموه أمام مبنى التنظيم والإدارة بمدينة نصر للمطالبة بالتثبيت ، وذلك يوم الثلاثاء 14مايو ، كما تم إرهاب المعتصمين الذين أتوا من محافظات مختلفة ، وقد قام المدرسون من مختلف المحافظات بعمل عدد من الإحتجاجات للمطالبة بالتثبيت .. ولكن دون جدوى . وفي يوم 17 يونيو علق عمال ورش السكك الحديدية بالزقازيق إضرابهم ، بعد أن تم الإفراج عن إثنين من زملائهما اللذين ألقى القبض عليهما ، وهددوا بالإعتصام أمام مكتب عاطف عبدالحميد وزير النقل وامواصلات ، حال عدم تنفيذ وعده بإصدار جدول بمراحل صرف حافز "المجمع" . وفي يوم 16 يونيو الجاري قررت نيابة بني سويف إخلاء سبيل 3 من عمال شركة بني سويف للأسمنت "تيتان" اليونانية ، بعد أن تنازلت إدارة الشركة عن البلاغات المقدمة ضد العمال مقابل فض الإعتصام . كانت قوات الأمن قد قامت يوم 11 يونيو بالقبض على ثلاثة من عمال شركة بني سويف للأسمنت المعتصمين أمام مقر الشركة للمطالبة بفسخ عقد بيع الشركة ، وقاموا بهدم خيام المعتصمين ، وأجبروا العمال على السماح للعربات بإخراج شكائر الأسمنت خارج الشركة . وقال قيادي عمالي فوجئ العمال الخارجين على المعاش المبكر والمعتصمين منذ 11 يوماً بإقتحام قوات كبيرة من قوات الأمن لمقر الإعتصام وإلقائها القبض على ثلاثة من العمال هم : (محيي حلمي طه ، أشرف جودة ، عمرو فوزي) الشيخ بدعوى صدور قرارات ضبط وإحضار لهم بعد أن تقدمت إدارة الشركة اليونانية ببلاغات ضدهم . وفي يوم 13 يونيو الجاري أخلت النيابة سبيل عاملين بشركة النصر للسيارات ، بعد أن ألقت قوات الأمن القبض عليهم وعلى ستة فلاحين وإثنين من خريجي جامعة الأزهر بعد أن وجهت لهما تهم الإعتداء على أمين شرطة وتكدير السلم العام والتجمهر وحيازة أسلحة خشبية ، وذلك بعد أن اضطروا إلى إغلاق شارع قصر العيني وذلك بعد أن رفضت حكومة "شرف" الإلتقاء بممثلي العمال والفلاحين والتفاوض معهم بشأن مطالبهم المتمثلة في صرف مستحقاتهم وإعادة تشغيل الشركة . يذكر أن النيابة كانت قد قررت إخلاء سبيل المحتجين بكفالة 10 آلاف جنيه لكل واحد ، وهو مارفض المحتجون الإمتثال له ، ولكن النائب العام قرر إطلاق سراحهم بضمان محل الإقامة . والملاحظ إن الحركة العمالية لم ترهبها تحويل قياداتها إلى النيابات والمحاكم العسكرية والمدنية و تحدت مرسوم حظر الإضرابات والإعتصامات والإحتجاجات ، حيث تتواصل عجلة الإحتجاجات العمالية بصورة يومية تقريباً تحت وطأة إرتفاع الأسعار ، وتدني الأجور ، وغياب الأمان الوظيفي ، وإنتشار أوكار الفساد في مواقع العمل . ومما يزيد من تفجر الأوضاع الإنحياز السافر للأغنياء لحكومة "شرف" ، حيث تكشف موازنة العام المالي المقبل أن أصحاب الدخول الذين يحصلون على قوت يومهم من التوظف يدفعون ضرائب للموازنة مقدارها 15 مليار جنيه العام المقبل ، بينما كل الضرائب التي سيدفعها أصحاب النشاط الصناعي والتجاري لن تزيد على 5 مليارات جنيه ، فضلاً عن أن الحكومة تسد آذانها عن مطالب العاملين بأجر ، والتي تدور حول (رفع الحد الأدنى للأجور إلى 1200 جنيه ، مع ربط الأجور بالأسعار ، وتثبيت المؤقتين ، وعودة الشركات التي تم نهبها تحت مسمى الخصخصة ، وسرعة إقرار قانون ديمقراطي جديد للنقابات العمالية يسمح بوجود طرف حقيقي يعبر عن مصالح العاملين ويستطيع التفاوض بالنيابة عنها) . يذكرأن ، القانون رقم 34 لسنة 2011 الشهير بقانون تجريم الإحتجاجات الذي يحظر على العمال ممارسة حق الإضراب ، حيث ينص على : "يعاقب بالحبس والغرامة التي لاتقل عن عشرين ألف جنيه ولا تجاوز خمسين ألف جنيه أو بإحدى هاتين العقوبتين ، كل من قام بعمل وقفة أو نشاط ترتب عليه منع أو تعطيل إحدى مؤسسات الدولة أو إحدى السلطات العامة أو إحدى جهات العمل العامة أو الخاصة عن أداء أعمالها ، كما يعاقب بذات العقوبة كل من حرض أو دعا أو روج بالقول أو بالكتابة أو بأية طريقة من طرق العلانية لهذه الأعمال ولو لم يتحقق مقصده" . وأخيراً ، إن غاية هذا المرسوم ليس منع التخريب كما تدعي الحكومة في مبررات إصدارها له ، حيث إن كل الأعمال التخريبية داخل أماكن العمل وخارجها معاقب عليها بقانون العقوبات ولا تحتاج لنصوص جديدة ، ولكن هدفه الرئيسي هو منع العمال من مزاولة حق الإضراب أو حتى الدعوة إليه ، وكان الأولى بالحكومة أن تستمع للعمال وتسعى لعلاج مواطن الخلل الإجتماعي التي يعانوا منها بدلاً من إستخدامها لنفس الوسائل القديمة بإستغلال ما تملكه من قوة مادية وقانونية لتصدر تشريع يمنع العمال من التعبير عن معاناتهم .