أخبار كفر الشيخ اليوم.. اللواء علاء عبدالمعطي يؤدي اليمين الدستورية كمحافظًا لكفر الشيخ    خاص| مدير مركز القاهرة للدراسات الاقتصادية يكشف هدف دمج الوزارات بالحكومة الجديدة    رئيس جامعة الأزهر يشيد بأعمال التطوير والتجديد بكلية التربية    وزيرة البيئة تعقد اجتماعًا مع قيادات الوزارة لاستكمال مسيرة العمل    نيويورك تايمز: الصين تسعى لزيادة نفوذها في آسيا الوسطى لانشغال روسيا في حربها مع أوكرانيا    إسرائيل: رد حماس على اقتراح صفقة الرهائن هو الأفضل.. ومقتل ضابط في معارك الشجاعية    نهائي ألمانيا وإسبانيا المبكر يتصدر مواجهات ربع نهائي يورو 2024    يورو 2024.. نجم منتخب إسبانيا: هذا وعدي إن فزنا بالبطولة    بسبب تين هاج.. مانشستر يونايتد يعرض راشفورد للبيع    المشدد 10 سنوات لطبيب بتهمة الاتجار في المخدرات بالدقي    نانسي عجرم تروج لأحدث أغانيها«من نظرة»|فيديو    تركي آل الشيخ يكشف تفاصيل «النونو»بطولة أحمد حلمي |فيديو    جيش الاحتلال: مقتل ضابط وإصابة 3 آخرين في حي الشجاعية بمدينة غزة    قصواء الخلالي: نثق فى الدكتور مدبولي ونتمنى أن يوفق في مساره ومصر يكون حالها أفضل    رغم الخوف من غدره.. 3 أسباب تجعلك تصادق برج العقرب    أدعية رأس السنة الهجرية.. يجعلها بداية الفرح ونهاية لكل همومك    مشاهد مروعة من إعصار بيريل المدمر في الكاريبي (فيديو)    مرشح للرئاسة الليبية يرفض حضور "ملتقى أنصار النظام السابق" في جنيف    في هذا الموعد.. أبطال فيلم "عصابة الماكس" ضيوف برنامج ON Set    تصل ل 1450 ريالًا.. أسعار تذاكر حفل كاظم الساهر في جدة    شهيد العمل.. أسرة لاعب كمال الأجسام المتوفى أثناء هدم منزل بسوهاج تروي التفاصيل (فيديو)    أمين الفتوى: لا تبرروا كل ما يحدث لكم بشماعة السحر والحسد (فيديو)    إحالة طبيب وتمريض وحدتي رعاية أولية بشمال سيناء للتحقيق بسبب الغياب عن العمل    أهم تكليفات الرئيس لوزير الصحة خالد عبد الغفار.. الاستثمار في بناء الإنسان المصري    شاهد شاطى المساعيد غرب العريش الواجهة الأجمل للمصطافين.. لايف    أستاذ حديث: إفشاء أسرار البيوت على الانترنت جريمة أخلاقية    تهدف لتحقيق النمو الاقتصادى.. معلومات عن مبادرة " ابدأ " الوطنية (إنفوجراف)    لافروف: مفاوضات بوتين مع شي جين بينغ كانت جيدة    تعيين عبلة الألفي نائبة لوزير الصحة والسكان    احذر من النوم بالقرب عن تليفونك .. مخاطر صحية للنوم بالقرب من الهواتف المحمولة    مهام كبيرة على عاتق وزير الخارجية الجديد.. اختيار بدر عبد العاطى يعكس تعاطى الدولة مع المستجدات العالمية.. إدارته للعلاقات مع أوروبا تؤهله لقيادة الحقيبة الدبلوماسية.. ويمثل وجها للتعددية فى الجمهورية الجديدة    منتخب مصر فى التصنيف الأول قبل سحب قرعة تصفيات أمم أفريقيا 2025 غدا    حكم مباراة البرتغال وفرنسا في ربع نهائي يورو 2024    تونس.. فتح باب الترشح لانتخابات الرئاسة خلال يوليو الجاري    "سي إن بي سي": نزوح جديد في خان يونس نتيجة رد إسرائيل على صواريخ حماس    هيئة الدواء توافق على زيادة سعر 3 أدوية (تفاصيل)    21 توصية للمؤتمر الثالث لعلوم البساتين.. أبرزها زراعة نبات الجوجوبا    بيان الإنقاذ وخطاب التكليف !    وزير العمل: العمال في أعيننا.. وسنعمل على تدريبهم وتثقيفهم    وزير الرياضة: تفعيل الجهات الشبابية في المجتمع المصري أولوية    لويس دياز يحذر من الاسترخاء أمام بنما    إفيه يكتبه روبير الفارس.. شر السؤال    ضبط 44 جروبًا على "واتس آب وتليجرام" لتسريب الامتحانات    المؤبد و10 سنوات لصاحب معرض السيارات وصديقه تاجري المخدرات بالشرقية    وزير الأوقاف: سنعمل على تقديم خطاب ديني رشيد    للتدريب على استلهام ثقافة المكان في الفن.. قصور الثقافة تطلق ورش "مصر جميلة" للموهوبين بدمياط    ارتياح فى وزارة التموين بعد تولى شريف فاروق حقيبة الوزارة    وزير الإسكان بعد أداء اليمين الدستورية: إدارة الأصول واستثمار المشروعات المنفذة أولوية    تعرف على أسباب بقاء وزير التعليم العالي في منصبه    السيرة الذاتية للدكتور إبراهيم صابر محافظ القاهرة    النائب إيهاب وهبة يطالب الحكومة بالتوسع في إنشاء صناديق الاستثمار العقاري    "رموا عليهم زجاجة بنزين مشتعلة".. كواليس إصابة 5 بائعين بحروق في الشرابية    حملات يومية بالوادي الجديد لضمان التزام أصحاب المحلات بمواعيد الغلق    أمين الفتوى: ثواب جميع الأعمال الصالحة يصل إلى المُتوفى إلا هذا العمل (فيديو)    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم الاربعاء 3-7-2024    نيابة ثان أسيوط تستعجل تقرير الإدارة الهندسية لملابسات انهيار منزل حي شرق    ليس زيزو.. الزمالك يحسم ملف تجديد عقد نجم الفريق    تعرف على القسم الذي تؤديه الحكومة أمام الرئيس السيسي اليوم    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



فنون عريقة ومندثرة أنعشها الحظر وجدَّدتْ شبابها
نشر في صوت البلد يوم 18 - 05 - 2020

مع وجود فرصة أكبر للتأمل والانتقاء والتنقل بين البدائل في ظل الساعات المطوّلة التي وفّرتها العزلة الراهنة، تعددت روافد الإشباع الثقافي والفني وتشعّبت إلى أبعد حد، وَمَضَت الفنون الأصيلة والعروض والحفلات القديمة والأشكال الإبداعية المندثرة والمنسيّة تتحسس مكانها من جديد هي الأخرى فوق مائدة الواقع العامرة، بل إنها سجّلت آلاف المشاهدات فور بثها على قنوات اليوتيوب خلال الأيام الماضية.
تحت وطأة الحجر المنزلي والانعزال وقتاً طويلاً وتعطُّل الأنشطة الجماعية، ازداد التعطش إلى الزاد الثقافي والفني، من أجل المعرفة والاستنارة والدهشة والمتعة والتسلية، للتغلب على وحش الفراغ الذي لا يقل خطورة عن ويلات الوباء المستجدّ. وإلى جانب ما بثته قنوات اليوتيوب من ألوان الفنون الحديثة والمعاصرة والتجريبية لتلبية احتياجات الجمهور وإضاءة أوقاته القاسية بالأمل والسعادة، فإن الماضي قد قام بدوره أيضاً على أفضل وجه لدعم الحاضر بأغراض التثقّف والمتعة والترفيه المنزلي، من خلال تلك الفنون العريقة والأصيلة التي انتعشت مؤخراً في الفضاء الإلكتروني، وجدّدت شبابها في الأثواب الافتراضية المبتكرة.
تعلقت أنظار جمهور الثقافة والفن خلال الآونة الأخيرة بتلك العروض الافتراضية وقنوات اليوتيوب التي أطلقتها وزارة الثقافة المصرية والتقت فيها إبداعات سائر القطاعات والهيئات والمؤسسات، بين مسرح وسينما ودراما وموسيقى وغناء وورش عمل وخلافه، إلى جانب عروض وندوات المجلس الأعلى للثقافة، والمركز القومي لثقافة الطفل، ودار الأوبرا المصرية، وغيرها.
انتظمت هذه المواد المتنوعة جميعها تحت الشعار الصحي المجتمعي السائد "خليك في البيت"، حماية من أخطار التقارب وعدوى الإصابة بالفيروس، كما أن بعض هذه العروض أخذ على عاتقه نشر المعلومات التوعوية، للكبار والصغار على السواء، إيماناً بالدور التنويري والتثقيفي للفن، إلى جانب الرسائل الجمالية وعناصر التشويق والبهجة.
مواكبة التقنية
في ظهورها الإلكتروني الجديد، حرصت بعض هذه الفنون والحفلات الأصيلة والقديمة على مواكبة عصر التقنية قدر جهدها، تمشيّاً مع أسلوب بثها الرقمي عبر الفضاء الافتراضي، ومن ذلك حفلات أم كلثوم بتقنية "الهولوغرام"، نقلاً عن أحدث حفلات دار الأوبرا المصرية، وقد سمحت هذه التقنية المستحدثة "التصوير الحركي المجسّم الثلاثي الأبعاد" بتجسيد كوكب الشرق وفرقتها الموسيقية الكاملة أثناء أداء أغنياتها، وكأنما جرى استدعاء شخصياتهم جميعاً بأسلوب جاذب أضفى حيوية على هذه الحفلات، ومنحها صدقية وقدرة على خرق الزمن.
المدهش أن سهرة هولوغرام أم كلثوم على قناة وزارة الثقافة حققت أكثر من 156 ألف مشاهدة على اليوتيوب في وقت قياسي، بما يشير إلى تفوق فنون الماضي وتعلق قلوب الجمهور بها بدافع "النوستالجيا" من جهة، وإلى تنوع ذائقة الأفراد المعزولين في المنازل، من أجيال مختلفة، من جهة ثانية، وإلى وجود خواء نسبي في الفنون الحديثة والمعاصرة، بما سمح بإطلالة الماضي على الساحة الافتراضية بهذه الصورة، من جهة ثالثة.
امتدت حفلة "حيرت قلبي"، القديمة الجديدة، على مدار ساعة، وتخللتها الإعلانات التجارية كذلك كأي منتج فني رائج تسويقيّاً، بما يعني أن الهدف الخدمي المعلن من وراء هذه الحفلات قد يتطور ليتسع لأغراض ربحية في وقت لاحق، مثل حفلات "عرائس أم كلثوم وفرقتها"، التي كانت تقدمها "ساقية الصاوي" خلال الأشهر الماضية، محققة ربحية عالية.
لقيت حفلات الموسيقى والغناء والأوبرا، الماضوية والمنتمية إلى "التطريب" و"النغم الأصيل" أيضاً، مشاهدات عالية فور بثها على قنوات اليوتيوب في فترة الحظر المنزلي، ومنها على سبيل المثال سهرات: الموسيقار عمر خيرت (670 ألف مشاهدة)، المطرب مدحت صالح (28 ألف مشاهدة)، المطرب علي الحجار (9 آلاف مشاهدة)، أوركسترا القاهرة السيمفونية (3500 مشاهدة). وشملت قائمة العروض الأخيرة في قناة وزارة الثقافة عدداً من الأعمال القديمة، منها: أوبرا عايدة، فرقة باليه أوبرا القاهرة، مسرحيات وعروض درامية كلاسيكية، وغيرها.
مقاومة الاندثار
مع إجراءات مواجهة فيروس كورونا المستجدّ، فإن بعض الفنون والإبداعات المهملة والمنسيّة والمهمّشة كذلك راحت تقاوم التحنيط والاندثار بتجددها وإعادة بثها افتراضيّاً، بالتوازي مع العروض القديمة وحفلات الأبيض والأسود. ومن هذه الفنون التي بحثت عن زاوية جديدة لتعود من خلالها، فن الأراجوز، الأب الشرعي لفنون السخرية، وأعرق فنون الهزل والضحك.
أطل "الفهلوي الشعبي"، كما يلقب في مصر، من خلال حلقات "الأراجوز يعظ"، ويوميات "الأراجوز في الحظر"، التي أطلقها "المركز القومي لثقافة الطفل"على اليوتيوب، لنشر التوعية الصحية والاجتماعية حول الوباء في إطار كوميدي، ومخاطبة الأطفال بما يلائم عقولهم وخيالاتهم حول كيفية الاستفادة من وقت الفراغ، وممارسة الأنشطة المثمرة "أون لاين"، إلى جانب الأنشطة الذهنية والبدنية في المنزل.
وفن الأراجوز له وضعية خاصة في مصر، فهو ليس مجرد دمية متحركة، ولكنه تلخيص واف لعناصر الشخصية المصرية ومقوماتها الشعبية، وقد عُرف على مدار أكثر من سبعمئة عام كرمز من رموز الشفافية والقدرة على قول الحق بطلاقة وحرية وإطلاق سهام النقد والاحتجاج لتقويم الخلل المجتمعي وتحدي السلطة وإزاحة أي فساد أو خطر قائم. وتعرض هذا الفن العريق خلال السنوات الأخيرة لأزمات كثيرة، اقتصادية وفنية، إلى جانب تراجع هامش الحرية، بما عرّض "الأراجوز" للانزواء خارج المشهد، على الرغم من اعتماده بقائمة اليونسكو للتراث الثقافي العالمي منذ عام ونصف العام.
"فرقة رضا للفنون للشعبية"، ملكة الفلكلور والفنون التراثية والاستعراضات الحركية في النصف الثاني من القرن الماضي محليّاً وعربيّاً ودوليّاً، قد استعادت قدراً من وهجها وحضورها عبر حفلاتها المبثوثة على قنوات اليوتيوب، وتفاعل آلاف المشاهدين من جديد مع تابلوهات: "الأقصر بلدنا"، الإسكندراني"، "الدحية"، "غزل في الريف"، "الفلاحين"، "التنورة"، "التحطيب"، وغيرها، المعبرة عن ملامح وخصائص الحياة في الأقاليم والمحافظات المصرية المتعددة.
وعلى الرغم من تكريم الدولة للفرقة منذ شهور قليلة، لمناسبة مرور ستين عاماً على تأسيسها، فإن فرقة رضا تعاني مشكلات جوهرية هي الأخطر منذ قرار تأميمها في العهد الناصري، إذ يتطلب النهوض الحقيقي الجاد بها إنفاقاً تمويليّاً ضخماً وجهوداً متواصلة لدعمها وزيادة عدد أعضائها الأساسيين المدربين، وهو الأمر الذي لا تتحمله ميزانية وزارة الثقافة، التي اكتفت بدعم الفرقة معنويّاً.
أتاحت عروض اليوتيوب الأخيرة بعض نكهات الفرقة المعبرة عن روح الشعب ونبضه، فهذه الاستعراضات الغنائية والحركية التي تحقق البهجة وتوفر الإمتاع، هي في الوقت نفسه ترجمة عميقة الدلالات للثقافة الشفاهية برمّتها والموروث المجتمعي والعادات والتقاليد ومفردات الحياة اليومية وطقوسها الاعتيادية في مختلف المحافظات والأقاليم والبيئات المحلية.
مع وجود فرصة أكبر للتأمل والانتقاء والتنقل بين البدائل في ظل الساعات المطوّلة التي وفّرتها العزلة الراهنة، تعددت روافد الإشباع الثقافي والفني وتشعّبت إلى أبعد حد، وَمَضَت الفنون الأصيلة والعروض والحفلات القديمة والأشكال الإبداعية المندثرة والمنسيّة تتحسس مكانها من جديد هي الأخرى فوق مائدة الواقع العامرة، بل إنها سجّلت آلاف المشاهدات فور بثها على قنوات اليوتيوب خلال الأيام الماضية.
تحت وطأة الحجر المنزلي والانعزال وقتاً طويلاً وتعطُّل الأنشطة الجماعية، ازداد التعطش إلى الزاد الثقافي والفني، من أجل المعرفة والاستنارة والدهشة والمتعة والتسلية، للتغلب على وحش الفراغ الذي لا يقل خطورة عن ويلات الوباء المستجدّ. وإلى جانب ما بثته قنوات اليوتيوب من ألوان الفنون الحديثة والمعاصرة والتجريبية لتلبية احتياجات الجمهور وإضاءة أوقاته القاسية بالأمل والسعادة، فإن الماضي قد قام بدوره أيضاً على أفضل وجه لدعم الحاضر بأغراض التثقّف والمتعة والترفيه المنزلي، من خلال تلك الفنون العريقة والأصيلة التي انتعشت مؤخراً في الفضاء الإلكتروني، وجدّدت شبابها في الأثواب الافتراضية المبتكرة.
تعلقت أنظار جمهور الثقافة والفن خلال الآونة الأخيرة بتلك العروض الافتراضية وقنوات اليوتيوب التي أطلقتها وزارة الثقافة المصرية والتقت فيها إبداعات سائر القطاعات والهيئات والمؤسسات، بين مسرح وسينما ودراما وموسيقى وغناء وورش عمل وخلافه، إلى جانب عروض وندوات المجلس الأعلى للثقافة، والمركز القومي لثقافة الطفل، ودار الأوبرا المصرية، وغيرها.
انتظمت هذه المواد المتنوعة جميعها تحت الشعار الصحي المجتمعي السائد "خليك في البيت"، حماية من أخطار التقارب وعدوى الإصابة بالفيروس، كما أن بعض هذه العروض أخذ على عاتقه نشر المعلومات التوعوية، للكبار والصغار على السواء، إيماناً بالدور التنويري والتثقيفي للفن، إلى جانب الرسائل الجمالية وعناصر التشويق والبهجة.
مواكبة التقنية
في ظهورها الإلكتروني الجديد، حرصت بعض هذه الفنون والحفلات الأصيلة والقديمة على مواكبة عصر التقنية قدر جهدها، تمشيّاً مع أسلوب بثها الرقمي عبر الفضاء الافتراضي، ومن ذلك حفلات أم كلثوم بتقنية "الهولوغرام"، نقلاً عن أحدث حفلات دار الأوبرا المصرية، وقد سمحت هذه التقنية المستحدثة "التصوير الحركي المجسّم الثلاثي الأبعاد" بتجسيد كوكب الشرق وفرقتها الموسيقية الكاملة أثناء أداء أغنياتها، وكأنما جرى استدعاء شخصياتهم جميعاً بأسلوب جاذب أضفى حيوية على هذه الحفلات، ومنحها صدقية وقدرة على خرق الزمن.
المدهش أن سهرة هولوغرام أم كلثوم على قناة وزارة الثقافة حققت أكثر من 156 ألف مشاهدة على اليوتيوب في وقت قياسي، بما يشير إلى تفوق فنون الماضي وتعلق قلوب الجمهور بها بدافع "النوستالجيا" من جهة، وإلى تنوع ذائقة الأفراد المعزولين في المنازل، من أجيال مختلفة، من جهة ثانية، وإلى وجود خواء نسبي في الفنون الحديثة والمعاصرة، بما سمح بإطلالة الماضي على الساحة الافتراضية بهذه الصورة، من جهة ثالثة.
امتدت حفلة "حيرت قلبي"، القديمة الجديدة، على مدار ساعة، وتخللتها الإعلانات التجارية كذلك كأي منتج فني رائج تسويقيّاً، بما يعني أن الهدف الخدمي المعلن من وراء هذه الحفلات قد يتطور ليتسع لأغراض ربحية في وقت لاحق، مثل حفلات "عرائس أم كلثوم وفرقتها"، التي كانت تقدمها "ساقية الصاوي" خلال الأشهر الماضية، محققة ربحية عالية.
لقيت حفلات الموسيقى والغناء والأوبرا، الماضوية والمنتمية إلى "التطريب" و"النغم الأصيل" أيضاً، مشاهدات عالية فور بثها على قنوات اليوتيوب في فترة الحظر المنزلي، ومنها على سبيل المثال سهرات: الموسيقار عمر خيرت (670 ألف مشاهدة)، المطرب مدحت صالح (28 ألف مشاهدة)، المطرب علي الحجار (9 آلاف مشاهدة)، أوركسترا القاهرة السيمفونية (3500 مشاهدة). وشملت قائمة العروض الأخيرة في قناة وزارة الثقافة عدداً من الأعمال القديمة، منها: أوبرا عايدة، فرقة باليه أوبرا القاهرة، مسرحيات وعروض درامية كلاسيكية، وغيرها.
مقاومة الاندثار
مع إجراءات مواجهة فيروس كورونا المستجدّ، فإن بعض الفنون والإبداعات المهملة والمنسيّة والمهمّشة كذلك راحت تقاوم التحنيط والاندثار بتجددها وإعادة بثها افتراضيّاً، بالتوازي مع العروض القديمة وحفلات الأبيض والأسود. ومن هذه الفنون التي بحثت عن زاوية جديدة لتعود من خلالها، فن الأراجوز، الأب الشرعي لفنون السخرية، وأعرق فنون الهزل والضحك.
أطل "الفهلوي الشعبي"، كما يلقب في مصر، من خلال حلقات "الأراجوز يعظ"، ويوميات "الأراجوز في الحظر"، التي أطلقها "المركز القومي لثقافة الطفل"على اليوتيوب، لنشر التوعية الصحية والاجتماعية حول الوباء في إطار كوميدي، ومخاطبة الأطفال بما يلائم عقولهم وخيالاتهم حول كيفية الاستفادة من وقت الفراغ، وممارسة الأنشطة المثمرة "أون لاين"، إلى جانب الأنشطة الذهنية والبدنية في المنزل.
وفن الأراجوز له وضعية خاصة في مصر، فهو ليس مجرد دمية متحركة، ولكنه تلخيص واف لعناصر الشخصية المصرية ومقوماتها الشعبية، وقد عُرف على مدار أكثر من سبعمئة عام كرمز من رموز الشفافية والقدرة على قول الحق بطلاقة وحرية وإطلاق سهام النقد والاحتجاج لتقويم الخلل المجتمعي وتحدي السلطة وإزاحة أي فساد أو خطر قائم. وتعرض هذا الفن العريق خلال السنوات الأخيرة لأزمات كثيرة، اقتصادية وفنية، إلى جانب تراجع هامش الحرية، بما عرّض "الأراجوز" للانزواء خارج المشهد، على الرغم من اعتماده بقائمة اليونسكو للتراث الثقافي العالمي منذ عام ونصف العام.
"فرقة رضا للفنون للشعبية"، ملكة الفلكلور والفنون التراثية والاستعراضات الحركية في النصف الثاني من القرن الماضي محليّاً وعربيّاً ودوليّاً، قد استعادت قدراً من وهجها وحضورها عبر حفلاتها المبثوثة على قنوات اليوتيوب، وتفاعل آلاف المشاهدين من جديد مع تابلوهات: "الأقصر بلدنا"، الإسكندراني"، "الدحية"، "غزل في الريف"، "الفلاحين"، "التنورة"، "التحطيب"، وغيرها، المعبرة عن ملامح وخصائص الحياة في الأقاليم والمحافظات المصرية المتعددة.
وعلى الرغم من تكريم الدولة للفرقة منذ شهور قليلة، لمناسبة مرور ستين عاماً على تأسيسها، فإن فرقة رضا تعاني مشكلات جوهرية هي الأخطر منذ قرار تأميمها في العهد الناصري، إذ يتطلب النهوض الحقيقي الجاد بها إنفاقاً تمويليّاً ضخماً وجهوداً متواصلة لدعمها وزيادة عدد أعضائها الأساسيين المدربين، وهو الأمر الذي لا تتحمله ميزانية وزارة الثقافة، التي اكتفت بدعم الفرقة معنويّاً.
أتاحت عروض اليوتيوب الأخيرة بعض نكهات الفرقة المعبرة عن روح الشعب ونبضه، فهذه الاستعراضات الغنائية والحركية التي تحقق البهجة وتوفر الإمتاع، هي في الوقت نفسه ترجمة عميقة الدلالات للثقافة الشفاهية برمّتها والموروث المجتمعي والعادات والتقاليد ومفردات الحياة اليومية وطقوسها الاعتيادية في مختلف المحافظات والأقاليم والبيئات المحلية.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.