بعد التراجع المطرد للجنيه المصري علي خلفية الاحداث التي شهدها منذ بداية هذا العام، قام البنك المركزي بالتدخل لأول مرة منذ عامين في السوق لدعم الجنيه الذي تراجع بصورة كبيرة منذ بدء الاحتجاجات السياسية يوم 25 يناير الماضي، وساعد التدخل الجنيه علي الارتفاع مقابل الدولار للمرة الأولي منذ تفجر الاضطرابات السياسية في البلاد. ووصل سعر الدولار إلي 5.87 جنيه انخفاضا من 5.952 . وقال هشام رامز نائب محافظ البنك المركزي: "تدخلنا في السوق"؛ مما دفع الدولار للتراجع أمام الجنيه المصري لدي الإغلاق بمقدار 10 قروش.. وأكد محمد الأبيض رئيس شعبة شركات الصرافة المصرية، وجود وفرة في المعروض من الدولار لدي شركات الصرافة قابله طلب أقل من المتعاملين.. وقال: إن متوسط سعره بلغ لدي الإقفال 5.88 قرش. وقال الأبيض: "من حق البنك المركزي ضبط السوق في وقت الأزمات للحد من تراجع الجنيه".. منبها في الوقت نفسه إلي أن من أهم المشكلات التي تواجه البنوك وشركات الصرافة هو تأمين نقل الأموال. وفي الوقت نفسه، أعلنت وزارة المالية أن عدة بنوك تجارية (لم تحددها) تقدمت بعروض تغطي عطاء أذون الخزانة مرة ونصف المرة والتي بلغت قيمتها 13 مليار جنيه (2.2 مليار دولار). وقال متعاملون: إن البنك المركزي كان يحاول فيما يبدو استعادة الثقة قبل إعادة فتح سوق الأسهم الأسبوع القادم، وقد يكون لمصير الجنيه دور كبير في تحديد حجم الضرر الذي ستتعرض له الأسهم جراء الأزمة. يأتي هذا في الوقت الذي أكد خلاله د. سمير رضوان وزير المالية، أن مصر لن تلجأ إلي صندوق النقد الدولي لمواجهة الخسائر المالية التي نجمت عن الأحداث التي شهدتها البلاد وتداعياتها علي الصعيد الاقتصادي بمختلف قطاعاته مؤخرا. وكشف رضوان أن محافظ البنك المركزي بعث برسالة رسمية إلي صندوق النقد الدولي أعلن فيها عدم حاجة مصر إلي أي مساعدة مالية من الصندوق، معتبرا أن الإجراءات التي تتخذها الحكومة حاليا كافية لمواجهة الأزمة. وأضاف عقب اجتماع لجنة الخطة والموازنة في البرلمان: إن المرحلة القادمة سوف تشهد تركيزا جوهريا علي أهداف واضحة، وهي مراعاة عدم الوقوع في إشكالية زيادة عجز الموازنة، وأن تكون الإجراءات العاجلة لتفادي تداعيات الازمة، تصب في توجه استراتيجي لخطة عمل وزارة المالية والإجابة عن التساؤلات كافة بكل موضوعية وشفافية. وتعهد وزير المالية بأن يكون دور الموازنة العامة والإنفاق العام يتجه نحو تحقيق العدالة الاجتماعية، ومواجهة نتائج الأحداث الجارية بحلول مستديمة لها، ومساعدة المتضررين منها علي جميع الاشكال وفي جميع القطاعات. وفي المقابل، يري د. أحمد جلال الخبير السابق في البنك الدولي، أن رفض إجمالي مساعدات صندوق النقد الدولي علي الإطلاق لا تقتضيه المصلحة العامة لمصر في خضم هذه الازمة الراهنة والتي لا يزال نزيف الاقتصاد المصري فيها متدفقا.. موضحا أن هذه المؤسسة الدولية لا يقتصر دورها علي تقديم مساعدات مالية فقط، بل تقدم أيضا مساعدات فنية للتغلب علي مشكلات في الاقتصاد الكلي، مثل عدم استقرار السياسات الاقتصادية أو العجز الكبير في الموازنة وميزان المدفوعات أو الفشل في سداد الديون الخارجية. ويلفت د. جلال إلي أن طبيعة عمل صندوق النقد تختلف عن البنك الدولي الذي يقدم مساعدات أوسع للتغلب علي مشكلات تواجه الدول في الاقتصاد الحقيقي مثل خدمات البنية الأساسية أو التعليم، مضيفا أن مصر ستحتاج إلي مساعدات أكبر من خدمات البنك الدولي في ظروفها الحالية؛ لمكافحة الفقر وتحسين التعليم ومواجهة المشكلات الاقتصادية المتفاقمة. ويري د. عبد الخالق جودة استاذ الاقتصاد بجامعة القاهرة، أن مصر تملك القدرة علي سداد ديونها الخارجية والبالغ إجماليها 34.7 مليار دولار، ولديها احتياطي نقدي يصل الي 36 مليار دولار يمكنها من مواجهة ضغوط سعر الصرف، مشيرا إلي أن الحاجة إلي مساعدة صندوق النقد ليس معناها أن هناك أزمة مالية كبري تهدد الاقتصاد. يأتي هذا في الوقت الذي كان قد أعلن فيه مسئولون في صندوق النقد الدولي إنه من السابق لأوانه معرفة تأثير الاحتجاجات العنيفة في مصر علي الاقتصاد وعلي دول المنطقة، مؤكدين ان الصندوق علي استعداد لتقديم الخدمات اللازمة لمصر ولغيرها من الدول المتضررة من الاحداث المتفاقمة في المنطقة. والجدير بالإشارة ا إلي ن الصندوق كان قد توقع أن يشهد الاقتصاد المصري تحسنا هذا العام قبل تفجر الأحداث الحالية، وفقا لما أفادت به البعثة التي أرسلها لزيارة مصر قبل الازمة الاخيرة.. مشيرا الي انه كان من المقرر أن يبلغ الاقتصاد بنهاية السنة المالية الحالية في يونيو المقبل 5.8 في المائة، ويزيد بنهاية السنة المالية التالية إلي 6 في المائة. هذا وقد تسببت الاحداث الجارية التي أضرمتها "ثورة الغضب"، وما أعقبها من استمرار موجات الاحتجاج وغلق المصارف والبنوك لمدة 12 يوما، وتعطل العمل في البورصة، إضافة إلي خسائر قطاع السياحة، في خفض التوقعات العالمية لمعدل النمو من 5.3 في المائة إلي 3.7 في المائة للعام الحالي.