في ظل اللغط الدائر حول بناء سد النهضة بإثيوبيا كحائط منيع لإيصال شريان النيل لواديه العزيز بمصر و السودان ، تتكاثر التكنهات و تتعالى الصيحات بتصريحات متباينة ما بين خطورة الموقف و بساطته ليفرض السؤال نفسه: هل نحن قادمون على حرب مياه؟! ما أكثر الحروب التي قامت في تاريخ البشرية و ما أكثر الأسباب التي قامت من أجلها ، ما بين الحصول على امرأة و السيطرة على مقدرات أمة و إثبات أنه لا يوجد أفضل من عنصر بعينه و السيطرة على الذهب الأسود .. إلخ من الأسباب المتباينة. في العام 1975 أعلنت إثيوبيا في عهد إمبراطورها هيلاسلاسي بإقامة سدودًا ببلاد الحبشة من أجل تخزين أكبر كمية من المياه لإثيوبيا حيث تتناثر المياه لوادي النيل مما يؤثر على إثيوبيا تأثيرًا سلبيًا و كان هذا المشروع يعد له بأيادي أثيوبية في الظاهر و يشرف عليه أيادي إسرائيلية في الباطن لوجود علاقات وثيقة بين أثيوبيا و إسرائيل من خلال حلقة الوصل التي جمعت بينهما عن طريق قبائل الفلاشا اليهودية الحبشية و كان هذا المشروع من ضمن أوراق الضغط المدخر من قِبل إسرائيل في دائرة الصراع العربي الإسرائيلي لرد الضربة القاصمة التي تلقتها من الجيش المصري العام 1973. خرج رد الفعل المصري بغضب كاسر عبر تصريح الرئيس أنور السادات قائلاً: لن ننتظر حتي نموت من العطش بل سنذهب ونموت عندهم !! و في تصريح آخر قال: إذا أقيمت السدود فسنجعلها حربًا من أجل المياه. من هنا خرج مصطلح حرب المياه عبر الإذاعات الأجنبية ليكون وليدًا من تصريح السادات ليصبح مصطلحًا سياسيًا متراقصًا أمام أعين الجميع ككلمة سر لإندلاع الحروب بين الأمم و كمفتاح ضغط على أمة أمورها متوقفة على جريان المياه في كافة تفاصيل حياتها. هذا النوع من الحروب ولد عبر الكيان الصهيوني الذي عانى من قلة المياه عند تأسيس دولته العبرية ليأتي رئيس وزراء إسرائيل ليفي إشكول في العام 1965 يحل الأزمة بضم بحيرة طبرية إلى الكيان الإسرائيلي عبر أنابيب و مضخات تحمل العلامة الأمريكية مدخلاً على إسرائيل الإستمرارية و التواصل على خريطة العالم بلغة الإرتواء بمياه طبرية التي كانت سمًا في جوف الصليبيين متحولة إلى نقطة إنقاذ في جوف الصهاينة بسبب وهن الأمة العربية المستمرة في صراخها: أين أنت الآن يا صلاح الدين؟! ما فعله إشكول أتى من الخلفية الصهيونية الكامنة في أجندة المنظمة الصهيونية العالمية التي تأسست على يد تيودور هرتزل أبو الصهيونية ببازل عام 1897 واضعًا خيارات متنوعة لإقامة دولة إسرائيل ما بين أوغندا و قبرص و الأرجنتين و كينيا و فلسطين و كان هرتزل مركزًا على أوغندا للتحكم في منابع النيل حتى لا يصل شريانه لمصر إحدى الدول التي عانى منها اليهود عبر ألفي سنة منذ الخروج الكبير طبقًا لما ورد في سفر الخروج بالعهد القديم لشرعنة الثأر و الإستيطان. جاء سد النهضة الذي أعلنت إثيوبيا عن إقامته ليحيي ما في صفحات الماضي بلغة الألفية الثالثة و هي حرب المياه محييًا الثأر الإسرائيلي الذي لم يمت إلى الآن كسلاح ضاغط لإضعاف الدول العربية سياسيًا و عسكريًا لتحقيق الحلم القديم بإقامة وطنًا إسرائيليًا كبيرًا من النيل إلى الفرات و هذا ما تسعى إليه إسرائيل عبر إثيوبيا لتكرر ما فعلته مع الأمة العربية بجعل حلم الوحدة سرابًا في صحراء الفُرقة بالتعجيل بإعلان وفاة الاتحاد الإفريقي المهدد بمواراة الثرى بسبب حرب المياه المنتظرة لإطلاقها في أي لحظة إذا إبتلع الأفارقة الطعم الذي إبتلعه العرب من قبل.