قبل سبعة أعوام كان من المستحيل على أعين الكاميرات أن تلتقط مشاهد الحركة العمرانية في قطاع غزة، أو أن تصطدم ولو بجدار منزل يتم تشييده. غير أن هذه الأيام لا تكاد حركة البناء في المدينة المحاصرة تتوقف بسبب انخفاض أسعار مواد البناء، لأول مرة منذ تشديد الحصار الإسرائيلي على القطاع في 2007 . وانخفض طن الإسمنت عن ال400 شيكل ( 108 دولار) وانخفض طن الحديد عن حاجز ال 3000 شيكل (810 دولار)، وهذا لم يحدث منذ الحصار، بتأكيد المقاول "عمران سعيد (47 عاما) والذي قال ل"وكالة الأناضول" إن هذه الأسعار كانت قبل الحصار تصل للضعف، واستدرك: " هذا إن وجدت أصلا". وفيما تنشغل يده في توجيه مجموعة من العاملين انهمكوا في تشييد جدران أحد المنازل وسط المدينة قال: إن مواد البناء انخفضت بسبب دخولها بكميات كبيرة للمشاريع القطرية من معبر رفح الحدودي. وكانت اللجنة القطرية لإعادة إعمار قطاع غزة قد وقعت مؤخرا على عقود لعشرات المشاريع السكينة، وإصلاح وترميم الشوارع بملايين الدولارات، في إطار منحة بقيمة 400 مليون دولار، قدمتها قطر لإعمار غزة. وتدخل مواد البناء لصالح المشاريع القطرية عبر معبر رفح البري، وهو الأمر الذي أدى إلى إنعاش الحركة العمرانية في غزة بعد سنوات من إغلاق معابر القطاع. وكانت 7 معابر حدودية مفتوحة تحيط بقطاع غزة قبل عام 2007، غير أن الحصار الإسرائيلي المشدد والمفروض عقب أحداث الحسم العسكري بين حركتي فتح وحماس، والتي انتهت بسيطرة الأخيرة على القطاع، دفع السلطات الإسرائيلية لاعتماد معبرين وحيدين فقط. واعتمدت إسرائيل معبر كرم أبو سالم (كيريم شالوم) (بين مصر وغزة وإسرائيل) معبرًا تجاريًا وحيدًا، حصرت من خلاله إدخال البضائع إلى القطاع، فيما أبقت على معبر بيت حانون (إيريز) (شمالي القطاع) بوابة لتنقل الأفراد بين غزة وإسرائيل. ورأى مقاول البناء "محمد النجار " 46 عاما" أن انخفاض أسعار المواد الخام والتعمير دفع أهالي المدينة إلى استغلال هذه الفرصة وطرق أبواب التعمير من جديد. وعلى يمينه وقف الحاج "أبو سالم حميد" صاحب العقد السادس من عمره ، يشاهد أعمال البناء في البيت الجديد المكون من أربعة طوابق، وقال في حديثه ل"وكالة الأناضول":" أريد تزويج الأولاد، والمنزل القديم لا يتسع، وما من فرصة أفضل من هذه". وتحتاج غزة، بحسب خبراء، لبناء أكثر من 100 ألف وحدة سكنية للتغلب على الضائقة السكنية. ويعاني القطاع (360 كم 2) من كثافة سكانية هي الأعلى في العالم بسكانه البالغ عددهم أكثر من 1.7 مليون نسمة. ورأى الخبير الاقتصادي "محسن أبو رمضان" في حديثه لوكالة الأناضول أن قلة أسعار مواد البناء ارتبطت بدخول مواد المشاريع القطرية والدولية . ومع تأكيده على حالة العمران الكثيفة في القطاع إلا أن أبو رمضان رأى أن أغلب أصحاب الدخل المحدود لا يمكنهم أن يشيدوا المنازل الجديدة، ويستفيدوا من انخفاض هذه الأسعار، واستدرك: "اليوم الهم الأساسي للمواطن هو البحث عن لقمة العيش ". ووصف رئيس اتحاد المقاولين سابقا أسامة كحيل ما تشهده غزة بالأمر الإيجابي، وقال في حديثه ل"وكالة الأناضول" إن أهالي القطاع يستغلون هذا الانخفاض من أجل تشييد منازلهم، أو إضافة طوابق جديدة لتزويج أبنائهم . وقال كحيل: إن الأنفاق ساهمت بشكل كبير في انخفاض أسعار مواد البناء، ومع ازدياد الطلب على هذه المواد تنخفض أسعارها أكثر فأكثر. وتعمل مئات الأنفاق المنتشرة على الحدود المصرية الفلسطينية إلى إدخال مواد البناء. وتمنى كحيل أن يتم رفع الحصار بشكل كامل ونهائي عن غزة لتنعم بحركة عمرانية واسعة ولا تقتصر بتأكيده على نهضة مؤقتة.