تمر اليوم الذكرى الثانية و الستون على تولي الدكتور محمد مصدق رئاسة وزراء إيران من خلال انتخابات برلمانية تمت في مجلس النواب الإيراني يوم 28 أبريل من عام 1951 كنقطة بداية للديمقراطية في إيران في ظل حكم (الشاهنشاه) أو شاه إيران الذي كان يتسم بالديكتاتورية و الإستبداد و لكن جاءت تلك الانتخابات لتخرج من مكنونات الشعب الإيراني إرادة حديدية تجعله يختار رئيسًا لحكومته بناءً على ما يراه الشعب لصالح البلاد. كانت إيران منذ حكم الشاه (رضا خان) والد (محمد رضا بهلوي) في عام 1925 تعاني من السيطرة البريطانية على النفط الإيراني حيث تعد إيران من أكثر الدول الغنية بتروليًا مما جعلت بريطانيا تنتهج ما تنتهجه أمريكا الآن بالسيطرة على نفط العالم و مركز هذه السيطرة النفطية تبدأ من إيران عن طريق إحتكار إكتشاف و تكرير و تسويق النفط الإيراني من خلال الشركة البترولية (الأنجلو إيرانية) التي كانت معظم أسهمها تقع تحت يد الحكومة البريطانية و بالتالي تسرب لدى المواطن الإيراني أن ثروته ليست ملكه بسبب الإستبداد الوطني الأجنبي الذي يمارس على حساب الشعب الذي هو في الأصل مالكًا شرعيًا و دستوريًا لموارد البلاد الطبيعية. (الشاه محمد رضا بهلوي و رئيس الوزراء محمد مصدق و الصراع الملتهب بينهما) هنا رغم تالك المأساة أتت الميزة من رحم العيب بإندماج القوى الوطنية مع بعضها البعض في عهد الشاه (محمد رضا بهلوي) أخر الأباطرة الإيرانيين من أجل هدف واحد ألا و هو تأميم النفط الإيراني بالقضاء على اتفاقية عام 1933 التي وقع عليها (رضا خان) مع الجانب السوفيتي في مسألة الشراكةالنفطية و كانت تلك القوى تتسم بالتنوع الفكري و المنهجي حسب منهج كل حزب ينتهجه ما بين (الليبراليين والتيار الديني والقوميين والإشتراكيين) و أصبح المنهج المطلوب هو (تأميم البترول الإيراني) من سيادة الشاه. (الإنقلاب على محمد مصدق عام 1953) كانت تلك الحركة الوطنية تهدف إلى تكوين حكومة وطنية تحرر البلاد نفطيًا و اقتصاديًا من الإمبريالية البريطانية التي تسببت في أزمات اقتصادية للشأن الإيراني و من هنا بدأ صدى تلك الحركة الوطنية يأتي بثماره بعد أن نجح في التأثير على مجلس النواب الخامس عشر في رفض الاتفاقية السوفيتية الإيرانية بعد إعادة النظر في بنود تلك الاتفاقية من خلال القانوني و السياسي الكبير من المعارضة د/ محمد مصدق الذي ترأس لجنة دراسة الاتفاقية و بناءً على دراسته للاتفاقية في بنودها و محتوياتها رفض البرلمان الإيراني هذه الاتفاقية عام 1949 بناءً على تقرير اللجنة برئاسة مصدق التي أقرت (إن اللجنة ترى أن أفضل عمل تقوم به هو تأميم النفط الإيراني). ظل هذا كلام الموثق من قِبل لجنة د/ مصدق حلم يداعب مخيلة الإيرانيين إلى أن جاء عام 1951 و الإمبريالية البريطانية ترتشف النفط الإيراني بنهم الأسود الجائعة مما زود من حالات السخط العام في الشارع الإيراني حيث كان رئيس مجلس الوزراء في ذلك الوقت (حسن رزم آرا) الذي أغتيل يوم 7 مارس من عام 1951 إثر هذا السخط الإيراني الكبير ليعاد فتح ملف التأميم مرة أخرى لتشرف اللجنة البرلمانية على تنفيذه على أرض الواقع بعد موافقة البرلمان عليه و بناءً على هذه الخطوة كانت صناديق الإقتراع تشاطر الشعب في رغبته مما أدى إلى فوز الدكتور محمد مصدق بالانتخابات البرلمانية ب79 صوت مقابل 12 صوت ليقر البرلمان الإيراني رسميًا بناءً على رغبة الجماهير بتولي د/ محمد مصدق رئاسة الوزراء في إيران لتظهر الديمقراطية على الساحة الإيرانية و تكون إيران أول دولة في الشرق الأوسط تحاول أن تطبق الديمقراطية على أرض صلبة. (الشعب الإيراني يحمل صورة ملهم ثورتهم المجهضة محمد مصدق) أصدر (محمد مصدق) أول قرار حكومي منذ توليه السلطة بتأميم النفط الإيراني رغم أنف الإمبريالية الغربية ذات الأنياب الأمريكية البريطانية المشتركة و ذلك بتحالفه المتزن ما بين توجهه الليبرالي التحديثي مع حزب توده الشيوعي لمواجهة الضغوط الداخلية من قِبل الشاه و الضغوط الخارجية من قِبل أمريكا و بريطانيا و هنا ظهر الغضب البريطاني الأمريكي ممزوجًا بغضب الشاه (محمد رضا بهلوي) ليواجه (مصدق) صراعًا وضعه بين شقي الرحا ما بين الناب الخارجي و الناب الداخلي و لكن كان سلاح (مصدق) الشعبية الجارفة التي أكتسبها بعد قرار التأميم و لكن واجه مصدق مشاكل اقتصادية بسبب عدم بيع و لو قطرة واحدة من البترول بعد أن أُمم على يديه و ذلك للممارسات الأمريكية البريطانية التي وقفت أمام إكمال منجزه السياسي بمنجز اقتصادي حتى توضح القوى الإمبريالية أن النفط الإيراني فشل في أن يدار بنجاح فائق بأيدي وطنية. لجأت بريطانيا إلى (محكمة العدل الدولية) بلاهاي متهمة (محمد مصدق) بأنه ينتهك حقوق بريطانيا النفطية فإذ بمصدق يدافع عن نفسه و بلاده مؤكدًا أن النفط نفط إيران و أن بريطانيا ما هي إلا دولة إمبريالية تسرق إحتياجات الإيرانيين المحتاجين و من هنا فشلت مساعي إنجلترا بالحصول على حكم ضد مصدق لقوة موقفه في الدفاع عن حقوق بلاده ليزور مصدق القاهرة و يستقبل إستقبال الأبطال بتعاليق الزينة و الأنوار من قِبل الزعيم مصطفى النحاس ليجسد (مصدق) أسمى معاني الوطنية ليرحب به الشعب المصري على طول إمتداد طريقه تجاه شبرد ترحيب الأبطال مذكرًا المصريين بما فعله محمد فريد الزعيم الكبير في منع مد إمتياز قناة السويس لأكثر من سبع سنوات و ما فعله طلعت حرب فكريًا بإبطال هذا المخطط عبر كتاباته الفكرية و السياسية لتكون الضربة مزدوجة للجبهة البريطانية. (محمد مصدق رجل العام في مجلة التايم 1952) لم تسأم القوى الإمبريالية من النيل من مصدق و ذلك من خلال صفقة الشيطان التي تمت بين المخابرات البريطانية و المخابرات المركزية الأمريكية (السي آي أيه) بتمويل صحفيين و إعلاميين فاسدين مع تسخير جيش من البلطجية لتشويه صورة مصدق الذي خطط لعمل ما بعد التأميم بتبنيه مشاريع إصلاحية في مجال الإستصلاح الزراعي بمعاداته للإقطاعيين مع تبنيه لفكرة عدم الإنحياز بعيدًا عن التحالفات مع الكتلتين الشرقية و الغربية و التي نضحت عقب الحرب العالمية الثانية لبحث الشعوب الشرقية عن استقلالها المسلوب. كانت هناك مؤامرة داخلية أيضًا ضد (محمد مصدق) من قِبل الشاه بعد أن أقصى (مصدق) العناصر الملكية من وزارته إلى جانب فرض إجراءات حازمة ضد الشاه من حيث نقل أراضيه من ملكيته الخاصة إلى ملكية الدولة مع تقليص ميزانية البلاط الملكي و تشكيل لجنة برلمانية للتحقيق في ملفات الفساد و الرشاوي ليقوم مصدق بعمل خطوات إصلاحية سياسيًا و إستراتيجيًا و اقتصاديًا. أراد الشاه أن يتخلص من (مصدق) لتهديده العرش (الشاهنشاهي) الذي تأرجح من الإصلاح المصدقي بنهج الليبرالية و الحداثية و تجتمع المصالح الداخلية مع الخارجية لإقصاء مصدق فإذ بمحمد رضا بهلوي يدعم القوة الخارجية بتسخير الإعلام الفاسد و ضباط الشرطة مع فتاوى أئمة السلطة بأن قرارات مصدق ضد الإسلام مع إختلاق الأزمات الأمنية عبر البلطجية ليتم وضع مصدق بين أسنان التروس التسلطية الخارجية و الداخلية. في 16 أغسطس من عام 1953 قرر الشاه (محمد رضا بهلوي) إقالة د/ محمد مصدق من رئاسة الوزراء و تعيين الجنرال (فضل الله زاهدي) مكانه مما جعل مؤيدي (مصدق) يخرجون للشوارع مدافعة عن (مصدق) ملهم الشعب بالثورة المكبوتة مما أوضح موقف الشاه الضعيف ليفر إلى إيطاليا عبر العراق و هو متخذ قرار عزل (مصدق) و تعيين (زاهدي). مرت أيام قليلة بعد هروب الشاه لتقوم الثورة المضادة بلملمة أوراقها بتسخير البلطجية و دعاة الخبز بإختلاق الأزمات و المظاهرات لتعجيز (مصدق) عن حلها و ذلك بمباركة أمريكية بريطانية مخابراتية مع تسخير مظاهرة قوامها (8 آلالاف) متظاهر صوري إعتراضًا على الإنفلات الأمنى المصطنع و الذي تم تناوله من قِبل الإعلام الموجه داخليًا من الشاه و خارجيًا من قبل السي آي أيه الأمريكية و المخابرات البريطانية للقضاء على مصدق من قِبل الشعب الذي أختاره عبر صناديق الإقتراع لإيهام الناس بأن إختيارهم لم يكن في محله. تم اغتيال القيادات التاريخية للجبهة الوطنية في نهار يوم جديد على إيران محملاً بالدموع و الدماء و تم قصف منزل الدكتور مصدق وسط مدينة طهران العاصمة الإيرانية بأوامر عليا من الجنرال (فضل الله زاهدي) و تم اعتقال (مصدق) و تمت محاكمته عسكريًا حيث صدر عليه حكم بالسجن ثلاث سنوات ثم وضع قيد الإقامة الجبرية ب(أحمد آباد) إلى أن توفي عام 1967 لتعود إيران إلى القناع (الشاهنشاهي) مرةأخرى لتعود للوراء عبر الرجعية الشاهنشاهية. فشلت ثورة مصدق لكن لم يكتب لها الوفاة النهائية لأن كما قال غاندي و فريد هامبتون: (يمكنك قتل الثائر لكنك لن تستطيع قتل الثورة). هذا ما تحقق عام 1979 بالثورة الإيرانية الإسلامية التي أطاحت بالشاه رضا بهلوي نهائيًا مع تخلي أمريكي عنه هذه المرة فما حدث عام 1953 جاء بتأييد جمهوري من خلال الرئيس الأمريكي (دوايت أيزنهاور) أما عام 1979 جاء برفض و تخلي ديمقراطي من قِبل الرئيس الأمريكي (جيمي كارتر) على الرغم من كون الشاه رجل أمريكا الأول لينفى الشاه بيولوجيًا و تاريخيًا و يتم إحياء مصدق مرة أخرى في سجلات التاريخ.