رغم جهود المجتمع الدولى فى الدفاع عن حقوق الأنسان الا أن التطهير العرقى والأبادة مازالت تهدد العالم فى القرن الحادى والعشرين ، ورغم كل الأصوات التى تعالت تندد وتدين وتناشد لوقف العنف مازالت مأساة مسلمى ميانمار " بورما" سابقا مستمرة منذ سنوات دون حدوث أى تطور ايجابى فى واحدة من أطول الانتهاكات لحقوق الأقليات فى العالم حيث تتعرض الأقلية من مسلمى "الروهينجا " للاضطهاد والتطهير العرقى على أيدى الأغلبية البوذية لقد أطلقت عليه المفوضية الأوروبية العنف الأحمق ، ولم تنل مأساتهم المروعة الأهتمام الكافى ، ولم يكرس لها ماكرس لأزمات غيرها . وفى اطار تحرك أسلامى فعال فقد أتجه مشروع البيان الختامى للأجتماع الوزارى لمجموعة الأتصال المعنية بالقومية المسلمة الروهينجا التابعة لمنظمة التعاون الاسلامى الذى عقد فى جدة مؤخرا فى 14 أبريل الجارى لتدويل القضية أى بنقل القضية الى الأممالمتحدة بدءا بمجلس الأمن والجمعية العامة وارسال لجنة تقصى حقائق الى ميانمار . وقد دعا أكمل الدين أحسان أوغلى أمين عام منظمة التعاون الاسلامى مجموعة الاتصال للتحرك من خلال التواصل مع المجتمع الدولى لتنفيذ توصيات قمة مكة الاسلامية ، وشدد على ضرورة ابقاء العالم يقظا ، ومواصلة تسليط الضوء على هذه المسألة ، وألا يسمح باستمرار المعاناة أو بأن تصبح المشكلة فى طى النسيان وذلك وفقا لمركز أبحاث ودراسات وكالة أنباء الشرق الأوسط. وطالبت مصر فى الاجتماع الوزارى ميانمار بوقف المذابح ضد مسلمى الروهينجا وأقترحت خطة من 5 نقاط لمساعدة مسلمى ميانمار، لقد قامت مصر منذ بداية الأزمة باتصالات وجهود على المستوى الثنائى والمتعدد الأطراف من أجل وضع حد للمأساة فى أقليم راكين ضد الروهينجا ، وباعتبار أن مصر رئيسة الدورة الثانية عشرة لمؤتمر القمة الاسلامى فهى مستعدة لاتخاذ الاجراءات اللازمة لدعم جهود المنظمة لتصل لحل هذه المشكلة . ويأمل المراقبون أن تفعل هذه القرارات على أرض الوقع وألا تلاقى نفس مصير القرارارت السابقة من الشجب والأستنكار والتنديد . ويأتى هذا التحرك الاسلامى بعد أن أودت الموجة الثالثة من الأعتداءات ضد المسلمين من قومية الروهينجا التى بدأت فى 20 مارس الماضى بمدينة ميتيلا بحياة أرواح بريئة ومسالمة وتدمير وحرق أكثر من 1300 منزل فضلا عن نزوح مايزيد على 6 ألاف مسلم، وكانت مواجهات قد نشبت بين البوذيين والمسلمين بولاية راخين غرب البلاد ذات الأغلبية المسلمة فى عام 2012 أسفرت عن سقوط أكثر من 180 قتيلا ونزوح 26 ألفا أغلبهم من مسلمى الروهينجا حسب احصائيات الأممالمتحدة ثم تجددت هذه الأشتباكات مرة أخرى فى أكتوبر الماضى . .جروحهم لاتندمل ، ألامهم ومأسيهم لاتنتهى ،وكلها تعبيرات تصف الأضهاد الذى شهدته الأقلية المسلمة فى بورما على مدى تاريخها الملىء بالمجازر والجرائم البشعة من قتل وحرق وأغتصاب والتى جاءت الأحداث الأخيرة التى وقعت منذ يونيو الماضى لتحييها مرة أخرى وتحصد أرواح المسلمين بعد حرق منازلهم . فمع سبق اصرار وترصد أشعل البوذيون نيران الاضطهاد العرقى والدينى ضد المسلمين انسجاما مع خطاب الدولة التى وصفت أقلية الروهينجا بأنها وافدة وعلى مفوضية الأممالمتحدة لشئون اللاجئين أن تتولى أمرهم. وتنظر حكومة ميانمار والأغلبية البوذية للأقلية المسلمة من الروهينجا نظرة دونية على أنهم دخلاء ومهاجرين غير شرعيين قدموا من بنجلاديش للأستيلاء على أراضيهم رغم أنهم يعيشون فى البلاد منذ سنوات طويلة ، ومن ثم تم حرمانهم من حق المواطنة فلا يحق لهم المكوث فى البلاد باعتبار أن ميانمار أرض خالصة للبوذيين دون غيرهم وأستبدال بطاقات هوياتهم القديمة ببطاقات تفيد أنهم ليسوا مواطنين وليس لهم أى حقوق ومن يرفض فمصيره الموت أو الأعتقال ، كما أن بنجلاديش هى الأخرى لاتعترف بهم وتعيدهم الى ميانمار كلما حاولوا اللجوء اليها هاربين من ويلات العنف فى بلادهم. وفى نفس الوقت يسعى البوذيون بشتى الطرق لطمس الهوية الاسلامية واقتلاع جذور الاسلام من بورما بداية من هدم المساجد والمدارس مع اصدار قوانين لمنع اعادة بنائها وعدم السماح لهم بترميم ماتبقى ومحاولة نشر الأمية بينهم بحرمان أبناء المسلمين من مواصلة التعليم فى الكليات والجامعات ، ومن يذهب للخارج لاستكمال تعليمه يتم محو هويته من السجلات الحكومية بل عند عودته يتم اعتقاله فورا كما يحرم المسلمون من شغل الوظائف الحكومية بالاضافة لأجبارهم على الأعمال الشاقة لدى الجيش دون الحصول على أجر ، ومنعهم من السفر للخارج حتى لأداء الفرائض الدينية . وفى هذا الإطار أيضا يطوف الجنود البورماويون ، وهيئات التنفيذ القضائى وسفاحو الماغ البوذيين بأنحاء القرى المسلمة حيث يقومون بأذلال كبار السن وضرب الشباب ودخول المنازل وسلب الممتلكات . أما على الصعيد السكانى فإن الحكومة مازالت تقوم بأحداث تغييرات ملموسة فى التركيبة السكانية لمناطق المسلمين ، فلا توجد أية قرية أو منطقة الا وأنشأت فيها منازل للمستوطنين البوذيين ، ومنذ عام 1988 قامت الحكومة بإنشاء ما يسمى بالقرى النموذجية فى شمال أراكان حتى يتسنى تشجيع أسر البوذيين علىالأستيطان فى هذه المناطق. وتقوم السلطات هناك بإلغاء العملات المتداولة بين وقت وآخر دون تعويض ودون انذار مسبق ، واحراق محاصيل المسلمين الزراعية وعدم السماح لهم بالعمل ضمن القطاع الصناعى فى اراكان. وقد طالبت المنظمة الوطنية للروهينجا فى أراكان وهى احدى المنظمات المدافعة عن حقوق مسلمى بورما حكومة بورما بمعاملة شعب الروهينجا بشكل آدمى ووقف انتهاكات حقوق الإنسان ومنح الحقوق المدنية والسياسية للروهينجا بلا تأجيل بما فى ذلك حقوق المواطنة والحقوق العرقية فى بورما. كما دعت المنظمة كلا من الأممالمتحدة ومنظمة التعاون الاسلامى، والاتحاد الأوروبى ودول ومنظمات أخرى إلى أخذ تلك المتطلبات بعين الاعتبار. ودولة بورما تقع جنوب شرق أسيا تشترك فى حدودها مع بنجلاديش والهند والصين ولاوس وتايلاند أما مسلموها والذين يطلق عليهم أقلية الروهينجا يقيم أغلبهم فى أقليم أراكان الذى يقع فى جنوب غرب بورما ، يحده من الغرب خليج البنغال ومن الشمال الغربى بنجلاديش ، وفى شرقه سلسلة جبال الهيمالايا التى جعلت أراكان منفصلة عن بورما تماما الا ان بورما احتلتها وضمتها قسرا. وينحدر الروهينجا من أصول عربية وأتراك وفرس ، ومغول وبنغاليين ،ويعملون فى الزراعة والرعى والتجارة ومهن أخرى. ويبلغ عدد سكان بورما 55 مليون نسمة وتصل نسبة المسلمين بها الى 15% ولكن حكومة بورما تعلن دائما أن نسبة المسلمين لا تتجاوز 4 % لتهميش وجودهم. وبإلقاء الضوء على الماضى الأليم والمستقبل الغامض للمسلمين فى ميانمار نرى أن تاريخ دخول الاسلام فى أراكان كما ذكرت كتب التاريخ يرجع الى عهد الخليفة العباسى هارون الرشيد فى القرن السابع الميلادى حيث كان العرب يمارسون مهنة التجارة وكانت أراكان واحدة من البلاد التى يتبادلون معها التجارة ونشروا الاسلام فيها حتى استطاع المسلمون تأسيس دولة اسلامية فى أراكان عام 1430 بيد سليمان شاه. وقد استمرت الحكومة الاسلامية فيها أكثر من ثلاثة قرون ونصف تحديدا حتى عام 1784 وفى ذلك العام احتل الملك البوذى البورمى بوداباى أراكان وضمها الى بورما بهدف الحد من انتشار الاسلام فى المنطقة وقام بتدمير كل ماهو اسلامى من مساجد ومدارس كما قتل الشيوخ والدعاة بالاضافة لتشجيع البوذيين فى بورما على اضطهاد المسلمين واستباحة قتلهم ونهب خيراتهم وذلك حتى عام 1824 حيث قامت بريطانيا باحتلال ميانمار" بورما سابقا"وضمها الى مستعمراتها التى كانت فى الهند وقتذاك. وفى عام 1937 عندما انفصلت بورما عن الهند التى كانت خاضعة للاستعمار البريطانى ذلك الوقت بعد استفتاء شعبى قامت بريطانيا بضم إقليم أراكان الذى يسكنه مسلمو الروهينحا الى بورما بعد ان كان تابعا للهند .. فقابلت بورما ذلك بعدم الاعتراف بمسلمى الروهينجا كمواطنين بها ، واعتبرتهم غرباء ومهاجرين غير شرعيين من إقليم البنغال بنجلاديش حاليا على أرض بورما التى يسكنها شعب من البوذيين فقط ، وهكذا خلق البريطانيون المشكلة . وقد قام البريطانيون بعد ذلك بإشعال الفتنة بين الجانبين باتباع سياسة تمييزية ، منها : 1- طرد المسلمين من وظائفهم وإحلال البوذيين مكانهم 2- مصادرة أملاك المسلمين وتوزيعها على البوذيين 3- الزج بالمسلمين فى السجون ونفيهم الى الخارج 4- اغلاق المدارس الدينية والمحاكم الشرعية للمسلمين ونسفها بالمتفجرات . ثم وصلت السياسة التمييزية ضد المسلمين أوجها عندما قامت قوات الاحتلال البريطانى بتحريض البوذيين على قتال المسلمين وأمدتهم بالسلاح فارتكبوا مذبحة بشعة قتلوا فيها نحو 100 ألف شخص من المسلمين عام 1942. وظل اضطهاد المسلمين فى بورما قائما طوال العقود الماضية لم يتوقف بالرغم من التطورات الكبيرة التى شهدها المجتمع الدولى بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية. ورغم إنشاء الأممالمتحدة وصدور الميثاق العالمى لحقوق الإنسان وتأسيس منظمات دولية تعنى بالدفاع عن الحقوق ومقاومة التمييز استمر اضطهاد المسلمين هناك ، وذلك بسبب ان بورما كان يحكمها نظام عسكرى من أسوأ أنظمة العالم قمعا وفسادا استولى على الحكم عام 1962 بانقلاب عسكرى قاده الجنرال " نيو وين" وكان لايعترف لا بحقوق الانسان ولا بالحريات ولا حتى بالقضاء ، وكان يجمع فى يده كل السلطات التنفيذية والتشريعية والقضائية .. وخلال الفترة من عام 62 الى 91 تم تهجير 1،5 مليون مسلم من أراضيهم الى بنجلاديش. وفى عام 1982 قامت السلطات فى بورما بتقنين التمييز ضد مواطنيها من المسلمين بأن صادقت على قانون ينص على أنهم مواطنون من الدرجة الثالثة وصنفتهم على انهم أجانب دخلوا البلاد كلاجئين أثناء فترة الاحتلال البريطانى وبالتالى ليس لهم أية حقوق سياسية. وقد أدانت المنظمات الدولية هذه الممارسات ، واستنكرت هذا التصرف وفى نوفمبر 2009.