ينظر القضاء الإداري الثلاثاء المقبل، دعوى بطلان الجمعية التأسيسية للدستور، والتي أقامها أحد المحاميين مختصمًا فيها رئيس مجلس الشعب، د.سعد الكتاتني، والمشير محمد حسين طنطاوي، رئيس المجلس العسكري، مؤكدًا خلالها على أهمية تضافر الجهود عقب الثورة لتنهض مصر من جديد، ولذا يجب أن يكون الدستور ممثلا لكافة فئات المجتمع، وليس في صورته الحالية القاصرة على أنصار التيار الديني، في ظل تهمييش العديد من التيارات والشخصيات العريقة بالمجتمع، معتبرة أن قرار تشكيل الجمعية التأسيسية مخالفا لنص المادة 60 من الإعلان الدستوري. أكد محركو الدعاوى القضائية بمجلس الدولة على أن معايير اختيار اللجنة لم تراع في حيثياتها أسلوب اختيار تشكيل اللجنة بما يضمن تمثيل عادل لأطياف الشعب المصري، ومبدأ المساواة الذي ينص عليه الإعلان الدستوري. أشاروا إلى أن كافة أعضاء اللجنة، والتي من المتوقع أن يكون أغلبيتها إسلامية انعكاسًا للأغلبية البرلمانية وسيطرة جماعة الاخوان المسلمين على النقابات ومراكز القوى خارج البرلمان، سيعملون لمصلحتهم الشخصية، وفقًا للوضع الراهن، بما يتيح لهم العمل على وضع مزايا تخدمهم في الدستور الجديد، بما يضمن عدم استقلاليته. يرمي عدد من الساسة وشباب الثورة وعدد من قادة الرأي العام في مصر آمال كبرى على تلك القضية، والتي من الممكن أن تعيد تشكيل اللجنة التأسيسية للدستور، على نحو يرضي الشارع المصري، ويمنع سيطرة التيار الإسلامي وحده عليها. وعبّر الفقيه الدستوري إبراهيم درويش عن ثقته في القضاء المصري بأنه سيبنتصر للأساليب العالمية المتعارف عليها في صياغة الدساتير، والتي يجب أن تكون بتوافق شعبي حولها، وألا يستأثر فصيل واحد بصياغة الدستور، مشيرًا إلى عدم دستورية تأسيس اللجنة التي جاءت عبر أغلبية برلمانية، من خلال حزب واحد فقط، قائلا "الدستور لابد أن يعبر دوما عن إرادة الأمة وليس إرادة حزب معين له الأغلبية فقط، فلابد أن يكون الدستور توافقي بصورة كبيرة يضمن تأييدًا بالشارع المصري". فور أن تم الإعلان عن آلية اختيار لجنة المائة (اللجنة التأسيسية للدستور)، ثار جدلا موسعًا بالشارع المصري، فاعتبر البعض أن قرار مجلسي الشعب والشورى باختيار اللجنة عبر 50% من البرلمان و50% من خارجه، أمر "غير دستوري"، ويتعارض مع نص المادة 60 من الإعلان الدستوري، التي تقضي بالمساواة بين المواطنين جميعهم.. يعتبر البعض الآخر أن قرار اللجنة جاء جيدًا في ظل وجود برلمان منتخب عليه توافق شعبي، يشارك في تأسيسية الدستور بنسبة 50%، بما يعطي للجنة الشرعية الكاملة. المعارضون للقرار يؤكدون على عدم رضاهم عن تمثيل البرلمان باللجنة، مؤكدين أن وجود أغلبية إسلامية داخل البرلمان سيعطي انعكاسًا للأوضاع داخل اللجنة التأسيسية للدستور، خاصة أن جماعة الإخوان المسلمين هي الأخرى تسيطر على النقابات ومراكز القوى بالشارع المصري، بما ينذر بأغلبية إسلامية داخل لجنة المائة، من الممكن أن تعمل لصالحها، ولرؤيتها الخاصة، وفقًا لما ترسمه الساحة السياسية الآن، بما ينذر بدستور محادي لرغبات البعض على حساب البعض الآخر. يؤيد هذا الاتجاه د.محمد نورفرحات، الفقيه الدستوري، مؤكدًا على أن القرار جاء مخالفًا لمبادئ الإعلان الدستوري، خاصة المادة 60 منه التي تقضي بضرورة المساواة، والمواطنة، فأسهمت طريقة اختيار اللجنة التأسيسية في تهميش المواطنين، وإهدار حقهم في انتخاب اللجنة، والتصويت فيها. من جانبه، قال الخبير العسكري، حسام سويلم، في تصريحات خاصة ل "أموال الغد"، إن تشكيل اللجنة المخولة لوضع الدستور الجديد، والمكونة من 100 عضو، على النحو الذي اقترحه نواب البرلمان منذ أيام ما هو إلا "مهزلة كبرى"، خاصة أن الأغلبية البرلمانية حتمًا ستسقط وستتغير، بما يعني أن اشتراكها في وضع الدستور غير ذات جدوى، مؤيدًا كافة الدعاوى القضائية التي تم تقديمها لمجلس الدولة، والتي من شأنها إسقاط قرار اللجنة بعد الجدل الثائر حولها. وفي الوقت الذي نادى فيه عدد من القانونيين والفقهاء الدستوريين بعدم دستورية القرار، إلا أن البعض أشاد به، مؤكدًا على دستوريته بشكل طبيعي، على رأسهم الفقيه الدستوريعاطف البنا، الذي أكد أن الإعلان الدستوري أعطى الحق لمجلسي الشعب والشورى في اختيار اللجنة، وأعطى لها ذلك بكامل الحرية، باعتبارهما مجلسان منتخبان يعبران عن الإرادة الشعبية، وهو الرأي الذي وافقه أيضًا د.مصطفى الفقي، معتبرًا أن القرار هو "الأمثل". المؤيدون للقرار وجدوا فيه أيضًا مخرجًا من اللغط الذي أثير مؤخرًا حول معايير اختيار اللجنة، وتمثيل البرلمان، بحيث لم يعط القرار الأغلبية للبرلمان أو خارجه، ووقف على الحياد. سيناريوهات عديدة رسم الخبراء 3 سيناريوهات للجدل الحادث حول تأسيسية الدستور، أولهم، هو أن يستمر الوضع على ما هو عليه، وهو الرأي الذي يتوقعه العديدون، ومنهم المهندس عمرو زكي، عضو مجلس الشعب، والأمين العام المساعد لجزب الحرية والعدالة، الذي يرى أن تشكيل اللجنة التأسيسية للدستور لم يأت مخالفًا للإعلان الدستوري، بل كان متوافقًا مع مادته 60.. أما السيناريو الثاني هو أن ينتصر القضاء المصري للطعون المقدمة مؤخرًا، ويبت في بطلان تشكيل اللجنة، خاصة أن مجلس الشعب الحالي مطعون في صحته، ومن الممكن أن يتم حله فور أن تتخذ محكمة القضاء الإداري قرارها بذلك، بما يعني أن تشكيل اللجنة التأسيسية يشوبه نوع من البطلان. والسيناريو الثالث، هو ما كشفت عنه (تسريبات) من معسكر المجلس العسكري، والتي أكدت على أنه غير راض على تشكيل اللجنة التأسيسية للدستور، وغير راض على استحواذ البرلمان على هذه النسبة الكبيرة، بما يعني أنه من الممكن أن يتدخل لحسم هذا الجدل. أكد خبراء على أن تشكيل اللجنة التأسيسية للدستور بالشكل الحالي يعطي صلاحيات كبيرة للسلطة التشريعية (البرلمان) على حساب السلطتين التنفيذية والقضائية، بما يعني ضرورة إشراك السلطات الثلاثة بنفس النسبة، كي لا يخرج الدستور الجديد مطعونًا عليه ومشكوكًا في صحته. وفي السياق ذاته، اتخذ عدد من شباب الثورة اجراءات استباقية، فراحوا يشنون حملات على مواقع التواصل الاجتماعي مثل الفيس بوك، للمطالبة بعدم التصويت على الدستور الجديد، ومقاطعة أية تصويتات لإقراره، خاصة أنه مشكوك في مدى دستوريته من الأساس، بعد انفراد البرلمان بصياغته. مواقف مرنة راح حزب الحرية والعدالة، الذراع السياسية لجماعة الإخوان المسلمين، يبدي مواقفًا أكثر مرونة مع الأزمة الطاحنة التي شهدتها الساحة السياسية بشأن الجدل الموسع حول معايير اختيار النواب داخل الجمعية، وعدم تمثيل كافة أطياف الشعب، فضلا عن سيطرة الإسلاميين عليها، فأكد الحزب أنه على استعداد لإعادة النظر في تشكيل الجمعية مرة أخرى. أشار الحزب على لسان عضو الكتلة البرلمانية وعضو المكتب التنفيذي له، د.محمدالبلتاجي، على أنه على أتم استعداد لفتح باب الحوار مع المجموعة التي انسحبت من الجمعية التأسيسية للدستور، على أن يقوم بمراجعة الأعضاء من الحرية والعدالة بداخل الجمعية، وإقصاء عدد منهم، مقابل استبدالهم بآخرين ممن يرضى بهم الشعب، بعد هذا الجدل المثار حول الجمعية. موقف الإخوان "الهادئ" جاء بعد أيام طويلة من الشد والجذب على الساحة السياسية، وبعد مؤتمر حاشد تحت عنوان "الدستور.. لكل المصريين" عقدته القوى المنسحبه من التأسيسية بمقر نقابة الصحفيين، قامت خلاله بشن هجوم قوي على البرلمان الذي تسيطر عليه أغلبية إسلامية تتحكم في مجريات الأمور، وكأنها جزب وطني جديد. من جانبهم، رفض المنسحبون مبادرة الحرية والعدالة، التي اعتبروها ل "التهدئة فقط"، مؤكدين أن الأساس الذي تم بناء عليه اختيار نواب اللجنة باطل، وأن نسبة تمثيل البرلمان بالجمعية التأسيسية غير ذات جدوى، وتصب في صالح السلطة التشريعية على حساب السلطتين التنفيذية والقضائية، وعلى حساب باقي القوى السياسية غير لممثلة بقوة بالبرلمان. وكتعبير للرفض عن مبادرات الإخوان المسلمين الساعية نحو التهدئة إيزاء هذا الملف الشائك، أعلن النائب مصطفى الجندي، عضو مجلس الشعب، أنه يجري الآن تشكيل جمعية تأسيسية موازية لصياغة الدستور المصري، يشارك فيه كافة القوى، ويُمثل فيه جميع عناصر المجتمع من مختلف انتماءاتهم السياسية والفكرية، بما يثري الدستور، على أن تقوم تلك اللجنة الموازية بصياغة دستور جديد لمصر، في مواجهة "دستور الإخوان".