في ظل استمرار أحداث الثورات العربية, وتداعياتها السياسية والاقتصادية عقدت الجمعية العربية للبحوث الاقتصادية مؤتمرها هذا العام أخيرا لمناقشة قضية الاقتصاد السياسي للمتغيرات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية الراهنة في الدول العربية. شارك في المؤتمر عدد من الاقتصاديين المصريين والعرب, قدموا تشخيصا للاسباب الاقتصادية التي أدت الي قيام الثورات والانتفاضات في مصر وعدد من الدول العربية. كما ساهم عدد من الاقتصاديين من خلال دائرة الحوار التي عقدت علي هامش المؤتمر, بوضع تصور عن الخيارات المصروحة للمسار الاقتصادي, وهل تستمر الدول العربية في اتباع مبادئ النظام الرأسمالي التي تؤكد حرية السوق أم تتبع نظام التخطيط المركزي الذي يوفر حدا أدني من مستويات المعيشة لجمهور المواطنين, أم أن المنطقة ستخرج من تلك الاحداث بنظام اقتصادي ثالث, ينبع من حضارتها الإسلامية, وهو نظام اقتصادي إسلامي, كان قد دعا الي اتباعه بعض الاقتصاديين ورجال الدين الاسلامي في السنوات الأخيرة لكن مازالت تدور التساؤلات حول كيفية تطبيقه. وتبقي الملاحظة الرئيسية التي كشف عنها المؤتمر هي ان الدول العربية, ومنها مصر, عجزت منذ السبعينيات في ظل اتباعها نظام حرية السوق وبرامج صندوق النقد والبنك الدوليين, عن أن تقدم فكرا اقتصاديا تحل به المشكلات التي واجهتها. وأن ذلك كان نتيجة اتباع النظم الاقتصادية الغربية التي أشرفت علي تنفيذها المؤسسات الدولية ولم تكن نظما طرحت من الداخل. وأن تطبيق هذه البرامج قد واكبه مزيد من التشوهات الاقتصادية والاجتماعية في تلك الدول افرزت بدورها الثورات والانتفاضات العربية. والمتابع لما طرح خلال مناقشات المؤتمر ما تم تقديمه من اوراق بحيثة, يجد تشابها كبيرا في المشكلات التي واجهتها تلك الدول في العقود الماضية. فعند عرض ما واجهته دول المغرب العربي, من مشكلات البطالة وانتشار الفساد في مؤسسات الدولة, واتباع سياسات معادية للفقر, وتوزيع غير متوازن للقوي السياسية وتخصيص غير عادل لموارد وثروات الدولة. مع اتساع علاقات التحالف, مابين أصحاب القرار وأصحاب الاموال والثروات, هو ماطرحة الدكتور زايلري بلقاسم من جامعة وهران بالجزائر تجد انه يتشابه كثيرا مع مايقدمه الاقتصاديون المصريون من شرح للأوضاع في مصر بل ويتطابق مايشير اليه من تفاوت توزيع الدخل وتخلف وعجز مسيرة الاصلاح السياسي عن اللحاق بركب الاصلاحات الاقتصادية مع ما طالبت به بعض الشخصيات والاتجاهات في مصر في الثمانينيات والتسعينيات. وفقا لجريدة الاهرام وقد أوضح الدكتور زايلري بلقاسم أن الاصلاحات الاقتصادية والارتباط العالم الخارجي والانظمام الي ترتيبات اقليمية والارتباط العالم الخارجي والانضمام الي ترتيبات اقليمية والي المنظمة العالمية للتجارة, ومناطق التبادل الحر واتفاقيات ضمان الاستثمار, كانت خطوات مهمة علي المستوي الاقتصادي, لكن لم يصاحبها الاصلاحات السياسية اللازمة. ومن ضمن ماطرحه النقاش, ظاهرة التهميش الاجتماعي والاقتصادي, كأحد أهم أسباب قيام الثورات العربية. خاصة بين الشباب. وقد أوضحت الدكتوره سمية أحمد عبدالمولي بكلية التجارة وإدارة الاعمال بجامعة حلوان, أن التهميش الاجتماعي للشباب حدث نتيجة اختلالات سوق العمل وارتبط باتساع التفاوت وتزايد ضغوط الفقر, كان محفزا لإثارة السخط علي الانظمة القائمة. وأشارت الي أن المشكلة لم تتوقف علي عدم توفر فرص عمل, بل ان كثيرا من الفرص التي تتاح للشباب في سوق العمل غير لائقة بالمؤهل العلمي الذي حصل عليه. وأن عددا من التقارير التي أصدرتها منظمات دولية أكد أن قصور اتاحة العمل اللائق في الدول العربية كان بمثابة قنبلة زمنية وساهم في ذلك غياب الشروط المناسبة في العمل مثل وجود عقد وضمان اجتماعي وتأمين صحي او تمثيل نقابي, بما يشير الي تجاهل اصحاب العمل للقوانين المعمول بها, وأشارت إلي أن الحالة المصرية تقدم نموذجا, مهما لمشكلة الشباب, خاصة من الفئات متوسطة ومنخفضة الدخل, الذين يفتقرون الي شبكة علاقات اجتماعية تساندهم في الحصول علي فرصة عمل, بينما تتاح فرص العمل للشباب الذين ينتمون لأسر ثرية, والشباب الذين يحصلون علي مستوي متميز من التعليم. كما لاحظت ان فرص العمل لأبناء المحافظات الحضرية أفضل من هؤلاء الذين يعيشون في الريف, لذلك عجز ابناء الاسر الفقيرة عن الحصول علي فرص عمل تتيح رفع مستوي دخل الأسرة, وبذلك أصبح العمل مصدرا لحدوث التهميش الاجتماعي, بدلا من ان يكون وسيلة لرفع مستوي المعيشة. كما انطوي التهميش السياسي والاقتصادي والاجتماعي الذي حدث في مصر.. من خلال ما طرحه الدكتور المرسي عزت أستاذ الاقتصاد بتجارة الاسكندرية وانطوي علي استغلال موارد الوطن لمصلحة فئة محدودة تعيش علي حساب الفئات الاخري. لذلك كان اقتصاد النظام الاقتصادي والسياسي للعدالة والسيطرة المتزايدة لرأس المال علي الحكم احدي الآليات المهمة لحدوث الثورة, كما أسهم في ذلك فساد ونظام الاجور وجموده وعدم اتساقه مع الزيادة في تكاليف المعيشة مما جعل الملايين من صغار العاملين في جهاز الدولة والقطاع الخاص فقراء. الا ان مواجهة هذه المشكلات لابد ان يكون في رأيه بعلاج ظاهرة التهميش السياسي والاقتصادي والاجماعي, وهو الطريق الأكثر أمنا للوطن, ويعد بديلا عن الثورات الشعبية, التي يري انها أسوأ طرق التغيير او التحول الاقتصادي. وقد تكرر الحديث عن ظاهرة التهميش الاقتصادي والسياسي والاجتماعي لفئات عريضة من الشعب, في مصر, وتونس والعديد من الدول العربية, وكانت أساسا, لحدوث ثورات الربيع العربي. بينما يؤكد الدكتور عبدالفتاح العمومي من تونس ان ذلك يرجع الي السياسات التي اتبعتها الكثير من الدول العربية منذ السبعينيات من القرن الماضي. والتي اتسمت بالجمود السياسي والكساد والاقتصادي. وافرزت عديدا من المشكلات الخطيرة مثل تقلص معدلات النمو الاقتصادي العيني, وتفشي مشكلة البطالة وزيادة الفقر وتزايد ظواهر التهميش. بينما انتشر الفساد وسيطر نفوذ الرأسمالية الاتتقاعية التي لاتعمل الا لمصالحها ولاتخذم مصالح الفئات الاخري من الشعب. وأن هذه الاوضاع الاقتصادية والاجتماعية تزامن معها عجز الحكومات العربية عن الخروج من حالة الكساد الاقتصادي, والحد من الاعتماد علي الموارد التي تأتي من السياحة وتحويلات العاملين بالخارج, ومواجهة تزايد العجز التجاري. وقد ادي ذلك الي زيادة تأثر اقتصادات الدول العربية بالازمة المالية والاقتصادية العالمية وتفاقم مشكلات البطالة والفقر بها. كما اكدت المناقشات كثيرا من القضايا الخاصة بالسلبيات التي تعاني منها شبكات الامان الاجتماعي, ونموذج لذلك مصر. حيث يذهب جزء من الدعم لفئات لاتستحقه. كما ترتفع مصروفات الدعم يذهب جزء كبير منه للاسكان والغذاء والطاقة, دون ان يكون لذلك اثر ايجابي, وهو ما أثاره الدكتور سمير مصطفي المستشار بمعهد التخطيط القومي. وأضاف الي ذلك ملاحظة حول ضعف شبكات الامان الاجتماعي في مصر التي تضمن للمواطنين الحد الادني المناسب لنفقات المعيشة, مثل نظم اعانات البطالة التي تتبعها الاقتصاديات الغربية, والتي يتم منحها في اطار نظام يضمن توفير فرص عمل عن طريق مكاتب التوظيف. كما تقوم بعض الدول بتوزيع بعض انواع من الغذاء مجانا. ويؤكد أن ما أثير عن عقد اجتماعي جديد في السنوات الاخيرة, ولم تتخذ بشأنه اية اجراءات للتنفيذ, واعتمدت الدولة علي ماتقدمه من دعم, وتراجعت عن التزاماتها في التشغيل, لكنه كما ذكر فإن وفاء الدولة بالتزاماتها أمر ضروري, لكن فقد المواطنين الثقة أدي الي قيام اول ثورة في التاريخ, تنادي بسقوط الحاكم ولاتنادي بالخبز.