جلس علي عرش المركزي في فبراير 2013 ليدير الملف الأخطر لاقتصاد مضطرب يحتاج للكثير من الإصلاحات الهيكلية، وصعّب من مهتمه أنه خلف في منصبه فاروق العقدة الذي قاد سفينة المركزي لسنوات استطاع خلالها ضبط السياسة النقدية وكذا سياسات الصرف الأجنبي التي ترتبط ارتباطًا مباشرًا بحركة التجارة الدولية لمصر ومستوي أسعار السلع في السوق. عاني رامز من التحديات الاقتصادية الضخمة والتي ارتبطت بتراجع مصادر الإيرادات الدولارية بالتزامن مع تطور مؤشر النفقات التي يذهب أغلبها لاستيراد السلع من الخارج، وواجه صعوبة كبيرة في كيفية التأقلم مع السياسة المالية المضطربة للدولة والتي كانت تسير تارة تجاه النهج التوسعي عَبر ضخ حزم لتحفيز الاقتصاد والتوسع في الانفاق مثلما حدث في عهد حكومة الببلاوي، وتارة أخري تنتهج السياسة المالية نهجًا انكماشيًا لتخفيف الضغط علي عجز الموازنة بمحاولة تقييد الصعود في جانب النفقات وهو ما تعمل عليه حكومة محلب. وفي ظل هذا المناخ المضطرب كان علي "رامز" أن يقود الجهاز المصرفي نحو تحفيز الطلب الاستهلاكي في عدد من القطاعات المؤثرة وفي مقدمتها القطاعين العقاري والسياحي اللذين كانا الأكثر تأثرًا، وأن يحسن من تعبئة المدخرات العامة وتحويلها للاستثمار من خلال تهيئة المناخ المناسب لذلك . كل هذه التحديات كانت تحتاج لرجل علي قدر عالي من الكفاءة يتقن "صنعته" متمرس فيها حتي لا يصطدم بالاختلاف بين ما قد يعترف به "الفكر الأكاديمي"، وما يتطلبه الواقع العملي وهو الأمر الذي عاني منه الاقتصادي البارع أحمد جلال عند توليه حقبة المالية في حكومة الببلاوي. الاحتياطي النقدي : "رامز " تمكن من إدارة ملف "الاحتياطي النقدي الأجنبي" بحرفية شديدة حدت من تراجعه خاصة في ظل تذبذب مصادر العملة الدولارية، وصعود النفقات المطلوب تدبيرها بالعملة الصعبة لاستيراد السلع من الخارج والوفاء بإلتزامات مصر النقدية تجاه عدد من الجهات الخارجية الدائنة . وتمكن رامز خلال الفترة الممتدة من تاريخ توليه "المنصب" وحتي الآن من المحافظة علي قيمة الاحتياطي عند حدوده الآمنة التي تدور حول تغطية 3 أشهر من فاتورة الواردات حيث ظل الاحتياطي فوق مستوى ال 15 مليار دولار بنهاية نوفمبر 2014 ولم يفقد الاحتياطي سوي 1,15 مليار دولار خلال 11 شهرًا قامت الدولة خلالها بسداد 3 مليارات دولار لقطر إلى جانب 1,4 مليار دولار تم سدادها لدول نادي باريس ليصل إجمالي ما سددته القاهرة علي مدار العام للجهات الخارجية إلى 4,4 مليار دولار وهو ما كان يهدد الاحتياطي بحدوث مزيد من التراجع في قيمته النهائية . ولم يمنع ذلك "رامز" من توفير العملة الصعبة لاستيراد السلع الاستراتيجية ليصدر البنك المركزي تحت قيادة "رامز" قرارًا بمد فترة استثناء عمليات استيراد بعض السلع منها اللحوم والدواجن بجميع أنواعها والسكر، والأدوية والمواد الغذائية من الحد الأدني لنسبة التأمين النقدى البالغة 50%، وذلك لمدة 6 أشهر، حتى نهاية يونيو 2015، وذلك مع ترك الحرية للبنوك في تحديد نسبة الغطاء، وبدون حد أدني، مع ضرورة مراعاة ضوابط منح الائتمان الصادرة عن البنك، ونتائج الدراسات الائتمانية التي يجريها كل بنك لعملائه فى هذا الشأن، لتشهد الأسواق المحلية توافر كافة السلع الأساسية، والتي كان للبنك المركزي دورًا خفيًا في توافرها. مواجهة السوق السوداء: ولعل عدم تعافي موارد الدولة الدولارية بشكل كامل أثر سلبًا علي سوق الصرف لتظهر السوق السوداء بعد غياب دام لأكثر من 7 سنوات لتكون محاربة هذه السوق وتحقيق الاستقرار في أسعار الصرف بالسوق الرسمية علي رأس أولويات محافظ البنك المركزي مبتكرًا أساليبًا جديدة للقضاء علي تجار بيع العملة الذين استغلوا نقصها بالمنافذ الرسمية، حيث قام "رامز" بطرح عطاءين غير دوريين استكمالاً للسياسة التي انتهجها منذ توليه المنصب بقيمة 1,5 مليار دولار خلال شهر يناير و1,1 مليار دولار خلال مايو من نفس العام. كما اتجه "رامز" مؤخرًا لزيادة عدد العطاءات الدولارية الدورية التى يطرحها أسبوعيًا إلى 4 عطاءات بدلاً من 3 عطاءات لزيادة المعروض من العملة الأجنبية والسيطرة على السوق السوداء، ليصل إجمالي ما يطرحه البنك المركزي أسبوعيًا ل 160 مليون دولار، بدلًا من 140 مليونًا. وساهمت إجراءات "رامز" في استقرار السوق الرسمية للعملة منذ مطلع يونيو الماضي عند مستويات 7,15 جنيهًا للشراء و7,1801 جنيهًا للبيع. تحفيز مصادر العملة الصعبة : ولم تقف جهود "رامز" عند هذا الحد بل امتدت للعمل علي زيادة موارد النقد الأجنبي في ظل تذبذب الأحتياطي النقدي الأجنبي منذ ثورة يناير ليصدر قرارًا في فبراير 2014 بالسماح للأفراد الطبيعيين المصريين الذين يقومون بتحويل مدخراتهم من حساباتهم بالخارج إلى أحد البنوك بإعادة تحويلها بنفس القيمة إلى الخارج عند تصفية الاستثمارات فى مصر، ليضاف إلى القرار الصادر فى يوليو 2013 الخاص بطرح مبادرة لتنازل العملاء عن النقد الأجنبي الذى يمتلكونه للبنوك مقابل تحويله بالعملة المحلية وإعطائهم أولوية فى الحصول على العملة الأجنبية من نفس البنك فى حالة الاحتياج إليها. مبادرات دعم السياحة: "رامز" لم يكتفِ فقط بمواجهة الأزمات بل عكف على طرح عددًا من المبادرات التي أظهرت رؤيته الصائبة واستجابته للمتغيرات التي تطرأ علي السوق المحلية والجهاز المصرفي وتمثلت أبرزها في مبادرة القطاع السياحي التي أطلقها في مارس 2013، وقرر مد العمل بها لدعم القطاع حتي ديسمبر 2014، نظرًا لتعثر العديد من عملاء القطاع بسبب الأزمة السياسية التي ساهمت في انخفاض دخل هذا القطاع الحيوي نتيجة لتراجع عدد وحجم الوفود السياحية التي تقصد مصر . وساهمت المبادرة في عدم إدراج العملاء المتعثرين خلال مدة المبادرة ضمن القوائم السلبية ومدهم بالتسهيلات الائتمانية اللازمة لمساندة نشاطهم وهو ما ساهم في تخفيف الضغط الذي يتحمله مستثمري هذا القطاع ويؤثر علي مستوي أدائهم. مبادرة التمويل العقاري : كما أطلق "رامز" واحدة من أهم المبادرات التي شهدها الاقتصاد المصري خلال السنوات القليلة الماضية وهي مبادرة التمويل العقاري وسعي من خلالها إلى التغلب علي أهم مشكلتين يواجهان راغبي الحصول علي تمويل عقاري وهما "الأجل" و"الفائدة" ليتيح البنك المركزي شريحة أولي توجة لتمويل شراء الوحدات السكنية لمحدودي ومتوسطي الدخل بقيمة قدرها 10 مليارات جنيه بفائدة قدرها 7% لمحدودي الدخل و8% لمتوسطي الدخل مع فترات سداد تصل إلى عشرين عامًا. ولتنشيط التمويل العقاري أكثر خاصة على الوحدات ذات التكلفة المتوسطة أقر"رامز" زيادة الحد الأقصي للوحدة المستهدف تمويلها لشريحة متوسطي الدخل من 400 ألف جنيه إلى 500 ألفًا حيث وهو ما يسهم في توسيع قاعدة المستفيدين من المبادرة والتيسير علي المواطنين في الحصول علي الوحدة السكنية، ودعم القطاع العقاري الذى يحرك العديد من الصناعات الأخري. "شهادات استثمار القناة" : كما لعب "رامز" دورًا هاما في فكرة تمويل حفر قناة السويس الجديدة من خلال إصدار شهادات استثمارية حيث اقترح "رامز" هذه الفكرة علي الرئيس "السيسي" ووافقه الرئيس مما دفع لبدء التنفيذ الذي ساهم في توفير التمويل المطلوب فضلاً عن دعم ثقة الخارج في الاقتصاد المصري من خلال إبراز مدي الثقة الكبيرة من قبل المواطنين في اقتصادهم ، ليستطيع الجهاز المصرفي جذب 64 مليار جنيه من خلال هذه الفكرة تم توجيهها لتمويل عمليات الحفر، كما ساهم الجهاز المصرفي علي مدار 8 أيام عمل في توفير المنافذ البنكية الخاصة ببيع شهادات الاستثمار مع فتح حسابات للعملاء دون الحصول علي رسوم، واستمر الدور قبل نهاية 2014 مع صرف أولي عوائد تلك الشهادات. ونجحت البنوك الأربعة المشاركة في طرح الشهادة في جذب 27 مليار جنيه من خارج الجهاز المصرفي مما يدعم مبادرة التضمين المالى للمواطنين، كما ساهم في تحويل أموال عدد كبير من الأفراد بالعملة الدولارية إلى الجنيه المصري لشراء شهادات استثمار قناة السويس حيث بلغت حصيلة التحويلات داخل الجهاز المصرفي فقط 1,5 مليار دولار، وهو ما أدي إلى تغطية الاحتياجات التمويلية بالعملات الأجنبية مما ساهم في استقرار سوق الصرف. كما أدي توفير هذا المبلغ الضخم خلال فترة قصيرة في بث رسالة علي المستويين الداخلي والخارجي مفاداها أن الدولة تمتلك السيولة النقدية التي تنتظر المشروعات ذات الجدوي الاقتصادية واثبات مدي قوة الجهاز المصرفي، بالإضافة إلى قوة الاقتصاد المصري وقدرته علي الاعتماد علي موارد تمويلية داخلية. تكليل نجاح : كل هذه الخطوات والأفكار والاجتهادات جديرة بأن تضع "رامز" علي رأس الشخصيات المؤثرة في اقتصاد 2014، " كشخصية العام " والذي كان لها دورًا بارزًا في تحريك الاقتصاد إلي الأمام ووضعه في موضع تقييم إيجابي من مؤسسات التصنيف الائتماني الدولية التي غيرت نظرتها المستقبلية لمصر إلي مستقرة إلى جانب قيام مؤسسة فيتش برفعها بنهاية ديسمبر إلى درجة B، فضلًا عن اعتراف المؤسسات المالية الكبري وفي مقدمتها صندوق النقد الدولي بجدوي الإصلاحات المالية التي قدمتها الحكومة علي مدار الفترة الماضية والتي لعب رامز دورًا كبيرًا فيها من خلال نجاحه في إحداث مستويات مقبولة من التناغم بين السياسة النقدية والسياسة المالية في إطار اقتصادي عام مهد لأن تصبح مصر أكثر جاهزية للتنمية.