"الصكوك" .. آداة تمويلية صعد نجمها بالعديد من الأسواق المالية خلال العقد الأخير والتي لم تقتصر علي الدول الاسلامية بالرغم من توافقها مع الشريعة ، لتُمكن مستخدميها من توفير التمويل اللازم للمشروعات سواء كانت سيادية أو خاصة. دائما ماتفرض الآدوات التمويلية نفسها اذا تمكنت من مواجهة المخاطر وتفادي الأزمات وتلبية الاحتياجات وهو ماينطبق تماما على آلية " الصكوك " الاسلامية التي تمكنت من الانتشار فى الاسواق العالمية وباتت الآداة التمويلية الرئيسية بمنطقة الخليج الداعم الأكبر لمصر خلال الفترة الحالية وهو مادفع البلاد الى الانتهاء من قانون الصكوك وطرحه تمهيدا لتفعيله. تفعيل الحكومة لقانون الصكوك يضرب "عصفورين بحجر واحد " يتمثل الأول فى جذب أموال المصريين الذين يفضلون التعامل فى الأدوات المالية المطابقة لاحكام الشريعة بالاضافة الى جذب الاستثمارات الخليجية التي تستحوذ على أكثر من ربع إصدارات الصكوك العالمية بقيمة 17,7 مليار دولار خلال النصف الأول من العام الجاري . المصرفيون إختلفوا حول اعتماد الحكومة علي الصكوك كآلية جديدة لتمويل المشروعات القومية ، خاصة وأن خطابات الرئيس أكدت علي استهداف الدولة مشاركة مواطنيها وأبناءها في بناء المشروعات القومية والحيوية دون الغير مع الاعتماد علي مساهماتهم والقروض البنكية من المصارف الوطنية وظهر ذلك جلياً في مشروع قناة السويس الجديدة. واتفق المصرفيون علي نجاح الآلية علي المستويين العالمي والخليجي ، مؤكدين قدرتها علي جذب أموال شريحة من المستثمرين المحليين الذين يُفضلون التعامل بأدوات مالية تتوافق مع الشريعة الاسلامية بالاضافة إلى جذب مستثمرو الخليج الذين يستحوذون علي حجم كبير نسبياً من الاصدارات الجديدة عالمياً. أشرف الغمراوى ، الرئيس التنفيذى لبنك البركة- مصر ، قال أن اللائحة التنفيذية لقانون الصكوك لم تصدر بعد وبالتالى فالقانون غير واضح بشكل كامل للمستثمرين والبنوك ، موضحًا أنها من الآليات الاستثمارية الجيدة التى ساهمت فى نهضة العديد من الدول مثل ماليزيا وجذب سيولة كبيرة للمشروعات القومية بها. وأشار إلى أن آلية الصكوك تمتاز بمدد زمنية طويلة الآجل لذا فهي الانسب فى تمويل المشروعات القومية كما أنها تتيح لمُصدر الصك فرصة لتحصيل عوائد مناسبة من المشروع لرد قيمة الصكوك وصرف العائد للمستثمرين الصغار ، لافتًا إلى أنها آلية يمكن استخدامها كوعاء إدخارى أو كأداة للتملك فى المشروعات والحصول على عوائد مناسبة. وأوضح الغمراوى أن القانون سيمثل فرصة جيدة للبنوك الإسلامية التى تسمح أنظمتها الأساسية بالاستثمار فى تلك الأدوات من خلال الاكتتاب فيها أو إصدار صكوك لأغراض معينة وزيادة تمويلات البنوك . وأضاف أن البنوك التقليدية أيضًا تستطيع التعامل فى الصكوك وهو ما يسمح لها بتنويع محافظها الاستثمارية ما بين الأسهم والسندات بالإضافة إلى الصكوك ، مشددًا على أهمية تلك الآلية فى ظل إقبال الدولة على تنفيذ عدد من المشروعات القومية. ولفت إلى أن القانون ينص على إمكانية السماح للبنوك بإصدار صكوك بعد الحصول على موافقة البنك المركزى وبشرط أن يسمح نظامها الأساسى بذلك ، وهو ما يفتح الباب أمام البنوك للحصول على ودائع من خلال تلك الآلية ، مشددًا على ضرورة صدور اللائحة التنفيذية للقانون لتوضيح تفاصيله خاصة فى ظل النص على ضرورة أن يمول الصك مشروع تنموى. ومن جهته قال محمد بدرة ، عضو مجلس إدارة بنك القاهرة والخبير المصرفى ، أن قانون الصكوك يفتح المجال أمام بنوك القطاع المصرفى لتعدد الآليات التمويلية والاستثمارية وعدم اقتصارها على الأدوات القليلة المتواجدة بالسوق المصرفية المحلية ، لافتًا إلى أن منتج الصكوك يشهد نشاطًا ملحوظًا على مستوى العالم ويواجه طلبات كبيرة من قبل المستثمرين. وأوضح بدرة أن القانون يُمثل فرصة لتوفير التمويلات المطلوبة للمشروعات القومية التى تسعى الدولة للدخول فيها خاصة تنمية محور قناة السويس والذى سيشهد إقامة العديد من المشروعات فى قطاعات عدة ، لافتًا إلى أن الآلية أثبتت نجاحًا بالتجارب الدولية المختلفة. وأكد أن إصدار القانون سيساعد البنوك الإسلامية فى مصر على المشاركة فى المشروعات التنموية العاجلة ، فى الوقت الذى تواجه فيه تلك البنوك مشكلة انخفاض حجم التوظيفات فى الأوجه المتوافقة مع الشريعة وارتفاع استثماراتها فى أذون الخزانة الحكومية. وأوضح أن الوجه الآخر للاستفادة من آلية الصكوك يتمثل فى جذب ودائع بمليارات الجنيهات لدى المواطنين الراغبين فى استثمار أموالهم فى أدوات متوافقة مع الشريعة الإسلامية ، وزيادة عدد العملاء بالبنوك. محمد صقر ، أستاذ الاقتصاد وعضو مجلس إدارة البنك المركزي الأسبق ، يري أن الصكوك أداة تمويلية أخذت مكانة عالمية لا تقتصر علي الدول الاسلامية فقط ، واثبتت نجاحها بالعديد من المشروعات في ظل اجتذاب شرائح من المستثمرين التي تفضل توظيف أموالها في آليات تتوافق مع الشريعة الاسلامية ، إلا أن تفعيل قانون الصكوك بالسوق المصرية يحتاج إلى وضع ضوابط لعملها لتتناسب مع المشروعات التي تستهدف الشركات أو البنوك أو الحكومة تنفيذها ، مع الاخذ في الاعتبار أن بعض المشروعات الحكومية قد تكون ذات طابع خاص مثل مشروع "قناة السويس الجديدة" التي تعمل الدولة علي تنفيذه خلال الفترة الراهنة. وأوضح عضو مجلس إدارة البنك المركزي الأسبق أن تمويل مشروع "قناة السويس الجديدة" يعتمد علي شهادات الاستثمار التي طُرحت للمصريين بالاضافة إلى التمويل البنكي من قبل البنوك الوطنية ، ولذلك ستكون آلية الصكوك بعيدة عن تمويل القناة الجديدة في ظل اتاحتها نوعاً من انواع الملكية التي يُخشي أن تنُقل إلى غير المصريين. وأشار إلى الميزة التي تتمتع بها آلية الصكوك عن غيرها من أدوات التمويل ، وهي تفضيل بعض فئات المستثمرين لآلية شرعية للاستثمار ، وبالتالي اجتذاب أموال شرائح جديدة ليست موظفة باسواق الاعمال ، لافتاً إلى أن الصكوك تأتي في منتصف الادوات المالية فهي أقل من الاسهم خاصة أن الأولي لا تعطي الحق لصاحبها في الملكية التي توفرها له الاسهم ، وأعلي من السندات لكونها لا تقتصر علي سند دين. وأكد صقر علي ضرورة وضع الضوابط التي سيتم العمل من خلالها وفقا للآلية المستحدثة علي السوق المصرية ، لتحديد أحقية التوزيعات بالارباح والأولوية عند التصفية وعلاقة الصكوك بالادوات المالية الاخري بالمؤسسة الواحدة للاحتكام لها عند الحالات المختلفة. وعلي الجانب الأخر ، يري أحمد الغندور ، رئيس قطاع الاستثمار بالمصرف المتحد ، أن أحقية الملكية والبيع الخاصة بالصكوك يُمكن اقتصارها علي المصريين فقط دون الغير للبعد عن تخوف امتلاك غير المصريين للمشروعات القومية أو التي تتعلق بالامن القومي ، لافتاً إلى أن ذلك الامر قد يتم من خلال الضوابط الخاصة باصدارات الطرح. وشدد الغندور علي أهمية الصكوك كآلية مالية مطلوبة بأسواق عدة في ظل وجود مستثمرين يفضلونها عن الأداوت المالية الأخري ، مستشهداً بالسوق البريطانية التي لجأت حكومتها مؤخراً إلى طرح اصدار صكوك ب 200 مليون جنيه استرليني أي ما يعادل 340 مليون دولار وتم تغطيته بنحو 3 مرات. وعن امكانية الاستفادة من الآلية الجديدة في مشروع "قناة السويس الجديدة" أوضح رئيس قطاع الاستثمار بالمصرف المتحد أن آليات التمويل تم حسمها بالفعل من قبل الدولة والتي اقتصرت علي شهادات الاستثمار للمصريين والقروض المشتركة من قبل البنوك الوطنية والتي جاءت لاعتبارات أمنية ، إلا أنه مستقبلاً قد يتم اللجوء إلى الصكوك كاداوات تمويلية لمشروعات حيوية مع الاشتراط بضوابط اصدارها عدم تداولها لغير المصريين مما يضمن عدم امتلاك غير المصريين للمشروعات القومية والحيوية بالدولة. وأكد أن هذا البند قد لا يكون ضرورياً في المشروعات الاستثمارية الاخري والتي لا تتعلق بالامن القومي ، خاصة أن الدولة تسعي إلى جذب الاستثمارات الخارجية والعملة الأجنبية بما يضمن تعويض التراجعات التي شهدتها التدفقات النقدية الأجنبية للدولة خلال الاعوام الماضية من خلال جذب استثمارات خارجية ومحلية لشرائح تُفضل التعامل بآليات تتوافق مع الشريعة الاسلامية.