في منجم سان خوزيه في شمال تشيلي، تركز اهتمام العالم على العمال الذين تم سحبهم من الأرض واحداً تلو الآخر بعد عملية إنقاذ مدهشة في الأسبوع الماضي. وبرز إلى سطح الأرض ليتنفس الهواء المنعش، بعد أن أمضى 69 يوماً تحت الأرض في منجم النحاس، فلورنسيو أفالوس، وهو أب لطفلين يبلغ من العمر 31 عاماً، ويرحب به جمهور يغني: ''تشيلي! عاشت تشيلي!'' قصة أفالوس، وزملائه من عمال المناجم الذين تم إنقاذهم بواسطة عمود صغير تم غرزه على عمق أكثر من نصف كيلومتر، ليست قصة بقاء في مواجهة الاحتمالات فحسب: إنها تكشف عن صعوبات – ومخاطر- استخراج المعادن التي تصبح أكثر ندرة على الإطلاق. ليس بعيداً عن المشاهد المتهللة في سان خوزيه، يقع أكبر منجم للنحاس في العالم، ''إسكونديدا''، حيث تركت 20 سنة من الحفر فجوة بحجم وسط حي مانهاتن في مدينة نيويوركالأمريكية. غير أن المنجم الذي كان يشكل في ذروة إنتاجه في عام 2007 نحو 10 في المائة من الإنتاج العالمي، شهد أياماً أفضل. فقد انخفض الإنتاج 25 في المائة منذ ذلك الحين على الرغم من أفضل جهود ''بي إتش بي بيليتون''، أكبر شركة تنقيب في العالم، لتوسيع وزيادة عمق الحفرة المفتوحة التي يمكن رؤيتها من الفضاء. تراجع إنتاج ''إسكونديدا''، وانهيار منجم سان خوزيه، بمثابة تجسيد للتغيرات التي تواجه شركات التنقيب. وحيث أن استهلاك المعادن الصناعية في الصين والاقتصادات الأخرى عالية النمو، يتزايد، دون أن يتأثر بالأزمة المالية كما هو واضح، فإن المعادن التي تطورت في ذروة ثمانينيات القرن الماضي تصارع من أجل تلبية الطلب. النتيجة هي أسعار أعلى، من الصفيح – الذي وصل أخيراً إلى أعلى مستوى له على الإطلاق – والنحاس، إلى المعادن الحديدية مثل الحديد الخام. وارتفع مؤشر بورصة معادن لندن الأسبوع الماضي إلى أعلى مستوى له منذ عامين، وهو مستوى شوهد لعدة أشهر فقط خلال طفرة السعر بين 2005 – 2008. إن مزيج الطلب المتجدد، والعرض المحدود، عزز وجهة النظر بأن المعادن تمر في ''دورة فائقة'': فترة تطول عقوداً من الأسعار الأعلى تدفعها الطبقات الوسطى المنبثقة في بلدان مثل الصين، والهند في الوقت الذي تنتقل فيها القوة التي تدفع الاقتصاد العالمي نحو الشرق. يقول زافير لانيغراس، من بنك سوسيتيه جنرال: ''لديك كمية محدودة من المعدن في باطن الأرض، ونمو غير محدود في عدد السكان. ومن الواضح تماماً أننا نمر بدورة فائقة النشاط''. لم تكن الأمور واضحة تماماً دائماً. وحينما انهارت الأسعار قبل عامين خلال الأزمة المالية، جادل البعض، بمن فيهم البنك الدولي، بالقول إن فكرة الدورة الفائقة كانت قصة خيالية في صناعة المعادن. أما الآن، فإن العودة الواضحة إلى دورة المعادن الفائقة تغير المشهد الاقتصادي بالنسبة إلى الجميع، من شركات المناجم صغيرة الحجم في كونغو، إلى حكومات تشيلي، والصين. بالنسبة للشركات التي تنتج وتتاجر بالمعادن، فإن الأمر بمثابة أرباح متزايدة محفزة، وعملية عقد صفقات تستعيد نشاطها. وأما بالنسبة إلى المستهلكين، فإن الاندفاع يضر بالهوامش الربحية، ويجبرهم على إعادة هندسة منتجات لتخفيض استهلاك المعادن مرتفعة الثمن. يولد الأمر كذلك صداعاً لصناعي السياسة في البلدان المستهلكة مثل الصين، وسط مخاوف بزيادة التضخم، وندرة العرض، وفي الوقت ذاته توفير أرباحاً كبيرة للمصدرين الكبار مثل تشيلي، وكندا، والبرازيل، وأستراليا