من البديهى أن يكون لويز أورزوا هو آخر من يتم إخراجه من منجم «سان خوزيه» (تشيلى) حيث قضى 33 من عمال المناجم ال69 يوما التى انتهت الأربعاء الماضى. «ف«لويز» منذ اللحظة الأولى للأزمة هو من تولى تقنين حصص الطعام والشراب حتى يتمكن الرجال المحبوسون على عمق 700 متر (وتحت 700.000 طن من الحجر) من الحياة إلى أن يتم إنقاذهم. ومن الطبيعى أيضا أن أول من يتم إنقاذه هو فلورنسيو أفالوس، عامل المنجم والمسؤول الإعلامى عن المجموعة المحبوسة الذى أبقاهم على اتصال مع العالم من خلال كاميرا بثت للعالم مقاطع من حياتهم تحت الأرض، هذا بالإضافة لتمتعه برباطة جأش وصلابة ألهمت المجموعة صبرا وقوة طوال شهرى الحبس. إثر خروجه إلى الحياة احتضن فلورنسيو ابنه ذا السبعة أعوام وزوجته، ثم الرئيس التشيلى الذى حضر بنفسه عملية الإنقاذ التى فاقت كل التوقعات نجاحا. فبينما كان التقدير المبدئى للعملية هو أربعة أشهر تمت فى اليوم ال69. وبعد الانتهاء من كبسولة الإنقاذ التى تتسع لشخص واحد، كان من المتوقع أن تستغرق العملية من 36 إلى 48 ساعة إذ بكل العمال يخرجون سالمين إلى سطح الأرض فى 22 ساعة و37 دقيقة. أثناء صعود «العنقاء» (وهو اسم كبسولة الإنقاذ الملونة بالأبيض والأزرق والأحمر: لون العلم التشيلى) بالعمال واحدا تلو الآخر، كانت كاميرات الفيديو تراقب أى بادرة للفزع أو الانهيار. ارتدى العمال أقنعة أكسجين ونظارات تحمى أعينهم من أشعة الشمس التى يرونها بعد شهرين تحت الأرض و«جاكيت» مصمماً لحمايتهم من اللحظة الانتقالية ما بين الجو الحار فى العمق والهواء الصحراوى على السطح. قُدرت عملية الإنقاذ ب22 مليون دولار مع تأكيدات من الحكومة التشيلية أن المال لا يهم فى مقابل إنقاذ حياة هؤلاء العمال، لكن المسألة تعدت إنقاذ حياة العمال والحفاظ على سمعة تشيلى فى مجال التنجيم الذى يدر 40% من الدخل القومى. لقد رفعت العملية من مكانة تشيلى بين بلدان العالم كمنظمة لإحدى أهم عمليات الإنقاذ فى العالم، فالتاريخ لم يشهد أناسا محبوسين تحت سطح الأرض عاشوا كل تلك المدة وخرجوا جميعهم فى النهاية سالمين وحليقى الذقون وفى صحة جيدة. وبعد أن كان المسؤولون متخوفين بعض الشىء من البث المباشر لعملية الإنقاذ لدرجة أنهم غطوا الحفرة التى ستدخل فيها «العنقاء» بعلم كبير الحجم، إلا أنهم سرعان ما نحوه جانبا حتى تبين الحفرة لمئات الكاميرات التليفزيونية من العالم كله. تابعت شعوب الأرض عملية الإنقاذ التى قال عنها الرئيس الأمريكى إنها «ألهمت العالم»، ورأوا أعلام تشيلى ترفرف بين أيدى آلاف التشيليين وفى أحضان العمال الناجين. قال آخر الناجين لويز أوروزا: «لقد فعلنا ما انتظره العالم منا، كان لدينا القوة والحماس، أردنا أن نحارب من أجل أسرنا وهذا هو أعظم الأهداف». ورد الرئيس التشيلى: «لم تعد أنت نفس الشخص، ولن تعود تشيلى كما كانت قبل ذلك. لقد ألهمتنا جميعا، اذهب واحتضن زوجتك وابنتك». رحم الله كل الشهداء المصريين فى مياه البحر الأحمر وتحت صخور المقطم، وألهمنا الصبر على الابتلاء ودرأ عنا شر عدم الانتماء إلى أقدم بلدان العالم وأغناها وأجملها.