الدوحة نقلا عن : «القدس العربي» من إسماعيل طلاي: ما من شيء يطمئن بأن الأزمة الخليجية المشتعلة منذ أزيد من شهر كامل، أوشكت أن تنطفئ شرارتها، وأن دول الحصار الأربع (السعودية والإمارات والبحرين ومصر) قد «استجابت» لساكن «البيت الأبيض» دونالد ترامب، الذي دعا أطراف الأزمة كافة للجلوس إلى طاولة المفاوضات الجادة؛ في خطوة عدّت انتصارا لرؤية قطر لحل الأزمة؛ بينما كان وزراء خارجية دول الحصار قاب قوسين أو أدنى من إعلان إجراءاتهم العقابية التي توعدوا بها الدوحة، بعد مهملة الاثنا عشر يوماً؛ قبل أن يربكهم ترامب باتصاله الهاتفي من طائرته الرئاسية، تماماً كما أربك المنطقة من قبل، بتغريدة «فتانة» أدخلت الخليج في أتون أزمة ملتهبة! وعلى الرغم من التطمينات الدولية العديدة بزوال شبح التصعيد العسكري، وتحرك وزير الخارجية الأمريكي إلى الخليج، لأول مرة منذ اندلاع الأزمة، لملاقاة «راعي الوساطة» أمير الكويت؛ وزيارة أخرى لوزير الخارجية البريطاني بوريس جونسون؛ استبقت دول الحصار زيارة المسؤولين، بإصدار بيان مشترك ثان خلال 24 ساعة من بيانها الأول الذي أعقب اجتماع «قصر الاتحادية» في مصر، استعادت من خلاله نبرتها التصعيدية، للإيحاء بأنها ما تزال تمسك بخيوط اللعبة، وأنها ماضية في تهديداتها، في محاولة على ما يبدو للتغطية على «الفشل» الذي انتهى إليه اجتماع القاهرة. «الدبلوماسية الهادئة» للدوحة تكسب الرهان هكذا فرضت الأزمة الخليجية أجندتها على العالم، فتحرك وزير الخارجية الألماني إلى عواصم الخليج لمحاولة إخماد نيران أزمة، استصغرت دول الحصار شرارتها، وأمعنت في التصعيد ومحاولة «إخضاع الدوحة» لقراراتها، متوقعة انهيارها وخنوعها سريعا، قبل أن يصطدموا بنجاح الدولة الصغيرة مساحة، في إدارة الأزمة بثبات أبهر الخصوم قبل الأصدقاء، منتهجة دبلوماسية سياسية وإعلامية «هادئة». وانطلق وزير الخارجية القطري الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني في جولات مكوكية، لإقناع العالم بعدم شرعية الحصار، وتفنيد التهم الموجهة للدوحة، موازاةً مع تأكيد استعدادها للحوار المبني على الأدلة المقنعة، بدل إلقاء التهم جزافاً. وبدا واضحاً من تصريحات كبار دول العالم دعمهم لحق قطر الدفاع عن سيادتها، ورفضها القبول بمطالب «غير واقعية» الأمر الذي أقرته الإدارة الأمريكية، ومن بعدها ألمانيا التي وصفت مطالب المحاصرين ب «الاستفزازية جدا». ثم جاء الدور على الرئيس الفرنسي الذي شدّد على دعم بلاده لحق قطر في الدفاع عن سيادتها. وبالمثل، جاءت مواقف تركيا، وإيران، والمملكة المتحدة، والصين؛ وصولا إلى دول الاتحاد الافريقي التي تصدت لمحاولات وزير الخارجية المصري «انتزاع» دعم افريقي جماعي لدول الحصار ضد قطر. وكان لافتا الانزعاج السعودي من الموقف الألماني والأمريكي الداعم للحوار، الأمر الذي يفسّر قرار الملك سلمان العزوف عن حضور قمة العشرين في هامبورغ، والتي ينتظر أن تثير نقاشاتها الجانبية الأزمة الخليجية الراهنة. وبالإضافة للإجماع الغالب بين دول العالم والمنظمات الحكومية وغير الحكومية، لرفض مطالب دول الحصار «غير الواقعية» والفاقدة للأدلة والحجج؛ نجحت الدوحة في إقناع «نزيل البيت الأبيض» أخيرا بالانتصار لموقف الخارجية الأمريكية ووزارة الدفاع الداعمين لمنطق الحوار، بعدما ظل الرئيس دونالد ترامب خاضعا لإملاءات دول الحصار التي حرضته ضد قطر، باعترافه شخصياً! وإلى جانب نجاح الدبلوماسية السياسية والإعلامية القطرية في إقناع العالم، ساهمت عودة التوتر إلى شبه الجزيرة الكورية بالتعجيل في تهدئة الأزمة الملتهبة خليجياً، حسب تقدير موقف للمركز العربي للأبحاث والدراسات السياسية، الأمر الذي دفع بالرئيس الأمريكي دونالد ترامب إلى «تجميد» الأزمة، باتصال هاتفي حاسم، من طائرته الرئاسية، آمرا دول الحصار بضرورة الجلوس إلى طاولة المفاوضات الجادة مع قطر. ترمب يخيّب «أبواق الحرب» وقد أربك اتصال ترامب دول الحصار وأسال لها «العرق البارد» بعدما ظلّت تتوعد بإجراءات عقابية قاسية ضد الدوحة، بمجرد انتهاء مهلة العشرة أيام، قبل أن تمددها بيومين. وبدأت وسائل إعلام دول الحصار في دق طبول الحرب باكراً، مهلّلة لإجراءات عقابية قاسية ضد الدوحة، وتنبأ بعضها بضربة عسكرية، أو انقلاب عسكري في قطر، بينما لم يجد بعض الإعلاميين حرجا في الدعوة علنا لشنّ عمليات إرهابية داخل قطر لزعزعة أمنها، وبما يثير الفوضى التي تسبق تغيير النظام، على حد زعمهم! واستبق اجتماع وزراء الخارجية في القاهرة، باجتماع على مستوى مدراء المخابرات، ما بدا إعلانا صريحا من دول الحصار بأنهم أجمعوا أمرهم، وقرروا الانتقال إلى مرحلة «الضربة القاضية» بعدما تعمدوا تقديم مطالب «تعجيزية» لا ينتظرون موافقة عليها، بقدر ما أرادوها «تبريرا» لإجراءات عقابية أقسى، تنتهي بتغيير النظام في قطر. الأمر الذي أقره وزير الخارجة القطري في لقائه بالمعهد الملكي في لندن، حينما قال إن دول الحصار كانت تستهدف تغيير النظام وإحداث الانقلاب والفوضى والتخريب. بيان ثان لتدارك «فشل» اجتماع القاهرة وأمام حالة «الإرباك» و«الذهول» التي انتهى إليها المجتمعون في القاهرة، وفي انتظار ما يمكن أن تسفر عنه جولة وزير الخارجية الأمريكي ريكس تيلرسون ونظيره البريطاني بوريس جونسون إلى المنطقة، ولقائه بأمير الكويت، قرر المحاصرون للدوحة استباق الزيارة بإصدار بيان مشترك ثان بعد استلام الرد القطري من الشيخ صباح الأحمد الجابر الصباح أمير دولة الكويت، حمل نبرة تصعيدية ضد قطر، لمحاولة تدارك «الفشل» الذي انتهى إليه اجتماع الدوحة. وغلب على البيان التركيز على اتهام الدوحة بالإرهاب، مقابل تراجع واضح عن عدد المطالب، من قبيل إغلاق قناة «الجزيرة» وإلغاء القاعدة العسكرية التركية في الدوحة، وتخفيض مستوى التمثيل الدبلوماسي مع إيران، ووقف شامل للعلاقات معها. وجاء في البيان أن «تعنت الحكومة القطرية ورفضها للمطالب التي قدمتها الدول الأربع يعكس مدى ارتباطها بالتنظيمات الإرهابية واستمرارها في السعي لتخريب وتقويض الأمن والاستقرار في الخليج والمنطقة وتعمد الإضرار بمصالح شعوب المنطقة بما فيها الشعب القطري». واتهمت الدول الأربع «الحكومة القطرية بالعمل على إفشال كل المساعي والجهود الدبلوماسية لحل الأزمة الأمر الذي يؤكد تعنتها ورفضها لأي تسويات، مما يعكس نيتها على مواصلة سياستها الهادفة لزعزعة استقرار وأمن المنطقة ومخالفة تطلعات ومصلحة الشعب القطري الشقيق». واعتبرت أن «المطالب المبررة التي تم تقديمها جاءت نتيجة لممارسات الحكومة القطرية العدائية ونكثها المتواصل لعهودها وخاصة اتفاق الرياض الذي وقعت عليه قطر في عام 2013 والاتفاق التكميلي وآليته التنفيذية في عام 2014 «. وأبانت دول الحصار عما وصفته «استغرابها الشديد لرفض الحكومة القطرية غير المبرر لقائمة المطالب المشروعة والمنطقية والتي تهدف إلى محاربة الإرهاب ومنع احتضانه وتمويله ومكافحة التطرف بجميع صوره تحقيقا للسلم العالمي وحفاظا على الأمن العربي والدولي، فإنها تؤكد ما ورد في البند الثاني عشر من القائمة الذي نص على أن : كل هذه الطلبات يتم الموافقة عليها خلال 10 أيام من تاريخ تقديمها وإلا تعتبر لاغية، وستتخذ كل الإجراءات والتدابير السياسية والاقتصادية والقانونية بالشكل الذي تراه وفي الوقت المناسب بما يحفظ حقوقها وأمنها واستقرارها وحماية مصالحها من سياسة الحكومة القطرية العدائية». وخلصت للقول إن «هذه المطالب تهدف إلى محاربة الإرهاب.. ومنع احتضانه وتمويله ومكافحة التطرف بجميع صوره.. تحقيقا للسلم العالمي وحفاظا على الأمن العربي والدولي». واعتبر البيان أن المسار القطري يشكل «انتهاكا صارخا لما يمليه عليها القانون الدولي من وجوب التعاون الوثيق في محاربة الإرهاب وتنفيذ الاتفاقيات الإقليمية والدولية ذات الصلة ومخرجات القمة الإسلامية الأمريكية المنعقدة في الرياض بحضور 55 دولة إسلامية والولايات المتحدةالأمريكية ممثلة بفخامة الرئيس دونالد ترامب وحضور وموافقة كل الدول على مخرجات القمة التاريخية بما في ذلك حكومة قطر». قطر تدين الاتهامات الباطلة من جانبها، أعربت دولة قطر عن أسفها لما تضمنه البيانان الصادران عن دول الحصار الأربع في القاهرةوجدة، وما ورد فيهما من تهم باطلة تمثل تشهيرا يتنافى مع الأسس المستقرة للعلاقات بين الدول. ووصف مصدر مسؤول في وزارة الخارجية ما تضمنه البيانان بشأن تدخل دولة قطر في الشؤون الداخلية للدول وتمويل الإرهاب بأنه مزاعم وادعاءات لا أساس لها، مشيراً إلى أن موقف دولة قطر من الإرهاب ثابت ومعروف برفضه وإدانته بكافة صوره وأشكاله مهما كانت أسبابه ودوافعه. وشدّد على أن دولة قطر عضو فاعل ملتزم بالمواثيق الدولية في محاربة الإرهاب وتمويله على المستويين الإقليمي والدولي بشهادة المجتمع الدولي، لافتاً إلى أن اتهام دولة قطر بتسريب ورقة مطالبات الدول الأربع لا أساس له من الصحة وبالإمكان إثبات ذلك بالأدلة. وأشار المصدر إلى ما سبق أن أكدت عليه دولة قطر في الرسالة الرسمية التي تضمنت الرد على المطالب والتي سلمها الشيخ محمد بن عبدالرحمن آل ثاني وزير الخارجية القطري إلى الشيخ صباح الأحمد الصباح أمير دولة الكويت، بصفته الوسيط في هذه الأزمة والذي تقدر له دولة قطر أميراً وحكومة وشعباً كل التقدير على جهوده الكريمة المخلصة في سبيل ايجاد حل للازمة بأن دولة قطر مستعده للتعاون والنظر والبحث في كل الادعاءات التي لا تتعارض مع سيادة دولة قطر برعاية الوسيط النزيه أو من يرى مشاركته معه في حل هذه الأزمة في اطر الحوار المشترك.