توجه ملايين الناخبين المصريين الى صناديق الاقتراع يوم امس لانتخاب اول برلمان مستقل منذ ستين عاماً على الأقل، الأمر الذي يضع البلاد امام مرحلة جديدة على طريق بناء نظام ديمقراطي حديث قد يضع مصر في مصاف القوى الاقليمية وربما العالمية المتقدمة. هذا العرس الديمقراطي المصري هو اول ثمار الثورة الشعبية وتضحيات مئات الشهداء الذين سقطوا في مسيرة اسقاط نظام ديكتاتوري قمعي فاسد مرهون الارادة لقوى خارجية قزمّت دور مصر، وانتهكت سيادتها، ووظفت قدراتها الهائلة في خدمة مشاريع الهيمنة الاستعمارية. الاندفاع الجماهيري غير المسبوق نحو صناديق الاقتراع الذي شاهدناه امس، وتمثل في وقوف آلاف الناخبين لساعات في طوابير انتظاراً لدورهم للادلاء بأصواتهم، يكشف مدى تعطش الشعب المصري للديمقراطية، وحرصه على انجاح هذه الانتخابات، وتكريس سيادة الشعب وسلطته. الجميع في المنطقة العربية وخارجها يراقب هذه التجربة، فهناك من يريد لها النجاح، والوصول الى اهدافها المرجوة، وهناك من يتمنى لها الفشل انطلاقا من معاداته للديمقراطية ولاستعادة مصر لدورها الريادي القيادي في المنطقة. الجماهير العربية تقف في الخندق الاول، خندق المؤازرة والمساندة للثورة المصرية، والحرص على نجاحها، لانها تؤمن ان مصر هي القاطرة او الرافعة التي يمكن ان تقود الامة العربية الى بر الامان، من حيث النهوض بها من عثراتها، والاخذ بيدها نحو التطور والنمو والازدهار. اسرائيل والمعسكر الغربي الداعم لها يرتعدان خوفا من خروج هذا المارد المصري من عنق زجاجة الارهاب والقمع والفساد الى الخيار الديمقراطي وما يتفرع عنه من حريات. فبعد اكثر من اربعين عاما من الاذلال والتبعية باشكالها كافة، ستستعيد مصر قرارها المستقل، وتقول 'لا' كبيرة لكل اساليب وممارسات العربدة الاسرائيلية. تصريح واحد من القيادة المصرية منع عدوانا اسرائيليا على قطاع غزة، ورسالة واحدة اجبرت بنيامين نتنياهو على وقف مخططات هدم جسر المغاربة الذي يربط بين حائط المبكى والحرم القدسي الشريف. منذ متى كان يتراجع نتنياهو عن غروره وصلفه، ويتراجع عن قراراته الاستفزازية، ومنذ متى كان يعتذر لمصر او اي دولة عربية او غربية عن جرائمه، مثلما حدث عندما ارتكبت قواته مجزرة قتل خمسة جنود مصريين في سيناء. الثورة غيرت مصر، اعادت اليها كرامتها وعزتها، والانتخابات التي بدأت بالامس وتستمر اليوم تعزز هذا الانجاز، وترسخ هذا التحول، ومن المؤكد ان البرلمان الذي سيكون ثمرتها، سيؤسس لمصر جديدة، تنهض من ركام الفساد والقمع، لتقدم نموذجا مشرفا لكل الشعوب العربية في الديمقراطية والحريات والنهوض السياسي والاقتصادي والعدالة الاجتماعية. مبروك لمصر عرسها الديمقراطي الذي تعمد بالدم والتضحيات والعزيمة القوية.. مبروك للشعب المصري انجازه الكبير، والسلوك الحضاري الذي عبر عنه في الحرص على انجاح هذا العرس حتى يأتي في ابهى صوره.