"مصر ليست أخت بلادي".. هاشتاج انتشر على مواقع التواصل الاجتماعي وأطلقته حملة شعبية سودانية ضد مصر، احتجاجا على ما وصفتها بالانتهاكات المصرية ضد الرعايا السودانيين، وذلك عقب سلسلة من الأحداث المتلاحقة التي أشعلت أزمة بين الطرفين امتدت لتقديم الخرطوم شكوى إلى مجلس الأمن ضد القاهرة. وحذر خبراء في القانون والعلاقات الدولية من تفاقم الأزمة بين الجارتين بما يؤثر على مستقبل العلاقات المصرية السودانية، وأكدوا أن تصاعد الخلافات يدفع السودان للوقوف في صف إثيوبيا ضد مصر فيما يتعلق بأزمة سد النهضة. بدأت الأحداث في التصاعد بعد تداول وسائل الإعلام لواقعة تعذيب مواطن سوداني يدعى يحيى زكريا في قسم عابدين بالقاهرة عقب إلقاء القبض عليه من شارع طلعت حرب بوسط القاهرة، والاستيلاء على الأموال التي كانت بحوزته، بحسب الرواية المتداولة في الإعلام السوداني، ولاحق هذه الواقعة إعلان وزير الخارجية السوداني إطلاق سراح 4 سودانين من أصل 23 محتجزين لدى مصر. وجاء مقتل 16 سودانيا على يد شرطة الحدود المصرية في العريش، أثناء محاولتهم التسلل إلى إسرائيل، ليزيد الأوضاع سوءا، وهو ما ردت عليه الحكومة السودانية بتصريحات تؤكد فيها تزايد حالات الانتهاكات بحق السودانيين في مصر، وأعلنت رسميا بدء التحقيق في مقتل 16 من رعاياها على أيدي السلطات المصرية. وقال إبراهيم غندور، وزير الخارجية السوداني، في جلسة بالبرلمان، أول أمس، إن انتهاكات السلطات المصرية بحق المواطنين السودانيين شملت التفتيش وسلب الممتلكات والاحتجاز، والاستهداف في المقاهي والشوارع والقبض أمام صرافات تغيير العملة وبعد القيام بالمعاملات المصرفية. وفي خطوة تصعيدية تقدمت السودان بشكوى رسمية ضد مصر في مجلس الأمن لإجرائها الانتخابات البرلمانية في حلايب وشلاتين، وقال غندور، في خطاب أمام البرلمان، إن هناك ثلاثة خيارات لحسم نزاع حلايب "إما بالتراضي، أو بقرارات دولية أو عبر التحكيم الدولي". وقيعة وإفساد هذه الخلافات اعتبرها سعيد اللاوندي، أستاذ العلاقات الدولية، بمثابة محاولات للوقيعة وإفساد للعلاقة بين مصر والسودان، تقودها أمريكا وإسرائيل ودول أخرى غربية، مؤكدا أن إسرائيل تعمل على تعميق الخلافات بين الدولتين حتى لا تتخذ السودان نفس موقف مصر في بناء سد النهضة. وأضاف اللاوندي، ل "مصر العربية"، أن إسرائيل "تصطاد في الماء العكر"، بحد وصفه، وتشعل فتيل الأزمة لأنها لا تريد علاقة قوية بين مصر والسودان، وبالتالي تتخذ الخرطوم موقفا في صف إثيوبيا وتوافق على بناء السد، وبالتالي تنجح إسرائيل في أهدافها وتحقق الضرر والخسائر على مصر. وحذر أستاذ العلاقات الدولية من خطورة استمرار هذه الخلافات وعدم التدخل لحل الأزمة دبلوماسيا دون التصعيد على المستوى الدولي، مشددا على ضرورة وقوف مصر والسودان في خندق واحد لحماية مصالحه شعبيهما من الخطر الإسرائيلي والأمريكي. وأشار اللاوندي إلى أن ثمة مؤشرات على أن الرئيس السوداني عمر البشير وقع تحت تأثير محاولات الوقيعة؛ ولذلك بدأ يتخذ خطوات تصعيدية ضد مصر. مصلحة لمصر وأكد محمد عطا الله، أستاذ القانون الدولي، أن تقدم السودان بشكوى لمجلس الأمن بخصوص قضية حلايب وشلاتين لن يضر بمصر، مرجعا ذلك إلى أن القانون الدولي يمنح الشعوب حق تقرير المصير، بما يعني أن يصبح لأهل حلايب وشلاتين فقط حق تقرير مصيرهم وإلى أي دولة ينتمون. وأشار إلى إجراء انتخابات مجلس النواب في حلايب وشلاتين يعني تقنينا لوضعيتها وهويتها المصرية، ولا يمثل تأزيما قانونيا للعلاقات بين القاهرةوالخرطوم. وأوضح عطا الله أن تأثير الخلافات بين السودان ومصر والتصعيد على المستوى الدولي لن يضر مصر في شئ، "إلا إذا تقدمت السودان بشكوى ضد مصر في قضية تعذيب مواطن سوداني"، مشيرا إلى أنه "يجب على السلطات المصرية إحالة واقعة التعذيب للقضاء للتحقيق وإلا سيفرض مجلس الأمن على مصر إحالة المسؤول عنها للمحاكمة". وفيما يتعلق بمقتل ال 16 سوداني على الحدود المصرية، قال عطا الله إنه في حال تواجد هؤلاء القتلى في أماكن ملتهبة ومحظورة في سيناء فإنهم "يستحقون ما جرى لهم" ويتحمل مسئولية قتلهم السودان، "لأن الجميع يعلم أن سيناء منطقة تدور فيها حرب بين الجيش المصري وتنظيم داعش وغيره من التنظيمات الإرهابية" على حد قوله. وأكد أستاذ القانون الدولي أن تقدم السودان بشكوى لمجلس الأمن في صالح مصر لأنهم يعلمون أن مصر تحارب الإرهاب وأن هؤلاء القتلى "مهاجرون غير شرعيون". ولفت عطا الله إلى أنه في حال إثبات أن هؤلاء القتلى كانوا في مناطق آمنة، فيجب على الجيش المصري توضيح والأسباب التي دفعته لقتلهم، منوها إلى أن "الطرق القانونية الدولية دائما ما تكون آخر الخطوات إذا لم لم تأت الحلول الدبلوماسية بنتيجة" حسب قوله. وشدد أستاذ القانون الدولي على أهمية مخاطبة الخارجية المصرية لتوضيح أسباب الأزمات المتلاحقة التي تسببت في توتر العلاقة بين الدولتين. أثيوبيا المستفيد وأعرب محمد نصر علام، وزير الري والموارد المائية الأسبق، عن أمله في رأب الصدع بين الدولتين قريبا وحسم هذه الخلافات، مشددا على أنها ستؤثر سلبا على مصالح الدولتين خاصة فيما يتعلق بملف مياه النيل وسد النهضة الإثيوبي. وأشار علام إلى أن السودان تدعم أثيوبيا في بناء السد، "لكن مصر بحاجة إلى دعم الخرطوم خاصة إذا دُولت القضية" حسب قوله. وحذر وزير الري الأسبق من أن استمرار الخلافات سيدفع السودان لاتخاذ موقف معادي ضد مصر ما يدعم إثيوبيا في بناء السد، وهو ما يمثل أضرارا شديدة الخطورة على مصر، منها تعميق أزمة الكهرباء وبوار ملايين الأراضي الزراعية وتمليحها ونقص مياه الشرب.