أفرجت جهات التحقيق العسكري المصرية عن الصحفي بموقع "مدى مصر" الالكتروني الإخباري، حسام بهجت، بعد احتجازه منذ مساء الأحد الماضي من قبل القضاء العسكري بتهمة "إذاعة أخبار كاذبة من شأنها إلحاق الضرر بالمصلحة الوطنية، ونشر معلومات تضر بالسلم العام، دون قصد". وعقب خروجه وبلوغه منزله، نشر بهجت تدوينة عبر حسابه بموقع فيسبوك للتواصل الاجتماعي سرد فيها تفاصيل الأيام التي قضاها محتجزا والتحقيقات التي جرت معه من قبل النيابة العسكرية. وقال "انصب التحقيق حصريا على تحقيق صحفي نشرته بموقع (مدى مصر) في 13 أكتوبر الماضي بعنوان "تفاصيل المحاكمة العسكرية لضباط بالجيش بتهمة التخطيط لانقلاب". جرى التحقيق على خلفية بلاغ مقدم ضدي من المخابرات الحربية". وأضاف في التدوينة ذاتها "أخطرني رئيس النيابة أنني متهم بإذاعة أخبار كاذبة من شأنها إلحاق الضرر بالمصلحة الوطنية، وبنشر معلومات تضر بالسلم العام بسوء قصد، بموجب المادتين 102 مكرر و188 من قانون العقوبات". وأردف أنه بعد سلسلة التحقيقات المتواصلة وفي ساعات الاحتجاز الأخيرة تم إملاء إقرار كتابي نصه "أنني التزم بالإجراءات القانونية والأمنية في نشر أي معلومات تتعلق بالقوات المسلحة وبأنني لم اتعرض لأي إيذاء بدني أو معنوي خلال فترة احتجازي بالمخابرات الحربية. ثم تم تسليمي متعلقاتي الشخصية والسماح لي بالمغادرة". وفي تصريح لبي بي سي عبر الهاتف، قالت هبة مورايف، نائب المدير التنفيذي للمبادرة المصرية للحقوق الشخصية، التي أسسها بهجت عام 2002 واستمر في إدارتها حتى 2013، إنها وزملاء لبهجت التقوه عقب خروجه من مبنى المخابرات العسكرية وأنه "بدا بصحة جيدة، وهو يحتاج للراحة". وأضافت مورايف "نحن سعداء بإطلاق سراح بهجت، لكننا لا ندري إذا كانت التهم الموجهة إليه أسقطت أم لا. ونأمل في أن يكون هناك تأكيدا على حفظ التحقيق في القضية من قبل الجهات المعنية". وقال بهجت في تدوينته عقب الإفراج عنه إن المعاملة من جانب سلطات التحقيق وظروف احتجازة كانت جيدة إلى حد كبير، لكنه تعرض لتغمية عينيه في كثير من التحركات وتحت حراسة من أفراد مسلحين. وأضاف "لا أعلم حتى الآن مصير التحقيق معي بشأن التهمتين المذكورتين وسيحاول محامو الدفاع استجلاء الأمر في الأيام القادمة". تحقيقات صحفية وفي أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، كتب حسام في موقع "مدى مصر" الذي يعمل فه صحفيا استقصائيا منذ عام 2013 تحقيقا تحت عنوان "تفاصيل المحاكمة العسكرية لضباط بالجيش بتهمة التخطيط لانقلاب". وذكر في التحقيق أنه حصل على نص الاتهام الصادر بحق 26 من ضباط القوات المسلحة أدانتهم محكمة عسكرية في أغسطس/ آب بتدبير انقلاب على النظام الحالي بمعاونة اثنين من القيادات البارزة بجماعة الإخوان المسلمين. كما سرد تفاصيل مقابلات أجريت مع أقارب عدد من هولاء من المتهمين. وقد أثار التحقيق جدلا كبيرا آنذاك ولا يزال، إذ أنها من المرات النادرة التي تنشر فيها تفاصيل كهذه عبر وسائل إعلام مصرية، وبهذا الكم من التفاصيل، التي لم تنفها أو تؤكدها الجهات المعنية حتى الآن. كما كتب بهجت عدة تحقيقات في نفس الموقع من بينها "خلية عرب شركس: المحاكمة العسكرية شبه السرية لأنصار بيت المقدس" و"من فك أسر الجهاديين؟!"، و"ويكيليكس: كواليس إخراج نجل رئيس المخابرات السعودية من تحقيقات حسين سالم" و"قصور آل مبارك". واعتاد بهجت كتابة عمود يومي في نفس المنفذ تحت عنوان "يوميات قارئ صحف" يرصد فيه أبرز عناوين الصحافة المصرية ويعلق عليها. غضب محلي ودولي وكانت النيابة العسكرية أمرت الأحد الماضي بحبس بهجت أربعة أيام على ذمة التحقيق، وهو الإجراء الذي أثار ردود فعل غاضبة من عدد من المنظمات والشخصيات الحقوقية والسياسية المحلية والدولية من بينها الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون. وفي بيانه، قال بان كي مون "هذه الخطوة هي الأخيرة ضمن سلسلة من الاعتقالات بحق المدافعين عن حقوق الإنسان وغيرهم وهو أمر مقلق للغاية". وقالت سارة ليا ويتسن، مديرة قسم الشرق الأوسط في منظمة هيومن رايتس ووتش "الاستمرار في احتجاز حسام بهجت، أو تحويله إلى المحاكمة سيكون إشارة قاطعة بأن الرئيس عبد الفتاح السيسي وحكومته ليس لديهم نية التراجع عن القمع في مصر". ورفضت الخارجية المصرية في بيان لها ما اعتبرته تدخلا خارجيا في شأن محلي مصري. وقال المتحدث باسم وزارة الخارجية المصرية في بيان، تعقيبا على دعوة بان كي مون للإفراج عن بهجت، إنه "كان من الأحرى بحكم المسؤولية الوظيفية للسكرتير العام تحري الدقة والاهتمام بالقضايا العامة المتصلة بانتهاكات جماعية وممنهجة ضد شعوب ماتزال تحرم من حقوقها الأساسية". من نيويورك إلى مصر يبلغ بهجت من العمر 36 عاما، ونشأ في مدينة الاسكندرية الساحلية شمالي مصر ويعيش بها حاليا. وتخرج بهجت في كلية الاقتصاد والعلوم السياسية، وعاش فترة في نيويورك بالولايات المتحدة، قبل أن يعود إلى مصر ويؤسس المبادرة المصرية للحقوق الشخصية ويتولى إدراتها قبل أن يلتحق بموقع "مدي مصر". واختير بهجت في عام 2013 لعضوية المجلس القومي لحقوق الإنسان في مصر، وهو مؤسسة شبه حكومية. لكنه اعتذر ليتفرع للعمل الصحفي والحقوقي. وهو عضو في مجلس برنامج الأممالمتحدة الإنمائي العالمي للمجتمع المدني. وتقول حنان البدوي، وهي زميلة دراسة لبهجت، في مقال رأي نشر لها بموقع مدي مصر عقب احتجازه "كان بإمكان حسام أن يحتفظ بجرائده الورقية وطعامه ويُفضل سلامته الشخصية على "الصالح العام"، ويبقى خارج الوطن، ويطبق نظرية "الدرج المقفول" التي أنادي بها". واستطردت "لكن لأنه حسام، أخرج أوراق القضية (رقم 3/2015) من الدرج المقفول وكتب عنها تحقيقا مطولا يحمل بصمة أسلوبه الصحفي الشيق المميز وشديد الحرفية". وأضافت "لأنه (الحرّيف) كان حسام يعرف ما يمكن أن يتعرض له جراء نشر مثل هذا التحقيق في أزهى عصور الحرية التي تمر بها مصر حاليا". المادتان 102 و188 وينص قانون العقوبات المصري في مادته رقم 102 مكرر على أن "يعاقب بالحبس وبغرامة لا تقل عن خمسين جنيها ولا تتجاوز مئتي جنيه كل من أذاع عمدا أخبارا أو بيانات أو إشاعات كاذبة أو مغرضة أو بث دعايات مثيرة إذا كان من شأن ذلك تكدير الأمن العام أو إلقاء الرعب بين الناس أو إلحاق الضرر بالمصلحة العامة. وتكون العقوبة السجن وغرامة لا تقل عن مئة جنيه ولا تجاوز خمسمئة جنيه إذا وقعت الجريمة في زمن الحرب". كما تنص المادة 188 من نفس القانون على أنه "يعاقب بالحبس مدة لا تجاوز سنة وبغرامة لا تقل عن خمسة آلاف جنيه ولاتزيد على عشرين ألف جنيه أو بإحدى هاتين العقوبتين كل من نشر بسوء قصد بإحدى الطرق المتقدم ذكرها أخبارا أو بيانات أو إشاعات كاذبة أو أوراقا مصطنعة أو مزورة أو منسوبة كذبا إلى الغير، إذا كان من شأن ذلك تكدير السلم العام أو إثارة الفزع بين الناس أو إلحاق الضرر بالمصلحة العامة". صحفيون في السجن ويقدر عدد الصحفيين المحبوسين في مصر على ذمة قضايا نشر بالعشرات. وكان الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي أصدر قرارات ترحيل وعفو رئاسي بحق ثلاثة من صحفيي قناة الجزيرة الإنجليزية بعد شهور في السجن على خلفية اتهامات بالإضرار بالأمن العام ونشر أخبار كاذبة. ويأمل حقوقيون في أن يتم إخلاء سبيل بقية الصحفيين المحبوسين في السجون المصرية. غير أن تصريحات مسؤولين مصريين من آن لآخر، ضد وسائل إعلام تنتقد أداء السلطات والأجهزة الحكومية، دفعت البعض لفقدان الأمل في إفراج قريب عن هؤلاء الصحفيين. وكان بهجت كتب في نهاية تدوينته على حسابه بموقع فيسبوك عقب الإفراج عنه "اتمنى الحرية لآلاف المعتقلين ظلما في السجون المصرية. وأشدد مجددا على رفض وإدانة تجريم العمل الصحفي، واستخدام مواد قانون العقوبات في حبس الصحفيين، ومحاكمة المدنيين أمام القضاء العسكري".