تحقيق : إيمان صلاح الدين "الذهب فلوس متشالة للزمن".. هكذا تولي الثقافة الشعبية المصرية أهمية لاكتناز مشغولات ذهبية كوسيلة لمواجهة اية ظروف طارئة.. ولكن مع هبوط اسعار الذهب بنحو الثلث لم تتحرك سوق المعدن الاصفر.. فهل فقد الذهب بريقه في عيون المصريين ام ان عليهم اعباء اخرى اكبر من توجيه مدخراتهم للمشغولات الذهبية؟. وهبطت اسعار الذهب الى اقل سعر في نحو 4 سنوات ونصف العام ليتحرك الجرام من عيار 18 في حدود 210 جنيهات والجرام من عيار 21 في حدود 247 جنيها وبلغ سعر الجنيه الذهب 2010 جنيهات نتيجة لهبوط سعر الاوقية – الاونصة – بالاسواق العالمية الى 1270 دولارا مقابل 1900 دولار في 2012. وعزا وصفي أمين رئيس الشعبة العامة للذهب بالاتحاد للغرف التجارية انخفاض الاسعار الى عمليات مضاربة في البورصات العالمية وهو ما تزامن مع عدم استقرار أسعار النفط والدولار واليورو. وأشار إلى أن حجم المبيعات في السوق المصرية لم تعد حتى الآن إلى ما قبل ثورة 25 يناير. ورصد مجلس الذهب العالمي ارتفاعا الى امدادات الذهب عالميا بنحو 10 % خلال الربع الثاني من 2014 وقابله تراجعا في الطلب على بنسبة 16 % مقارنة بنفس الفترة من عام 2013. وفي مقال بعنوان "الآثار الكاملة للأزمة المالية لم تظهر بعد" نشر عام 2010 قال نعمان الزياتي الباحث الاقتصادي "فقاعة الذهب التي تكونت مع الازمة في طريقها نحو الانفجار نظرا لان تلك الاسعار لا تعبر عن القيمة الحقيقية للمعدن وفقا لظروف العرض والطلب". قال جورج عبدالملاك عضو شعبة المشغولات الذهبية ان السوق لم تستجب لتراجع الاسعار لان المزاج العام للناس سئ. "من يقتني الذهب لابد ان يكون شخص لديه فائضا من المال ويتمتع بحالة مزاجية جيدة وهذا غير موجود لدى عموم المصريين"، وفقا لعبد الملاك. وفي السياق، قال ايهاب واصف نائب رئيس شعبة الذهب "الطلب في سوق الذهب شبه متوقف منذ اسبوعين تقريبا عقب الحادث الارهابي الكبير الذي وقع في سيناء.. لا اعرف ما علاقة سوق الذهب بالحادث ولكن قبل ذلك تحسن السوق نسبيا ولكنه عاد للركود منذ ذلك الوقت". وتضم الشعبة ممثلين لتجار وورش ومصانع الذهب في مصر. ويعمل في مصر 3 الاف مصنع وورشة لانتاج المشغولات الذهبية. وعزا تجار ركود السوق نسبيا الى تذبذب الاسعار فضلا عن ان المستهلك ينتظر المزيد من الهبوط. فرأى عبدالملاك ان جزء من أزمة سوق الذهب يعود الى تذبذب الاسعار وهو امر مرتبط بالبورصات العالمية لا ناقة لنا ولا جمل به لانها تجعل "الزبون" دائما مترقب يخشى الشراء تخوفا من هبوط السعر ويتردد في البيع انتظارا لسعر اعلى. وحول انتظار هبوط اكبر، قال مايكل سعد الله تاجر " الزبون ينتظر المزيد من التراجع باسعار الذهب .. رغم ان السعر الحالي لم نره منذ اعوام فضلا عن استقرار قيمة المصنعية والضريبة". ويضاف الى سعر جرام الذهب عند الشراء ضريبة دمغة ومبيعات تقدر ب3.5 % من قيمة المشتريات بجانب المصنعية وهي تشمل ربح تاجر الجملة والتجزئة وتتفاوت قيمتها بين اعيرة وماركات المشغولات كما تتفاوت من متجر لاخر. وافاد سعد الله بانه عادة لا توجد علاقة بين السعر والطلب في سوق الذهب مفسرا ذلك بان السوق تحركة عوامل اخرى اهمها قدرة الزبون على الشراء او رغبته في الاحتفاظ بالذهب كنوع من التحوط والامان. وفي منحى آخر، ربط متابعو سوق الذهب بين تفويت المستهلك فرص هبوط الاسعار وعودة الثقة في الدولة والاقتصاد والنظام البنكي. وقال مايكل سعد الله ان فوائض الاموال عادت الى البنوك مرة اخرى مع الاتجاه نحو الاستقرار. واشار الى ان عام 2012 شهد اقبالا على شراء الذهب نتيجة تراجع الثقة في البنوك والخوف من حدوث اعمال عنف في الشارع وغياب الاستقرار وقال "اذكر ان شهر رمضان عام 2012 حققنا فيه افضل مبيعات". ومن منظور اقتصادي، قال الدكتور مصطفى بدرة استاذ الاقتصاد بجامعة عين شمس ان فترة الترقب والازمات التي شهدتها مصر عقب ثورة يناير والتي تضاءلت على نحو كبير خلال الاشهر الاخيرة دفعت المواطنين الى الذهاب الى الاصول الاكثر امنا مثل الذهب والعملة الصعبة خوفا من انهيار الجنيه. ويفسر ذلك – يستكمل بدرة – ارتفاع الدولار في السوق السوداء الى 8.5 جنيه وكذلك تحسن الاقبال على الذهب خاصة السبائك. واستبعد التجار ان يكون لطرح شهادات استثمار قناة السويس التي جمعت 64 مليار جنيه من مدخرات المصريين دورا في عدم استجابة السوق لهبوط اسعار الذهب نتيجة لسحب سيولة من بين ايديهم. وقال ايهاب واصف انه بالتزامن مع طرح الشهادات شهدت سوق الذهب تحسنا نسبيا في المبيعات حيث افرزت حالة من التفاؤل بتحسن الظروف الاقتصادية. "خلال الربع الثالث من 2014 زادت مبيعاتي بنحو الثلث مقارنة بالربع المناظر من العام السابق وتعد تلك الفترة الافضل في المبيعات منذ 2008′′، بحسب واصف. ووافقه الدكتور مصطفى بدرة الرأي مستشهدا بان الاموال التي جمعتها شهادات استثمار القناة لا تتجاوز 5 % من حجم ودائع المصريين بالبنوك والتي تجاوزت الترليون و500 مليار جنيه وفقا لاحدث تقارير البنك المركزي. "تلك الاموال المودعة بالبنوك تحقق فائدة سنوية 140 مليار جنيه على اقل تقدير وبالتالي ما جمعته شهادات الاستثمار لا يمثل شئ بالنظر الى اجمالي المدخرات"، وفقا لبدرة. في متجر به القليل من الرواد يفوق عدد العاملين، قالت الدكتورة هبة وهي امرأة ثلاثينية ذات مظهر انيق وذهبت الى الصائغ لاصلاح اسورة انها تحب اقتناء الذهب وتشتري قطعة من حين لاخر لكنها مؤخرا وضعت معظم مدخراتها في شهادات استثمار قناة السويس "لمساعدة مصر" على حد تعبيرها مشيرة الى انها تنتظر فوائد الشهادات لاقتناء مشغولات جديدة. أما سارة فهي محاسبة تزور الصائغ بصحبة عائلتها وخطيبها لشراء شبكتها قالت انها قررت شراء شبكتها حاليا عندما سمعت بهبوط اسعار الذهب بينما كان من المفترض ان تشتريها بعد عدة اشهر. ومدام رانيا سيدة خمسينية كانت بصحبة ابنتها العروس يارا قالت ان اسعار الذهب مازالت مرتفعة حتى بعد الهبوط فان سعر الجرام "عيار 18′′ يتجاوز 250 جنيها بعد اضافة الضريبة والمصنعية مشيرة الى انها كانت حتى عام 2000 تشتري الجرام باقل من 40 جنيها. وذكرت انها حتى اذا كان لديها فائض من المال في الوقت الحالي ستفضل ادخاره في شهادات الاستثمار المتاحة بالبنوك نظرا لانها تدر عائدا يمكن ان يساعدها في تحمل تكاليف "العيشة" التي تتزايد بشكل مستمر. ولم تتوافر في ارقام عن حجم تجارة الذهب بينما قدر حجم مجلس الذهب الطلب العالمي على المعدن بنحو 964 طنا بقيمة 40 مليار دولار في الربع الثاني من 2014 مشيرا الى ان الهند والصين يتصدران سوق المجوهرات. ورصد المجلس تحسنا في الطلب على الذهب في اسواق غربية، حيث ارتفع الطلب على المجوهرات في الولاياتالمتحدة بنسبة 15 % إلى 26 طنا، وزاد في المملكة المتحدة 21% إلى 4 أطنان مع عودة الذهب الأصفر كأحد صيحات الموضة. وأشار المجلس إلى أن حجم الاستثمار العالمي في السبائك والعملات الذهبية عالميا بلغ 235 طنا، بارتفاع 4 %، فيما بلغ إجمالي مشتريات البنوك المركزية 118 طنا بارتفاع 28 % على أساس سنوي.