في أحد الأسابيع الأولى للحرب في غزة أطلق نحو تل أبيب صاروخ. فأطلقت بطارية «القبة الحديدية» نحوه على التوالي صاروخي اعتراض (أو ما يسمى بالأحرف الأولى للعبارة «تمير») أخطآ هدفهما، وبشكل شاذ جداً أطلق نحوه صاروخ ثالث هو الاخر أخطأ. ولحسن الحظ سقط الصاروخ في البحر. هذه القصة نشرها في «علون شبات» أوهد شكيد، معلم التاريخ والتربية الوطنية من تل أبيب، ونشر في مواقع الأخبار وفي الصحف الأصولية. وكتب شكيد في صفحته على الفيسبوك بأن المعلومات استندت الى واحد من تلاميذه، من سكان بني براك يخدم في البطارية. وعلى حد قوله، اتصل الجندي به كي يستوضح امكانية المشاركة في دروس التوراة إثر تسريحه بعد بضعة أشهر، وحينها روى له عن الحالة. وحسب شهادة الجندي، كان الصاروخ يستهدف أبراج عزرئيلي أو الكرياه (دار الحكومة – وزارة الدفاع)، وفقط بسبب الريح الشديدة التي هبت فجأة انحرف نحو أرض مفتوحة. في حديث معي أكد شكيد بأنه بالفعل كتب عن ذلك، وروى أنه فوجيء للصدى الهائل الذي حظي به. وأضاف أنه بسبب المكالمة عوقب الجندي وجمد في قاعدته لأسبوعين. وبشكل عام يستغرق مثل هذا الاستيضاح ساعات طويلة، وأحياناً أيام. أما هذه المرة فكان الرد سريعاً. وبزعم الناطق بلسان الجيش الاسرائيلي، فليس معروفاً له حالة جندي خدم في إحدى وحدات منظومة الدفاع الجوي وعوقب بالتجميد بسبب الثرثرة لجهة غير مخولة. في هذه القصة يوجد الكثير من الاسطورة، فالصواريخ التي أطلقتها حماس نحو مركز البلاد ليست دقيقة، ومشكوك أن يكون ممكناً القول بيقين الى أي هدف موضعي تم إطلاقها، ومع ذلك، لا ريب أن حماس كانت ترغب جداً في أن تضرب صواريخها بعيدة المدى (فوق 40 كم) تل أبيب، لا سيما أحد الرموز البارزة لاسرائيل مثل ابراج عزرئيلي أو الكرياه. لكن في هذه القصة يوجد شيء من الحقيقة، فطيران الصواريخ بالفعل من شأنه أن يتأثر بالرياح التي يمكنها أن تحرفها عن مسارها بعدة عشرات الامتار (ولكن بالتأكيد ليس مئات الامتار). مشوق أكثر الادعاء بأنه أطلق نحو الصاروخ ثلاثة صواريخ اعتراضية. ضابط كبير في سلاح الجو استعرض للصحافيين أداء «القبة الحديدية» في زمن الحرب رفض القول كم صاروخ اعتراض أطلق نحو كل صاروخ، وماذا كانت سياسة اطلاق النار في البطاريات. ومع ذلك، معروف بأنه حسب النظرية التي تم وضعها في سلاح الجو، فان القرار بشأن عدد صواريخ الاعتراض التي ستطلق ليس ثابتاً وموحداً. وهو يتغير ويتعلق بالظروف وبالمنطقة. كما أنه واضح إنه بذل جهد خاص من جانب وحدات «القبة الحديدية» للدفاع بكل ثمن تقريبا عن «الرموز» أو عن «الاهداف الاستراتيجية». فما هي المواقع التي حظيت بحماية مفضلة؟ يمكن فقط التقدير بانها تتضمن ميناء أسدود، محطات الكهرباء في أسدود، في عسقلان وفي تل أبيب، الكرياه، ابراج عزرئيلي، المطارات العسكرية وبالطبع مطار بن غوريون. وكما أعلنت حماس عدة مرات في أثناء الحرب، فان «مطار بن غوريون كان في المدى على أساس دائم» بهدف شل حركة الطيران من والى اسرائيل. وبالفعل نجحت حماس جزئياً في هدفها، عندما كفت شركات طيران غربية عن الطيران من والى اسرائيل على مدى يومين. أرض مفتوحة في سياق مسألة ما الذي ينبغي حمايته، يجدر بالذكر إنه في 2010، عندما بدأت بطارية «القبة الحديدية» الاولى في سلسلة تجارب نحو تأهيلها التنفيذي، وفي الوقت الذي سقطت فيه الصواريخ لاول مرة في بئر السبع، ترددوا في سلاح الجو بداية اذا كانوا سينشرونها لحماية المدينة. وادعى ضباط كبار في الجيش الاسرائيلي بشكل عام وفي سلاح الجو بشكل خاص بأن «القبة الحديدية» لم تستهدف حماية المدنيين بل المواقع العسكرية والاستراتيجية. ومنذئذ، في أعقاب الصرخة الجماهيرية الناشئة، تغير النهج، فقد نُشرت البطاريات لحماية الأهداف الاستراتيجية والرموز ولكن أيضاً، وربما أساساً، لحماية المدنيين. من هذه الناحية، يوجد في سلاح الجو حالة من الفخر بسبب أن «أحداً لم يقتل باصابة صاروخ» في الاماكن التي حمتها «القبة الحديدية». في الحرب على غزة قتل 15 جندياً ومدنياً باصابات قذائف هاون وصواريخ (كلهم في غلاف غزة باستثناء واحد). ولكن هذا حصل في الاماكن التي لم تحمها «القبة الحديدية» (الخيمة البدوية قرب ديمونا) أو لم يكن بوسعها أن تحميها (غلاف غزة). يرفض الجيش الاسرائيلي نشر المعطى الدقيق عن نصف القطر الادنى الذي يمكن للقبة أن تتعاطى معه ك»أرض مفتوحة» في داخل مدينة أو في بلدة قروية. ولكن يمكن القول بيقين أن الحديث يدور عن نصف قطر أقل من 300 متر ويبدو أكبر من 100 متر. واضح أنه كلما كان نصف القطر أصغر، يكون أداء «القبة الحديدية» أحسن. كم هي النسبة المئوية؟ عند حساب النسبة المئوية للنجاح في الاعتراضات يصبح الوضع مختلفاً قليلاً. حسب المعطيات الرسمية للجيش الاسرائيلي، ففي أثناء 51 يوماً من الحرب، أطلق من القطاع 4519 صاروخاً وقذيفة هاون. 197 منها كانت سقوطات (الاطلاق يفشل أو ان الصاروخ يسقط داخل القطاع)، و3362 سقطت في أراضي مفتوحة فيما تم تسجيل 225 حالة سقوط لصواريخ في أراضي مبنية ومأهولة، وبالاجمال تم تنفيذ 735 اعتراضاً. وزع الجيش الاسرائيلي اطلاقات الصواريخ وقذائف الهاون حسب المسافات. حتى 10كم (غلاف غزة وسديروت)، حتى 20كم (عسقلان، اوفيكيم، نتيفوت)، حتى 40كم (بئر السبع، اسدود، غديرة)، وفوق 40كم (السهل الساحلي، تل أبيب، غوش دان وشمالها، بيت شيمش، القدس). في «مفات» (مديرية تطوير البنى التحتية والوسائل التكنولوجية في وزارة الدفاع) بدأوا منذ آب 2004 في مداولات على ايجاد حل للاعتراض الصلب (خلافا للحل القائم على اساس الليزر) للصواريخ على سديروت. وكان هذا هو الهدف: حماية سديروت من صواريخ القسام التي انتجتها حماس بنفسها، ذات مدى 4.5 كم فقط. وكانت مفات وجهاز الامن مصممان منذ بداية الطريق على تطوير وانتاج منظومة أزرق – أبيض. ليس لان المنظومات الاخرى التي كانت متوفرة في حينه سيئة – وهي لم تفحص بجدية كبدائل حقاً. ففي «مفات» أرادوا أن يوفروا عملاً وأن يبنوا بنية علمية – تكنولوجية متطورة في مشاريع الصناعة الامنية. وقد ألقيت المهمة على عاتق «رفائيل» التي طورت المنظومة بسرعة فائقة – أقل من أربع سنوات. كان هذا بالتأكيد اعتبارا مشروعا، ولكنه كان ينبغي قول الحقيقة للجمهور. الحقيقة لم تقل: بين 2004 و2010 (الى أن طورت «القبة الحديدية» الاولى)، كان يمكن حماية سديروت وبلدات غلاف غزة التي واصلت التعرض للصواريخ وقذائف الهاون بمعونة مدافع «فالكان بلنكس» أو منظومة الليزر («سكاي غارد»). وكان يمكن ل»فالكان بلنكس» أن تحمي بلدات غلاف غزة، محطة توليد الطاقة في عسقلان، ميناء كاتسا في عسقلان أو كلية سفير في سديروت. وبدلا من ذلك، فضل جهاز الامن، وكذا رفائيل، إعطاء الانطباع المضلل وكأن «القبة الحديدية» مخصصة لهم وستحميهم في يوم الامر. هذا لم يحصل في 2010، لم يحصل في «عمود السحاب»، لم يحصل في «الجرف الصامد» ولن يحصل في المستقبل. واليوم يعترفون في الجيش الاسرائيلي على رؤوس الاشهاد بان منظومة «القبة الحديدية» لا يمكنها أن تعترض صواريخ أو قذائف هاون طيرانها حتى 30 ثانية ومداها نحو 10كم. حماس هي الاخرى تعرف ذلك، ولهذا فقد أكثرت من اطلاق الصواريخ وقذائف الهاون نحو غلاف غزة. وباعتبارات حفظ الاسرار وأمن المعلومات، يرفض الجيش الاسرائيلي تقديم معطيات التوزيع: كم صاروخاً سقط في كل مدينة، بلدة قروية او مجال محصن، وكذا كم من بين اجمالي الاطلاقات كانت قذائف هاون. ومن هنا يمكن فقط الاعتماد على مصادر ثانوية، المعلومات فيها غير دقيقة مثل تلك التي لدى الجيش الاسرائيلي. استناداً الى تلك المعلومات غير الرسمية، يمكن التقدير بأن أكثر من 300 صاروخ أطلق الى مدى أكثر من 40 كم، منها نحو 70 الى غوش دان. نحو الثلث من إجمالي الاطلاقات (1500) كانت الى غلاف غزة، نحو نصفها قذائف هاون والباقي صواريخ قصيرة المدى من طراز القسام. في ضوء كثرة المعطيات ورفض الجيش الاسرائيلي توفير المعطيات الدقيقة، وتعريف ما هي الارض المدينية المفتوحة، من الصعب أن نعرف ما هي معدلات نجاح الاعتراض. في «عمود السحاب» تحدثوا في رفائيل وفي الجيش الاسرائيلي عن 80 – 84 في المئة. وحسب مصدر عسكري كبير في سلاح الجو، فان معدلات النجاح في «الجرف الصامد» تبلغ 88 – 90 في المئة. ولكن مصدر كبير آخر في السلاح اعترف على مسمعي بانه استناداً الى ذات قاعدة المعطيات، التي كما ذكر لا تنشر، يمكن الوصول الى عدة نتائج مختلفة. واعترف المصدر ايضا بانه «اذا كان في غلاف غزة أصيب بيت فمن ناحية القبة الحديدية لم يكن سقوط ولا حاجة لتسجيل فشل. لان القبة لم تحمي ذاك البيت». ولكن حساب آخر يبين ان الاعتراضات تبلغ 76 في المئة – وذلك دون مراعاة المسألة المجهولة عن الاراضي المفتوحة المدينية. كيف وصلنا الى هذه النتيجة؟ ببساطة شديدة: نربط رقم الاعتراضات (735) برقم السقوطات في ارض مفتوحة (225)، ونصل الى 960. معنى الرقم هو أن «القبة الحديدية» كان ينبغي لها أن تعترض ما لا يقل عن 960 صاروخا أطلقت الى المناطق المأهولة التي كان ينبغي لها أن تحميها. وقد اعترضت 735 وأخطأت أو تركت 225 تسقط في أرض مبنية. **معاريف 5/9/2014