اللغة واحدة من الصفات التي يتميز بها الكائن الإنساني عن غيره من الكائنات الحية الأخرى، فهي طريقة التخاطب والتفاهم بين الأفراد والشعوب بواسطة رموز صوتية وأشكال كلامية، فهي وسيلة لنقل التراث الثقافي والحضاري. تعبر اللغة عن الإبداع البشري بشتى صوره وأشكاله وأقوى أداة للاتصال والتفكير وتلقي المعلومات كما تصف اللغة رؤية الأمة للعالم و تعكس العلاقة بين الماضي والحاضر والمستقبل. وللغة العربية علاقة وطيدة في التنمية البشرية للمجتمع، وهي وسيلة الحركة الإنسانية كلها في المجال العلمي والسياسي والثقافي والاجتماعي، فاللغة وعاء ذلك كله ووسيلة ذلك كله، وإذا تراجعت اللغة، توقفت الحركة الإنسانية وانقطع الاتصال والتواصل والتفاهم، ذلك أن اللغة هي من أهم وأدق المواصلات وأوعية المعلومات وتواصل الأجيال. إن اللغة العربية قد ارتبطت في تطويرها وتقدمها ولحظات قوتها بالعقيدة والدين الإسلامي، فهي لغة القرآن والسنة ولذلك ارتبط رصيدها الثقافي والفكري بكتاب الله، ولأجل هذا اكتسبت اللغة العربية صبغة القداسة والتقدير. اللغة العربية كسائر اللغات كائن اجتماعي تسرى عليه سنن التطور والتجديد ويتوقف عليه بقاؤه، وكون اللغة العربية إحدى اللغات، فهي تمثل رابطاعضويا وهمزة وصل بين ماضي الأمة وحاضرها ومستقبلها. إن هناك ارتباطاً وطيداً بين اللغة العربية والثقافة والقيم الحضارية، إذا الثقافة العربية هي المكون الأساسي للأمة العربية الذي يُحدد هويتها ومكانتها بين الأمم والشعوب، وهي مستوع هذه الثقافة، وكلما كانت هذه اللغة حية منتجة أنتجت ثقافة حية لأنها أداة الفكر والتعبير معاً. لقد أثبتت اللغة العربية أنها لغة مطواعة، وليست عصية على العالم والشاعر والكاتب، حيث يكتب بها العالم فيجدها قادرة على استيعاب كل مفاهيم العلم ومصطلحاته وتحديداته وأرقامه، ثم يكتب بها الشاعر مستنبطا تأملاته وانفعالاته ودلالاته، ويكتب بها الكاتب فتستوعب أفكاره ونظرياته في التعبير عن خلجات نفسه. اللغة العربية هي أساس التواصل الفكري والحضاري بين أبناء الامة العربية، وحبل الوصل بين المجتمعات العربية، فهي عروة الوثقى ودعامتها القومية، وهي وعاء الشعور والعواطف. اللغة العربية أداة التعارف بين ملايين البشر المنتشرين في آفاق الأرض، وهي ثابتة في أصولها وجذورها متجددة بفضل مزاياها وخصائصها، اللغة العربية هي اللغة التي نقلت المجتمع العربي من مجتمع بسيط ساذج إلى مجتمع غاية في الرقي الفكري والحضاري. أما الثقافة فهي نقل المنتج الفكري والإبداعي وحفظه للأجيال، ورسم مستوى الوعي لأي مجتمع أو أمة، فالثقافة قوام الأمة، واللغة قوام الثقافة التي بواسطتها تتواصل الأجيال، فالثقافة بمعناها الواسع تعد أحد الأبعاد الأساسية في التنمية. وهناك علاقة جدلية بين التنمية الثقافة والتنمية الاقتصادية والاجتماعية. فإذا كانت الثقافة تشير إلى جميع السمات الروحية والمادية والعاطفية التي تميز المجتمع عن الآخر وتتجسد فيها النظم والعادات والتقاليد والمعتقدات وطرائق الحياة التي يحياها أبناء هذا المجتمع، وما يبدعون من فنون وآداب ومعارف، وما يتمتعون به من حقوق، فإن ذلك يجعل الثقافة تمثل نسيج المجتمع ووعيه في علاقته بالتنمية. التنمية الثقافية مفهوم معاصر لارتباطه العميق بفكر وثقافة وإبداع الإنسان وتقدمه الحضاري، وتجدرالإشارة إلى أن هذا المفهوم قد عنى منذ البداية الخلق والإبداع في مجال زراعة الأرض وتشجيرها، نعني التنمية الثقافة والفنون والآداب وطرائق الحياة ونوعية الحياة الاجتماعية ومنظومة القيم والتقاليد والمعقتدات. التنمية الثقافية هي التغيير التقدمي الذي تزيد الثقافة بمقتضاها من حيث الكمية والكيفية، التنمية الثقافية هي المنهجية التي تستوعب كل انتاجات المجتمع لتحوله في النهاية إلى أنشطة فكرية واجتماعية يتم ممارستها في المجتمع، وتتفاعل معها الأفراد بأساليب متفاوتة بحيث تكون في النهاية عنصراً أساسياً في تحديث إدراكهم لواقعهم الاجتماعي، وتعتبر أكثر من ضرورة للبناء الاجتماعي، فمن خلالها تتغير المسارات الاجتماعية نحو الأفضل. إنَّ النمو هو انتقال اللغة من طور إلى طور أحسن وأفضل على أساس أن اللغة بهذا الانتقال قد أدت وظيفتها على خير، فقابلت حاجات الإنسان المتجددة في حياته الفكرية والمادية، فالتنمية اللغوية هي عملية هادفة إلى إحداث تغيرات محدودة منشودة، وليست مجرد رصد لتغيرات لغوية، أما التمنية الثقافية فهي التغيير التقدمي الذي يستوعب آفاقها وأبعادها وتطورها وازدهارها. *كاتب المقال أستاذ المساعد، قسم اللغة العربية وآدابها