بقلم د.هبة الهواري وبناءاً على ما تقدم ، فإننا نكتشف ظروفاً اجتماعية تاريخية ذات أساس ثقافي وراء الابتكارات في العلم والفن، كما أن ظاهرة التزامن في إيجاد الأفكار المتقدمة كما يقول " ياروشفشكى " ناتجة من قانونية اجتماعية تاريخية تتضمن جملة من العوامل المستقلة عن الخصائص الفردية للإبداع . وفي صالون الشباب الأخير نرى أن تلك التوجهات إلى التجهيز في الفراغ واستخدام الوسائط المتعددة ما زالت تحتل مكاناً مهماً في مفردات لغة التعبير التشكيلي مع حضور وعي هؤلاء الشباب بكثير من القضايا القومية والإنسانية ، فهم يستخدمون شكلاً جديداً ربما كان أصله غربياً ، لصالح محتوى تعبيري إنساني خالص، وفى هذا الإطار ظهر في مجال الخزف ماجد زكي الحاصل على الجائزة التشجيعية للصالون ، وفي التصوير أحمد عبد الحميد الشافعي ، وفي العمل النحتي علاء عبد الحميد عبد الوهاب ، وفي فن الأداء التشكيلي إبراهيم محمد خطاب ، وكذلك التجهيز في الفراغ الذي قدمته الفنانة أمنية صلاح ،و تجهيز للفنان أحمد الشاعر وآخر للفنان إسلام زين العابدين ..وغيرهم ،،تماما كما نرى الأديب يستخدم الأشكال الأدبية العديدة كالرواية والقصة القصيرة وغيرها تبعاً للشحنة التعبيرية التي يريد الإفصاح عنها للمتلقي ، فمن المؤكد أن الفنان لا يتمنى إطلاقاً الاغتراب عن مجتمعه ، بل في غالب الأحيان يتمنى الانتباه المطلق وإثارة الدهشة. فهل جدة الشكل واتجاه الفنانين التشكيليين نحو سبل متنوعة للتعبير تمثل خطراً على الهوية القومية ، أو تهدد أياً من ثوابتنا الثقافية والحضارية ؟ .. ما رأيته في صالون الشباب الأخير كان بمثابة مواهب كثيرة وقدرات تشكيلية قيمة ، وطاقات في حاجة إلى التوجيه والصقل المعرفي والثقافي ، و تنظيم اتجاه التدفق لصالح رفع مستوى الوعي التشكيلي والثقافي لدى هؤلاء الفنانين و متلقيهم من الشباب ، على أن يكون هذا دون إملاء أو تلقين أو ممارسة سلطة أبوية ، بل بتفعيل كثير من الأنشطة والاستراتيجيات ذات الطابع الثقافي الإثرائي في إطار تلك التجمعات السنوية الراسخة التي تقام في مصر .. وفي أروقة المعرض العام 2010 ظهرت أعمال نحتية ومجهزة في الفراغ عند حسن عثمان ، ومنى شمس ويوسف ليمود وكذلك أعمال فنية باستخدام الفيديو والوسائط التكنولوجية المتعددة ، و بقيت اللوحة التصويرية والنحت والخزف والجرافيك وغيرها من الوسائل التعبيرية روافداً عديدة من منبع التشكيل : تصب في قلب الساحة التشكيلية المصرية ، في انتظار الدراسة والتحليل واستخلاص النتائج والعثور على الفجوات ، ويظل الأهم هو التوجه الفكري للمبدع والخلفية المعرفية لديه والأثر الفني والثقافي الذي يشكل بقوته وعينا الجمعي وإسهاماتنا في حضارة الإنسانية . إن فكرة الاختلاف قائمة وضرورية ولابد من الاعتراف بها دون جلد الآخر أو نبذ الجديد ، وبعيدا عن إصدار الأحكام المسبقة ، فقد تواصلت في مصر عمليات الهجوم على التوجهات ما بعد الحداثية للتشكيليين المصريين ، مما يوضح أن مفهوم الاختلاف مع الآخر عندنا يحتاج الى التأمل ، وإلى كثير من التناول الفاحص والتسامح الواعى، دون أن نحقر من شأن الآخر لمجرد أنه تجرأ واختلف ، وربما خرج هؤلاء التشكيليون عن المألوف وتعمدوا إثارة الدهشة ، وربما شابتهم بعض الفجاجة والاندفاع ، لكنهم استطاعوا أن يأتوا بجديد ، كما أن حركة التجديد سوف تنقي نفسها بنفسها من شوائب الفيض ، وسوف يبقى ما يتسم بالأصالة والجدة ويذهب الزبد جفاءاً .. وهنا يأتى دور الأجيال الشابة من النقاد التشكيليين ، لفحص وتحليل المتجذر والوافد ، فكلما نشطت حركة النقد ، كلما ازدهرت الحركة الإبداعية التي يمكنها أن تقاوم الخواء والركاكة وتدني التوجهات ، كما يمكنها التكريس للقيم الثقافية المكونة لوجه مصر الحقيقي دون مسخ الهوية والتقزم أمام الغرب .