دائما ما نسمع عن شخصيات خائنة لبلدها وتهرب الآثار وتتكسب من وراء ذلك الملايين .. ولكن لمرات قليلة نجد شرفاء أمثال صبرى عبد الرحمن مواطن مصرى بسيط لايريد إلا أن يعيش راضيا من داخله مرفوع الرأس، مرتاح الضمير، وأن يحقق كل معانى الشرف فى صمت. هو مدرس لغة عربية لغير الناطقين فيها بقسم اللغة العربية والترجمة بكلية التعليم المستمر بالجامعة الأمريكية ، بطولته أنه قام بتسيلم تمثال الملك إخناتون إلى وزارة الآثار أمس. حكاية صبرى عبد الرحمن بسيطة وعميقة فى وقت واحد، ففى اليوم التالى الذى تم فيه الاعتداء على المتحف المصرى، اتصل صبرى بأخته للاطمئنان عليها وبالصدفة علم أن ابنها محمود الطالب بمدرسة إمبابة الثانوية عندما كان فى ميدان التحرير، عثر بجوار المتحف على تمثال بجانب القمامة الملقاة فى الشارع، وأتى بالتمثال إلى البيت هى تسأل دون معرفة منها، إن فى بيتها أثرا مصريا فائق الروعة والندرة والخصوصية. قال لها صبرى: قد يكون من الآثار التى تمت سرقتها من المتحف ويجب إبلاغ الشرطة، فخافت السيدة وقالت له إنها تخشى من ملاحقتها بأى أذى هى أو ابنها الصغير. فالكل يتحاشى الاتصال بأقسام البوليس. وقالت لأخيها: "أحسن حاجة نرمى التمثال أو نتخلص منه!! بدلا من الدخول فى مشاكل لا حصر لها". لكن صبرى عبد الرحمن بحس متيقظ رفض هذه الفكرة تماما، وقال لها: أنا سأعيد التمثال إلى المتحف، فهذا واجب وطنى، مهما كان الثمن. وأخذ من أخته التمثال وظل على مدار أسبوع يتصل تليفونيا بالمتحف المصرى، ولا يرد عليه أحد. فحاول الاتصال بمكتب الدكتور زاهى حواس إلى إن ردت عليه إحدى الموظفات وعرض عليها الأمر.. فاقترحت عليه الذهاب بالتمثال إلى شرطة الآثار فى الأوبرا بمنطقة وسط البلد. فذهب محمود يحمل التمثال ويحمل خوفه من المجهول القادم، وكيف سيتم التعامل معه؟ هل بالترحيب والتقدير أم بالتجاهل والاستهانة على أحسن تقدير؟.. وبالفعل ذهب صبرى عبد الرحمن.. وتبددت مخاوفه فبمجرد أن عرض التمثال؛ وجد المكان يهتز فرحا وبهجة بعودة تمثال الملك النادر ويهتز إعجابا وشهامة بشخصه المتواضع وفطرته الأصيلة النقية. وفى ثوانٍ وصلت لجنة أثرية لتتأكد من أثرية التمثال وتحققت اللجنة فعلا وتسلمت اللجنة التمثال برئاسة د. يوسف خليفة مدير عام إدارة المضبوطات والمسروقات بوزارة الدولة لشئون الآثار، وذلك بغرفة العمليات الخاصة بشرطة السياحة والآثار بالأوبرا، ورفض تماما فكرة منحه أى مكافأة مالية من وزارة الآثار مقابل موقفه العظيم.