بقلم وائل ابراهيم اليوم هو يوم الأستفتاء على مشروع الدستور ، أو على الأقل هذا ماسيحدث اليوم فى عشر محافظات ، وبعد أسبوع من اليوم ستكون المرحلة الثانية من التصويت ، وسنعرف وقتها نتيجة الأستفتاء ، والأهم من النتيجة سنعرف رد فعل كل طرف من الطرفين المتنازعين على تلك النتيجة . نعم .. أرى أن الأهم من النتيجة هو رد فعل القوى السياسية علي تلك النتيجة . لأن نتيجة الأستفتاء ب " نعم " أو " لا " ستؤدى بنا الى دستور جديد أو تأسيسية جديدة لوضع دستور جديد . لكن رد فعل القوى السياسية المتناحرة ربما يؤدى بنا الى فوضى عارمة . الفوضى .. هى كلمة نعيشها بالفعل منذ شهور . لا أقصد بالفوضى سوء الحالة المرورية والأمنية . لا أقصد بالفوضى تضارب قرارات الرئاسة وسوء إدراة البلاد من قبل الرئيس والحكومة . لا أقصد بالفوضى تدنى المستوى الاقتصادى والمعيشى للبلاد عن أى وقت مضى . لا أقصد بالفوضى عدم وضوح الرؤية لدى الحكومة والرئاسة . لا أقصد بالفوضى بطىء قرارات الرئيس وعدم رضائنا عن أسلوب إدارته . لا أقصد بالفوضى عدم القيام بخطوات ولو مبدأية تبشر بالإصلاح والتقدم . لا أقصد بالفوضى تفكير القائمين على أمر البلاد بنفس التفكير التقليدى القديم دون أى تطور نوعى أو إستخدام أساليب علمية لحل الأزمة . كل ما ذكرت هى أخطاء ومشاكل فى النظام القائم ، كلها معوقات تجعلنا لا نأمل كثيراً فى إصلاح أو تقدم إذا إستمروا على هذا الاسلوب فى التفكير والتحرك . كل هذه الأخطاء تحتاج الى معارضة وتقويم . ولكن كيف !؟ هنا نعود لكلمة الفوضى .. لا يمكن أن يكون النقد والاعتراض وتصحيح هذه الأخطاء بأن نتحول الى حالة فوضى .. اذا كنا نزعم أننا بصدد بناء دولة ديمقراطية حقيقية ، فيجب أن نتمسك بشيئين .. الأول : أن نتبع آليات الديمقراطية فى كل مناحى حياتنا السياسية الثانى : أن نتمسك بمكتسباتنا الديمقراطية التى حققناها خلال الفترة الماضية فاذا نظرنا الى ما نحن فيه الآن ، سنجد أننا نفتقد لهاتان النقطتان فنحن نستخدم الاعتراض الدائم ، والعنف ، والا موضوعية فى العداء والهجوم والنقد . وأيضاً .. ننقلب على مكتسباتنا فى أول فرصة ومن وجهة نظرى الشخصية أرى أن أسباب ذلك هى .. أن النخبة المثقفة لازالت تشعر بمرارة الهزيمة ، بل وتشعر بالأحباط أيضاً ، وهذا الأحباط جعلهم يفقدون الثقة فى أنفسهم وفيمن حولهم من شباب وطنى متحمس ، هزيمتهم فى إستفتاء مارس 2011 والانتخابات البرلمانية وفى انتخابات الرئاسة ، وعدم جدوى دعواهم لمقاطعة انتخابات الرئاسة ، جعلتهم يشعرون أن ميدان الانتخابات والاستفتاءات ليس ميدانهم . وأذكر أن رئيس وزراء بريطانيا إجتمع مع بعض الشخصيات العامة من النخبة بعد ثورة 2011 أثناء زيارته لمصر وسألهم لماذا تريدون تأجيل الانتخابات البرلمانية فأجابه بعضهم : لاننا نريد أن نؤسس آحزاب قوية تستطيع الفوز فى تلك الانتخابات فأجابهم : فى بريطانيا لكى نؤسس حزباً يصنع شعبيته ويخوض الانتخابات نحتاج لأكثر من عشر سنوات فهل أنتم مستعدون لتأجيل الانتخابات فى مصر عشر سنوات ؟ ومن تلك النقطة أنطلق .. يجب أن نختار .. بين الديمقراطية ، وبين أى نظام آخر . لو إختارنا الديمقراطية .. فيجب علينا أن ننزل الى الشارع لا لنعترض على كل شيئ ولا لنحرق ونضرب ولكن ننزل الشارع لنتواصل مع الناس ونوصل اليهم أفكارنا ومبادءنا ، ولنعمل بينهم ومعهم عملاً حقيقياً لتنمية بلادنا من حقنا أن نعترض .. ونتظاهر .. ونعتصم .. ولكن بسلمية .. بأخلاق المصرى الشهم .. وأن نحترم مؤسساتنا .. ورئيسنا الذى إنتخباناه .. نحترم معارضينا .. نحترم الرأى الآخر مهما إختلفنا معه . لتكن آلياتنا فى التغيير والتقويم هى الحوار .. والضغط الشعبى النظيف .. النظيف لساناً ويداً . لتكن آلياتنا فى التغيير والاصلاح هى تقديم مقترحات بديلة عما نعترض عليه .. ومناقشتها مع الشعب فى الاعلام .. وإقناعهم بآرائنا وأفكارنا .. ولنكن على ثقة أن للحق قدرة سحرية يصل بها للقلوب والعقول . والطريق الثانى هو اللا ديمقراطية .. ووقتها من الافضل لنا أن نجلس سوياً ونختار مجموعة ممن نثق فيهم ليديروا البلاد ونوقف عمل مجلس الشعب والشورى ونلغى كل ما يتعلق بانتخابات أو استفتاءات ذلك اذا كنا حقاً نرى أننا غير مؤهلين للديمقراطية ولكن .. أن نزعم أننا نؤمن بالديمقراطية ثم ننقلب على نتائجها لانها جاءات بما لا نشتهى ! أو ننقلب على مؤسسات الدولة لاننا غير راضين عن قراراتهم ! أو نقف بجوار من يستخدمون العنف ثم لا نستطيع التنصل منهم ! فتلك هى الفوضى التى أتكلم عنها .. وفى النهاية أوجه رساله لكل طرف من طرفى النزاع الاولى .. للقائمين على أمر البلاد .. أقول لهم : نريد رؤية واضحة للخروج من أزماتنا ، رؤية مبنية على أسس علمية يقوم عليها متخصصون دون النظر الى هوياتهم وأيدلوجياتهم . نريد أسلوباً فى الادارة مختلفاً عن الاسلوب التقليدى القديم الذى تسبب فى تخلفنا عقوداً. نريد انفتاحاً على كل الاراء والافكار واحتواءً لكل التوجهات والفصائل بصرف النظر عن عددهم ونسبتهم فى المجتمع . نريد ممن يدير البلاد أن يكون له أسلوب آخر فى التعامل مع معارضيه غير المليونيات المضادة ، فالمليونيات هى وسيلة الشعب للاعتراض ، أما من هو فى السلطة فلديه وسائل وأساليب أخرى . نريد حلاً واضحاً سريعاً لحصار المحكمة الدستورية ، والانتاج الاعلامى وقصر الاتحادية ! ولمعارضى النظام .. أقول : نريد أن نتحلى بأخلاق 25 يناير ، نريد أن نعترض بسلمية ولا نسمح لمثيرى الشغب وأصحاب المصالح بالتغلغل بيننا ، فاللبن الحليب والماء الصافى تكفى لتعكيره نقطة واحدة ملوثة . نريد أن نقدم حلول ، ونجلس للحوار ، ونلتزم بحلاوة اللسان ، ولا ننقلب على الشرعية التى بذلنا الدماء الزكية لنحصل عليها . نريد أن نعمل على الأرض ونصل للناس بأفكارنا لا نزرع فى قلوبهم بغض فصيل أو جماعة ولكن لنغرس فى صدورهم المبادئ السامية ، ونغذى عقولهم بالأفكار الصحيحة والمنطق القويم . ولنتذكر أن كل هدف يحتاج الى وقت وجهد وعمل لتحقيقه فنعمل على خطين متوازيين .. المعارضة النزيهة الشريفة البناءة .. والوصول الى الشعب بالافكار الصحيحة المنطقية المتوازنة .