بقلم الاعلامي و الصحفي نادر حلاوه إذا قرأت يوماً ما في صفحة الحوادث عن عراك دام بين شابين تسببت فيه فتاة عمرها 130 عاماً فلا تندهش لأن هذا ما يبشر به العلماء في المستقبل فالعمل في المختبرات يسير قُدماً نحو اكتشاف إكسير الحياة الذي سيرفع عمر الإنسان إلى مئات السنين ففي جامعة ميلانو الإيطالية كشف العلماء عن مزيج من بعض الأحماض الأمينية تمكن من زيادة أعمار فئران التجارب بنسبة 12 % في حين اكتشف علماء نمساويون سبباً آخر لإطالة العمر وهو هرمون يُعرف اختصاراً ب «دى إتش إي إيه إس».. الأمر صار جدياً إذاً، وما كان ضرباً من الخيال في الماضي، أصبح اليوم قابلاً للتصور، غير أن جل ما يركز عليه العلماء الآن هو كيفية إطالة العمر مع التمتع بالصحة والشباب، وهو موضع أبحاث أخرى تسعى إلى وقف دوران عجلة الشيخوخة، ولو تحقق ما يطمح إليه الباحثون لصار العالم في ورطة كبيرة على عكس ما قد يتصوره البعض فمع ارتفاع معدلات الأعمار سوف يتضاعف عدد سكان الكرة الأرضية في سنوات قليلة وستعاني معظم الدول من مشاكل حياتية واجتماعية لا حصر لها ففي عالم يبلغ فيه سن التقاعد 350 عاماً أوأكثر لك أن تتخيل طوابير العاطلين وازدحام المقاهي وصالات «البلياردو» بالمتسكعين من المراهقين في سن الثمانين وما دونها بعد استحواذ المعمرين بخبراتهم الأطول على جميع الوظائف المتاحة ولا بد من أن الحكومات ستتدخل في مواجهة هذا الموقف لتغير كافة تشريعاتها وقوانينها ليعاد النظر في تحديد نهاية مرحلة الطفولة المتفق عليها لترتفع من 18 عاماً إلى 70 عاماً وبالتالي لن يُسمح للأطفال بالالتحاق بالروضة إلا بعد تجاوز الخمسين كما ستشهد قواعد وأعراف الزواج انقلاباً لا مثيل له لأن الشاب سيجد نفسه في منافسة غير متكافئة مع رجال ناضجين نجح الواحد منهم خلال مئتي عام من الكد والعمل في الحصول على المسكن المناسب والرصيد البنكي الآمن والسيارة الفاخرة، والأهم من كل هذا أن العريس في عمر المئتين أو أكثر سيتمكن من توفير «زهبة العروس» من دون اللجوء للاستدانة وبالتالي سيحسم المال قضية الزواج لمصلحة أصحاب الأعمار الأكبر بينما سيرتفع سن العنوسة إلى ما فوق 120 عاماً على أحسن تقدير . وبديهي أن ما يقوم به العلماء في مختبراتهم الآن - إن كتب له النجاح - سيصب في مصلحة كبار السن الذين سيفرضون أساليبهم وميولهم المزاجية على كل أفراد المجتمع ولذلك ستخف حدة صرعات الملابس الجديدة وطرق تصفيف الشعر التي يتبناها الشباب عادة وستنقرض أغاني «الفيديو كليب» وسيتعرض مطربوها ومطرباتها للملاحقات القانونية وهو الجانب الإيجابي الوحيد المنتظر من كل هذا .. لكن السؤال الذي يفرض نفسه هو لماذا يرغب البشر في إطالة أعمارهم؟ رغم أن الكثيرين يجيئون إلى دنيانا ويذهبون كما جاؤوا من دون أن يضيفوا شيئاً أو يتركوا بصمة في مجتمعاتهم ومن دون أن يكون لحياتهم غاية حقيقية أو هدف يعيشون من أجله فهل يمكن للمختبرات العلمية أن تحل تلك المعضلة ؟ أشك .. فمن المؤكد أن إجابة مثل هذا السؤال لا تشغل بال العلماء فضلاً عن فئران تجاربهم.