بقلم مصطفى الغزاوي نشرت جريدة "جيروزاليم بوست" الإسرائيلية تقريرا حول المعارك العشر التي ستحدد مصير مصر في المستقبل، واستدعى هذا التقرير وقائع حرب أكتوبر 1973، وعدت إلى كتابات الأستاذ محمد حسنين هيكل "الجورنالجي المنحاز إلى وطن وقومية ورؤية اجتماعية"، والذي يكتفي بأن يقول كلمته ويمضي، ينتظرها منه العالم، وتتجاهلها منه أمته عدت إلى العديد مما كتب، ووجدت كل الملابسات والظروف تتوالى أمامي كانت هناك معركة خاضها هذا الرجل لمحاولة وقف تفريط "السياسة"، فيما حققه "السلاح"، خاضها بالقلم، ولم يمنع ذلك أن تظهر "الأقزام" بالسهام المسمومة، لتغتال الرأي، دون أن تطرح البديل لم تكن العودة للوراء أربعين عاما هروبا مما نحن فيه، ونواجهه، ولكن بلا تاريخ، فلا هوية، ولا تعلم، بل يختلط الدعّي بالمقاتل، وتبدأ أبواق الخصومات تعزف لحنا جنائزيا يولد على أنغامه مستقبل لم تنشده الثورة، ولا ذلك الربيع العربي وعازفو الألحان الجنائزية ليسوا هم البناءون بل التاريخ لا يجد لهم دورا فيما ألم بالوطن. لم يحملوا السلاح يوما ضد عدو خارجي دفاعا عن الأرض، ولكنهم كانوا هناك يجمعون المال باسم الاضطهاد، لم يقاتلوا عام 1973 لتحرير الأرض وبيوتهم تشرب وتأكل بقدر محسوب، لم يعانوا من الحصار الاقتصادي، لم يضعوا لبنة في مصنع أو حجرا في السد العالي، ولم يتحملوا تبعات تأميم قناة السويس، ولكن طنينهم الدائم أنهم كانوا في المعتقلات، وليت أحدا ممن يدققون في أمر الثروات يجيب الشعب المصري، من أين لهم كل هذا؟ قرأت في صفحات ثلاثة كتب "عند مفترق الطرق" و"سنوات الغليان" و"الانفجار"، تبدأ من لحظة التمصير في الخمسينيات، وتقارير السفارة البريطانية تكشف أن المصريين الذي يدخلون عليهم شركاتهم يملكون معلومات تفصيلية عن كل شيء، ويسيطرون، هي ذاتها خطة الاستيلاء على إدارة قناة السويس لحظة إعلان التأميم، معارك يجب أن تتوفر لها الإرادة والرجال والمعلومات، عندها يمكن تحقيق نتائجها ولا تنتهي مسيرة الحصار الاقتصادي والسياسي لمصر التي تقبض على استقلالها ودورها في أمتها، ففي عام 1966 يحدث لقاء بين جمال عبدالناصر وذو الفقار علي بوتو بناء على طلب بوتو والذي كان يومها وزير خارجية باكستان المستقيل، ليقول بوتو لعبد الناصر: "أرجوك أن تعرف أنهم خارجون لاصطيادك يا سيدي ويشرح كيف أن منظمة المؤتمر الإسلامي صناعة أمريكية سعودية تركية إيرانية استدعت إليها باكستان، لمواجهة المد القومي العربي، وقد وصفه دين راسك وزير الخارجية الأمريكية بأن هذا العمل هو الشيء الوحيد الذي يمكن أن ينجح في محاصرة نفوذ الجمهورية العربية المتحدة"، ويواجهه بوتو معترضا علي استخدام الدين لتجمع سياسي، "أنكم تعودون لتقسيم العالم علي أساس ديني. ويعرض بوتو لوجهة نظر مخالفة لشاه إيران، "أنه إذا كانوا يقيمون هذا الحلف لمواجهة ناصر وحصر نفوذه فإنهم لن ينجحوا"، ويكمل: "وإذا كان ضروريا تحقيق الهدف الذي يتحدثون عنه فلابد من وسائل أخرى لتنفيذه، وليس ضروريا أن تكون هذه الوسائل عربية، بل من الضروري لنجاحها ألا تكون عربية ويصل المرجل إلى نقطة الانفجار في حرب يونيو 1967، ولكن إسرائيل التي أخذ بعقلها الوهم، كانت تنتظر الاستسلام، إلى أن تحققت حرب 1973 ويشير تحليل لهيكل إلى أن إسرائيل كانت تريد حرب 1973 ألا تتعدى كونها حادثا عارضا، أكثر منها حدث ويشير إلى أستاذ عربي في أميركا انتابه شعور انتظار الهزيمة عندما بدأت وقائع حرب 1973، وبعد أيام عندما تأكد أن الأمر مختلف، خرج ليقول: لقد استأنفنا التاريخ ويكتب هيكل ردا على رسالة بالتحية عما يكتبه، ليقول "تاريخنا القديم منقوش على الأحجار تشهد به الآثار، ومواريثه الثقافية والحضارية سارية في أعماقنا وهذه حالة طبيعية أما تاريخنا الحديث فهو صراع ضد قوى السيطرة والتخلف، مازال محتدماً إن دورنا في تقرير مصيرنا بالكاد بدأ. وخطواتنا فيه قرب المداخل. وحوافظ التاريخ لم تقم بعد بضم واحتضان وقائعه ووثائقه لكي تؤمنه وتصونه. ومعنى ذلك أن ضميرنا الوطني والقومي مكشوف لأن تاريخ أي شعب أو أمة هو المؤثر الأكبر على ضميره أو ضميرها. وعندما يصبح الضمير عاريا فالأعصاب كلها عارية. والأعصاب مكمن الإرادات ولأن الصراع على الشرق الأوسط وفيه مازال مستمرا، فإن قصته مازالت مفتوحة. هي بعد نوع من التاريخ السائل لم يتماسك، وبالتالي يمكن التعرض له بتحويل أو تعطيل مجراه، أو تغيير مادته وشكله ولونه وهنا تدور معركة الضمائر. معركة الأعصاب، معركة الإرادات ولا أبالغ إذا قلت لك إن قوى السيطرة والتخلف تتمنى طردنا من الزمن، ولو استطاعت لفعلت. ولأن ذلك مستحيل في هذا العصر الذي أصبحت فيه الدنيا قرية عالمية واحدة (كما يقولون)، فإن بديل الطرد من الزمن هو التلاعب بهذا الزمن ومسخه إلى فراغ... إلى ضياع وهنا تشتد الحاجة إلى محاولة قراءة التاريخ، أكثر من الحاجة إلى كتابته حقائق تكاد تفرض بمراجعة أربعين عاما مضت إدراك أن قراءة التاريخ ضرورة، لامتلاك الإرادة، ووضوحها دور في تقرير المصير بالكاد قد بدأ، والضمير مكشوف، والتاريخ هو المؤثر الأكبر على الضمير، وعندما يصبح الضمير عاريا فالأعصاب كلها عارية. والأعصاب مكمن الإرادات لم يخرجوا لاصطياد عبدالناصر الشخص، ولكنه اصطياد مصر الدور والإمكانات والمستقبل لا يختلف اليوم عن الأمس، بل إن حالة السيولة انتقلت من التاريخ الذي تجرى صياغته إلى الواقع المعاش يوميا وفيما أطلق عليه الربيع العربي كل هذا استدعته قراءة جيروزاليم بوست للمعارك العشر التي ستحدد مستقبل مصر، والتي حددتها فيما يلي المعركة الأولى حول تطبيق الشريعة الإسلامية، والتي تتعلق بالبند الثاني من الدستور المصري المعركة الثانية هي الحق في الطعن على نتائج الانتخابات الرئاسية، أو المادة رقم 28 من الإعلان الدستوري الحالي المعركة الثالثة حول اختيار 100 شخص لصياغة الدستور المصري الجديد، ويتم هذا وفقاً للاستفتاء الذي أجري في مارس بعد قيام ثورة 25 يناير المعركة الرابعة وتدور حول منح امتيازات خاصة للجيش، والتي يسعى المجلس العسكري للحصول عليها في الدستور الجديد المعركة الخامسة حول السيطرة على الأزهر أما المعركة السادسة فتدور حول منع الارتفاع الحاد في معدلات البطالة بعد مارس المعركة السابعة وتدور حول دستورية البرلمان الذي انتخب مؤخراً المعركة الثامنة حول تغيير الحكومة الحالية أما المعركة التاسعة فهي الحكم على مبارك وأخيراً المعركة العاشرة والتي تدور حول منع مزيد من الانخفاض في الاحتياطيات الأجنبية، وهي معركة اقتصادية تدور حول الاحتياطيات الأجنبية للبلاد هذه المعارك العشر التي ترصدها جيروزاليم بوست وبالتالي مراكز البحث الخارجية وأجهزة الاستخبارات، أسقطت من اعتبارها معارك الأمن الداخلي وكرة القدم والمذابح المسكوت عنها والأموال المهربة للخارج وعناصر نظام مبارك الهاربة في الخارج، والحصار الاقتصادي للشعب والذي تتولاه الحكومات العاجزة، والحرب النفسية ضد الثورة عبر إعلام يقبض من ضرائب الشعب ومسلط عليه بحرب الإحباط النفسي، لأنها أدواتها في حصار الثورة قراءة مباشرة تقول إن المعارك تلك جميعها، ليست معارك الثورة بأي حال من الأحوال هم بالفعل خرجوا لاصطياد "الربيع" العربي، وثورات الشعوب، حتى أنهم مدوا الخطوط على استقامتها لتحطيم ما تبقى من النظم العربية في سوريا، والتي تقع صريعة بين شقي رحى نظام مستبد، وضرورات البقاء في معسكر معاد للهيمنة الأمريكية والصهيونية لم يعد أمامنا إلا الحديث المباشر والصريح التاريخ تصنعه الأحذية الثقيلة، ولا تصنعه كاميرات المصورين وعدسات التليفزيون التاريخ يكتب بدماء الشعوب، وإرادتها، فليس من الجائز أن تتعبد الشعوب في محراب حزب سقط أو جماعة انتهازية بالإسلام حطم العرب الأصنام، وعبدوا الله الواحد، منذ أربعة عشر قرنا من الزمن، فليس من الجائز الآن أن يعبدوا صندوقا صنعه السامري بلجنة التعديلات الدستورية التي ترأسها، وجعل للصندوق خوار بقبضة من دم الشهداء وأعين المصابين، وعباءة دين، فصار العوام يعبدون الصندوق، والدين براء من عباءاتهم وصناديقهم الحديث المباشر والصريح يشير باصبع الاتهام إلى المجلس الأعلى للقوات المسلحة، الذي عجز عن إدارة الفترة الانتقالية، وقتل عناصر الثورة، وسلم البلاد لتنظيمات لا تحمل رؤية، ولا تنتمي إلى معانات الشعب، بل تستخدمها، وتنفق عليها ببذخ من أموال البترودولار وأموال أجهزة تريد صناعة مجتمع "مدجن" يحمي مصالحهم، ويعود بالشعب إلى محبسه كل ما واجهته مصر الثورة طوال ستين عاما مضت، كانوا بعيدا عنه باحثين عن السلطة لا يملكون رؤية وطنية، بل يسعون إلى السلطة لبناء أممية خاوية من البعد الاجتماعي، ولا يملكون إلا "الإحسان"، ولا يبقى على ألسنتهم إلا أن يقولوا لو شاء الله لرزقهم وسقطوا في اختبارات الأمانة، سقطت لجنة البشري، وسقطوا في الاستفتاء منذ عام وأطلقوا عليه غزوة الصناديق، وسقطوا في قانون الانتخابات وأبوا إلا أن يسيطروا على المقاعد الفردية ولم يكتفوا بالقوائم الحزبية، وسقطوا في استمرار وجودهم كجماعة لا مسوغ قانونيا لها، وغضت الحكومات الطرف عن هذا، وكأن المجلس العسكري يستخدمهم فزاعة في مواجهة الثورة، وسقطوا في اختبار لجنة الدستور، وبدلا من تطبيق نص الإعلان الدستوري المشوه، استمرأوا الإقصاء والاستحواذ، وسقطوا فيما يطرحون من قوانين تؤدي إلى دكتاتورية جديدة، حتى أن أحدهم يطالب بتجريم المظاهرات التي جاءت بهم الشعب في مصر يواجه حلفا مستمرا مناورا مكوناته، المجلس الأعلى للقوات المسلحة وحكومته ومجلسه الاستشاري، والإخوان وحزبهم، والسلفيون وأحزابهم، والداخلية وتهاونها وحماية المجلس النيابي لها، ومجالس نيابية صيغت بعد إجهاض الثورة، ورأسماليون جدد من نظام مبارك وآخرون أكثر حداثة من الإخوان، وإعلام يمارس الحرب النفسية، وكذب وتضليل وقتل، كل هذا يؤكد أن حصار الستينيات الذي سبق انفجار 1967 يتكرر، ولكنه هذه المرة يواجه الثورة ومحاولات التغيير، فهي الخطر الحقيقي على الكيان الصهيوني والمصالح الأميركية في أعقاب 1967 أطلقت مصر مقولة "لم يعد أمامنا سوى أن نشق طريقنا عنوة فوق بحر من الدم وتحت أفق مشتعل بالنار"، فما الذي تقوله مصر اليوم، والكذب غلاله فوق سمائها بعد أن كانت أرواح الشهداء تعطر الجو ويتنفس المصريون الحرية كما لم يحدث من قبل في أعقاب يونيو 1967 جرت مراجعة لكل شيء وبلا استثناء، وصارت مصر كلها شعبا وجيشا تحت السلاح لأنها قررت أن تحرر أرضها واليوم نحن أحوج ما نكون لمراجعة كل شيء وبلا استثناء، وأن نكون على أهبة الاستعداد، لأن قدرنا دائما في مواجهة التحالف الداخلي المعادي للشعب، ألا نصل إلى غاياتنا في الحرية والعدالة الاجتماعية دون أن نشق الطريق ومن جديد عنوة، فوق بحر من الدم إن لزم الأمر، وتحت أفق مشتعل بالنار إن فرضت الضرورة ذلك كان مطلب الخالق عز وجل "أعدوا لهم ما استطعتم"، أي لا ترهبكم كثرتهم فهم كغثاء السيل، هم أوهن من بيت العنكبوت، فمن يكذب على الشعب ليس له غير حديث الأحذيه الثورة ليست كما تحاولون بالمنهج الإسرائيلي تصويرها على أنها حادث عارض، بالثورة استرد الشعب إرادته، وفي القريب جدا سينظم صفوفه وبالأحذية الثقيلة سيستأنف التاريخ