بقلم د. مازن صافي ثورة التكنولوجيا والصحافة الالكترونية والمواقع المشهورة والمنتشرة كلها تشكل وسيلة فعالة ومتاحة لنشر كل ما تريد أن تسجله ويقرؤه القراء والأصدقاء وأصحاب الرأي .. لا يهم أن تكون خريج كلية إعلام أو صحافة او أنك خضت دورات متقدمة في الكتابة الصحفية أو فن المقال والكتابة والتعبير لكي تعمد إلى نشر أفكارك .. الفكرة أم من الترتيب وقوة المفردات .. والفكرة هي سر المقال الجيد من المقال الإنشائي الذي لا يحمل سوى مضمون مفردات منمقة وعالية المستوى دون أن يقدم جديد للقارئ الذي يبحث عن التحليل المنطقي للحدث وما يجري حوله .. إذن هي الأفكار التي تصنع النجاح .. ربما هناك من يصرخون " ما هذا الذي يكتب ..؟! " .. السؤال الأهم هو لماذا حتى المقال الذي يحمل الأفكار الجدية والنافعة يتم القذف فيه في اللحظة الأولى لالتهام مقال جديد .. وكأن شيئا لم يكن .. أو بسؤال أدق : لماذا يتم قراءة المقال بسرعة البرق ، أيبحث عن القارئ عن شيئا ما .. لماذا لا يحاول الاستفادة من الفكرة الجديدة أو الأسلوب التفكيري المقدم خلاصته في سطور المقال .. والسؤال الأهم : لِمَن نكتب ولماذا نكتب وهل حقا نحن نعمل على نشر الفكرة والمعلومة والتحليل لبناء ثقافة سليمة أم الأمر لا يتعدى مجرد " عادة في الكتابة " أو الاستمتاع بقراءة أسماؤنا تحت عنوان المقال أو قياس مدى اهتمام القارئ بنا من خلال عداد القراءة او التعليقات .. هل نبحث بالفعل عن أعماقنا نحن ونفكر بصوت مسموع وكلام مقروء .. ربما هناك إجابات كثيرة ، الأهم ان نبدأ في ترتيب إجاباتنا كمقدمة لترتيب أفكارنا وزراعتها بصورة مؤثرة وديناميكية تعطي ردود فعل هادفة ومطلوبة أي تشكيل الوعي الثقافي وتطوير عقلية القارئ وأخذه إلى مواقع التأثير التي يجب أن يشاركنا فيها لنصبح جميعا " شركاء في الفكرة والتطبيق والتخطيط المستقبلي " .. إذن هذه أمانة أكثر من أنها ترفيه أو ترف أو استنزاف للوقت .. كاتب المقال أحيانا يتأثر بخير ما لم يتوقعه ، فتراه وفي سرعة البرق قد سجل انطباعاته ورؤيته الخاصة وبدأ يفرضها " ارتجالا " على مجموع القراء .. وبعد فترة يجد نفسه في مأزق .. فما كتبته يتنافى مع واقع ما بعد الحدث وربما يفهم بطريقة مختلفة ومغايرة وهذا قد يفضي إلى نزوح القراء عن ما يكتب ولا يهتموا مستقبلا لما يكتب أو يصنفونه ضمن تصنيفات خاصة بالقراء ... هنا يصبح الكاتب في تراجع من حيث " إثبات الذات " ... وبالتالي تحدث الانتكاسة والإحباط .. والأسوأ حين تصبح مقالات الكاتب موجهة بصورة سلبية وإحباطية للجو العام ..؟! .. أنا شخصيا أؤمن دائما بأن المقال الصحفي هو تشخيص واقعي للحياة التي نعيشها وقراءة مستقبلية ورؤية عامة والهام يصاحبه زخم مطلوب لصناعة القناعات وزراعة الأفكار وما الى ذلك .. من أصعب المقالات هي تلك التي تزرع فيها الفكرة التي تبحث فيها وتعمل من خلالها على تشخيص الأخطاء والأحداث والأمور الخارجة عن المنطق أو الجو العام .. أو تلك السطور التي تُعري كذب من ينشرون أفكار العدالة والمساواة والديمقراطية وحقوق الإنسان وأباطيل مزخرفة بمعسول الكلام أم بتهديدات مبطنة .. أضعف الإيمان أن نكتب .. والكتابة نوع من مقاومة الوقوف عاجزين مشلولين فاقدي الإرادة والهوية ، تابعين " بصيمة " .. في النهاية يبقى المقال هو اللغة التي تؤسس لثقافة الإعلام .. وهي اللغة الناطقة بأحوال الناس وهمومهم ورغباتهم وأرائهم وميولهم وصرخاتهم وحزنهم ومرضهم وتعاستهم وسعادتهم وانفراج أحوالهم .. حين تجد نفسك غير قادر على القراءة .. اقرأ فقط ما يهمك تحديدا .. وحين لا تجد في نفسك المقدرة على الكتابة .. لا تسقط هذا الإحباط على كلمات تكتبها " تنفيسية " .. هناك من يقرأ ويتابع ويحلل ويدرس شخصيتك من كل حرف وفاصلة ووقفة وتنهيدة ورأي ... يبقى السؤال : لماذا ولَِمَن نكتب ونقرأ ..؟؟!!