بقلم د. عادل عامر في أعقاب قيام ثورة 25 يناير المفاجئة فيحجمها ونتائجها وانهيار الأمن وغياب المؤسسات قفز الإعلام إلي السلطة الأوليوبخاصة بعد أن كانت إحدى أدواته من أهم وسائل الثوار، فاتخذ الجميع من الإعلاموسيلة للتعبير عن دوره ورأيه، وتزاحم الكل عليه أملا في المشاركة في تقسيم الكعكةالثورية، واحتكر وحده صناعة الأبطال من خلال إضفاء الشرعية علي زوار التحرير حتىولو كان عبر صور موبايل أو فيديوهات مفبركة تساعد علي الحصول علي صك الثورية أوالرجعية. وأمام ذلك أصبح من غير المقبول أو الممكن أو ربما المستحيل التصدي لأيدور لأهل الإعلام مهما كان توجههم، وأصبح الاقتراب من تقييم دور أي من كوادرهكالوقوع في عش الدبابير الذي لا يرحم وبخاصة في ظل تمتعهم بالحصانة من أي محاكمةأو محاسبة من قبل أي حاكم مهما كان فذلك كفيل باتهامه بالتخلف والرجعية وحجبالحرية ومثير الثورة المضادة ومن فلول الفساد البائد وغير ذلك من مفردات الساحةالسياسية والثقافية الحالية . موجات هائلة ومتتالية من علامات الاستفهام تُثار في أذهاننا جميعًا فور إمساكنابجهازالتحكم (الريموت كنترول) والبدء في الاختيار بين مئاتالقنوات الفضائية، وخاصة الفضائيات حديثة العهد منها، فبعدثورة 25 يناير وخلال الشهور القليلة الماضية امتلأالفضاء بعشرات القنوات الفضائية المصرية، لا نعلم عن تأسيسهاومؤسسيها ومصادر تمويلها أو أهدافها شيئًا. وتزامن خروج تلك القنوات إلى النور وتلك التساؤلات وعلامات الاستفهام، مع التصريحات التي أثارت الدهشة للسفيرة الأمريكية في مصر(آنباترسون)، قائلةً أمام الكونجرس: إن بلادها ضخت 40 مليوندولار دعمًا لمنظمات المجتمع المدني ووسائل الإعلامفي مصر منذ ثورة يناير.من أكثر الفضائيات الحديثة شهرة وغموضًا في مصادر تمويلها قناة "التحرير"، وأبرز مقدميها إبراهيم عيسى، ومحمود سعد،وبلال فضل، وعمرو الليثي، وبعض الأخبار الغيرمؤكدة بالطبع بسبب حالة الغموض المحيطة بها تردد وصول أجور هؤلاء إلى ملايين الجنيهات، أما القناة صاحبة الحجم الضخم من الإعلانات التي ملأت الشوارع لفترات طويلة "النهار" تقول بعض التقديرات إن حملة الدعاية التي سبقتبث القناة تجاوزت 40 مليون جنيه؛ ما يشير إلىأضعاف ذلك المبلغ لتشغيل القناة، ويرأس مجلس إدارتها وليد مصطفى، ويديرها ويشارك فيها سمير يوسف- زوج مقدمة برنامج التوك شوالشهيرة منى الشاذلي- وكان يعمل منتجًا فنيًالقناة"نايل سبورت" الذي أشار عدد منالأقلام إلى وجود صلة قرابة بينه وبين المجرم الهارب ممدوح إسماعيلصاحب العبارة "السلام 98"، ويقول هؤلاء إنه ابن شقيقة ممدوح إسماعيل.محمد أمين رجب المشار إليه بمالك قناة "cbc" لا يعرفعنه سوى أنه مهندس إنشاءات، عمل طوال عمره خارجالبلد والآن عاد إلى مصر، وأكد أنه الممول الوحيدللقناة بمشاركة أحد أقاربه، نافيًا أي علاقة لمنصور عامر رجل الأعمال الشهير وأحد أبرز ممولي الحزب الوطني المنحل وصديق حميم لأحمدعزوأحمد فتحي سرور، موضحًا أنه شريك له في العديد منالمشروعات الأخرى لكنه بعيد عن هذه القناة. قنوات أخرى كقناة "25 يناير" التي تعدأول قناة فضائية تنطلق بعد الثورة، ويملكهاالإعلامي محمد جوهر الذي ارتبط اسمه دائمًا بالرؤساء في مصر نظرًالتسجيله لقاءاتهم وخطاباتهم من خلال الشركة التي يمتلكها، إلى جانب قناة ("مودرن حرية"، و"روتانا مصرية"،و"المصراوية"، و"مصر الحرة"، و"المصري"،و"الصعيدي")، والعشرات من قنوات المنوعات، مثل قناة "رمضان" التي يطلقها رجل الأعمال نجيب ساويرس خلال شهر رمضان المقبل. المعروف للجميع أن القنوات الفضائية تحتاج مبالغطائلةوميزانيات ضخمة لما تتطلبه من تقنيات عالية، وإنتاج برامجلتعينها على الانطلاق والاستمرار، كما يؤكد الخبراءأن كل القنوات الفضائية المصرية تخسر باستمرارولا تحقق أي أرباح تؤهلها لتكون مشاريع اقتصادية ناجحة. بدايةً.. إن مصادر تمويل القنوت الفضائية التيخرجتمؤخرًا في مصر غير معروفة وغير مفهومة مطلقًا، فمعظمها لايمتلك حصص إعلانية مسبقة مثلاً لتكون أحد مصادرتمويله، كما أنه من المستبعد أن يكون من أهدافهاأهدافًا خيرية لمصلحة الوطن، أن القنوات الفضائية تحتاج إلى تمويل ضخم،وجميعها خرجت مؤخرًا في شكل غامض انعدمت فيه الشفافية القنوات الخاصة في مصر ليسمعروفًا مَن يقف خلفها، وتجدد السؤال معالفضائيات التي ظهرت بعد الثورة، حول من يدعم استمرار تلك القنوات، ومع أننا نعلم ما يوفره رجال الأعمال كافةً من ميزانياتللجوانب الإعلامية إلا أن إطلاق قناة خاصة يحتاجإلى ميزانيات ضخمة، ولن يتم استخدمها بدون الرغبة فيالوصول إلى أهداف قوية وهامة. ونطالب بإنشاء جهاز لمعرفة مصادر التمويل بكلِّ وضوح، بجانب إصدار تشريعات تحمي المشاهد، بفصل الملكية المادية عن السياسةالتحريرية لوسائل الإعلام، لكي لا يتحكم المالكبالمضمون كما يشاء، من خلال نقابات مهنية قويةللتحكم في مثل تلك المشكلات.أنه من الطبيعي حدوث هذه الفورة بظهور كم هائل منالقنوات الفضائية المصرية والصحف، بعد ثورة 25 يناير التي جاءت لتنادي بالحرية، والحرية الإعلامية، وتحطيم القيود المتعسفة التي كانتتوضعأمام وسائل الإعلام أن القارئ سيصبح الحكم في المرحلة المقبلة، على مستوى الخدمة المقدمة له، وبالتالي لن تستمر كل الوسائل الإعلامية التي تظهر في هذه المرحلة. أن ما هو غير طبيعي في هذه الفورة الإعلامية رأس المال الأجنبي الذي تمَّ ضخه لوسائل الإعلام في مصر، لأسباب سياسية فقط وليست اقتصادية أو غيرها، أن رأس المال السياسي يستهدف في هذه الفترة التداخل مع جدول أولويات البلد في المرحلة الانتقالية كالتي نمر بها. وحول أهداف التمويل الأجنبي لوسائل الإعلامالمصري: انتهجت قوى دولية وإقليمية هذا النهج كمحاولةلوضع سقف للدور المصري إقليميًّا خلال الفترةالمقبلة، خاصةً فيما يتعلق بموقف مصر من عدد من القضايا كالاحتلالالأمريكي، والتطبيع مع الصهاينة، ومحاولة المشاركة في رسم الخرائط الجديدة للمنطقة العربية. أن الجميع الآن مع حرية الإعلام ومع تشجيعها، لكنليس على حساب المواطن المصري وحقوقه، لا بد من وضع قواعد لاستخدامالمال السياسي، وخاصةً مع تأكدنا من ضخ أموال ضخمة من الولاياتالمتحدة والاتحاد الأوروبي، وكذلك من بعض القوى الخليجية، على أن تكون القواعد هي الشفافية لكي تعبر المنابر الإعلامية عن الواقع المصري فعلاً، محققًا للثورة المصرية ضد الفساد والاستبداد. إن التعددية في وسائل الإعلام؛ لأنها تعتبرركنًاأساسيًّا من أركان الحرية الإعلامية؛ حيث يفتح التنوعمجالاً واسعًا أمام المناقشات الحرة لكلِّ القضايا المجتمعية. ويشترط إعلان كل وسيلة إعلامية عن مصادر تمويلهابوضوح كامل، وإذا ثبت تلقيها أموالاً من جهات أجنبيةخاصة الولاياتالمتحدة أو الكيان الصهيونييُحاسَب المسئولون عنها، أنه لا يوجد سبيل بعد التأكد من مصادر التمويلالأجنبية سوى إغلاق تلك الوسيلة بشكلٍ نهائي؛ لأننا لا نحتاج إلى وسائل إعلام أجنبية تتحدث بالعربية لا تهدف سوى لإثارة الفتن،وإعاقة الوصول إلى الحكم الديمقراطي في مصر. أن هذا النوع من الوسائل ظهر فعلاً على الساحة الإعلامية في مصر مؤخرًا، فالتدخل الأمريكي وضح من خلال مضامين الأخبار التي بثتها بعض القنوات لزعزعة الأمن المصري، وإثارة الفرقة والمصادماتبينالاتجاهات والقوى السياسية المختلفة، كما تشيع الفتن بينالمسلمين والمسيحيين، وفي النهاية يتضح أنها لاترقى إلى مستوى الأخبار بل مجرد شائعات لا صحةَلها. كما تتميز تلك القنواتالإعلامية بالتحيز دائمًا ضد التيار الإسلامي ومشاركتهفي الحياة السياسية، فأمريكا تدير معركتها الإعلامية ضد الإسلاميين من خلال دعم الفضائيات.أن ضبط ومنع التمويل الأجنبي من التدخل في الإعلام المصري يحتاج إلى عدد من الخطوات، منها: الاتفاق على ميثاق أخلاقي بينالقائمين على تلك الوسائل بإعلان مصادر تمويلها؛لأن مصر تحتاج إلى آلاف القنوات الفضائيةالوطنية، كما يتطلب من إدارة "النايل سات" عدم التصريح ببث أي قناة قبل التأكد من خلو مصدر تمويلها من أي شبهات خارجية وأجنبية. التمويل لا بد أن ينبع من ضمير المساهمين في المؤسسة الإعلامية، وإيمانهم برسالة تحقق مصلحة عامة للشعب المصري، وإعلاء المصالح العليا للوطن".أن سياسات القناة لا بد لها وأنتبتعد عن التوجيه المباشر لمواقف بعينها، بشرط ألايكون الابتعاد عن التوجيه مرادفًا للاستخفاف بالعقول فيمحاولة للتضليل باستخدام وسائل سطحية وغير موضوعية في برامج القنوات، ظنًا أنها ستحقق نسبًا أعلى في المشاهدة من المضامين الجادة. بوضع سياسات حاكمة من قبل الحكومة المصرية تمكنالجميع من الاطمئنان على سلامة تمويل المنابرالإعلامية باعتبارها أحد أهم ما يتعرض له الرأيالعام في أي دولة؛ حتى نستطيع أن نتجنب الأموال المشبوهة، التي تمثل أجندات خارجية لتحطيم الرؤية المصرية، والعودة بها إلىالوراء في عصر التبعية السياسية. الدكتور عادل عامر كاتب المقال خبير في القانون العام ورئيس مركز المصريين للدراسات السياسية والقانونية ورئيس تحرير جريدة صوت المصريين الالكترونية وعضو الاتحاد العربي للصحافة الالكترونية محمول 0124121902