لم تعد صافره القطار تهم احد غيري.كان عبد السماك الذي ياكل الذباب نصف سمكه يوميا ويلقي الباقي في النهر مره اخري وهو يضحك بمهانه انت راجع..راجع..........لم يقرا روايه الناس والسراطين رائعه جوزيه دي كاسترو ولكنه كان يعرف ان السمك سيعود مره اخري عندما يتعفن ويتغذي عليه سمك النهر.كان يجلس واضعا خده علي يده ويمسك بمذبه في يده الغير مشغوله ويذب بها الذباب الذي لايهتم لامره ويبدو انه يستمتع باكل السمك وسما ع اغنيه ام كلثوم انت فين والحب فين.عبد السماك او عبد الزفر اسم علي مسمي هو زفر زي سمكه ولسانه ازفر منه كنت اتمتع حقا عندما اقترب منه وهو شبه نائم امام سمكه العفن. اصحي ياراجل المباحث جايه. كان يقف مرتعدا ثم ينظر يمينا ويسارا وهو يضع يده علي ميزانه وسمكه كان هناك من سياخذه منه وان كان من الافضل ان ياتي احد ويخلصه منه بدلا من ان يحمله ويعبر الشارع ويرميه في النهر كما يفعل كل يوم وعندما لايجد احد ويجدني واقفا اضحك من امره يلعن الفلاحين وسنينهم وهي البلد خربت الا من يوم ماقسمتونا في رزقنا ويعاود النوم.......لم تعد صافره القطار تزعجه وكان يقلدها بشفتيه وهو يخرج صوت صغير دليل علي ان صافره القطار اصبحت تعاني كسمكه الذي لايتناوله احد عبد السماك لاينام انه ليس نوم انه ينتظر موته وميعاده قرب.يفزع......يغني بحزن....ظلمه ليه دايما معاك.......اعتز به رغم طول لسانه.ثم يستقتل في النوم مركونا علي يده ويسيل لعابه ويدعي انها دديدان وانه لازم يفضي يوم ويروح يحلل .......مشغول قوي عبد لاانتمي الي عالم المدينه ولم استطع ان انتمي له........انتمي الي هناك حيث الخضره والفراغات الامتناهيه كانت جنازه عم عبده اول جنازه ادخل واتوضيء جيدا واقيم الصلاه في خشوع وكنت اول من رفعت نعشه علي كتفي واستغرقت في البكاء وحاول الناس منعي بعد استغراقي في البكاء من حمله ولكنني تشبثت وواصلت حمله كنت في الخلف....كان سوق السمك الكبير يقف عن بكره ابيه يشهد ان لاالله الا الله وانا سيدنا محمد رسول الله ويقرا الفاتحه. عبد السماك.........تاريخ دمياط.........كان في عنفوانه عندما كانت دمياط في عنفوانها كنت اتمني ان يكون عمي عبده واعيا الان ويدرك ماحدث وكأن القطار خرج عن مساره وعبر كوبري القنطره واقتحم سوق السمك واطلق صفارته التي زلزلت دمياط وكأنه يعلن وفاته او يصرخ صرخه الموت لاصرخه الميلاده.........تقطعت صافره القطار صفرات صغيره متتاليه كما كان يقلدها عمي عبده بشفتيه اشبه بالركلات في مؤخراتنا ونحن نقل الرجل الي مثواه الاخير كانت اشبه بالنهنه........... ربما اسأت لعمي عبده عندما وصفته بالزفر او ابو لسان زفر لم يكن كذلك.كان ملك سوق السمك....شارع فكري زاهر وقف منتصبا اليوم.......المقاهي المحلات..سوق الحسبه.توقف مرور السيارات بين النقراشي والشهابيه وانتحبت انا الاخر كانت كل العيون دامعه وتشهد ان لا الله الا الله وان محمد رسول الله.....اغلقت المحلات ابوابها وتبادلت الناس فيما بينهاشرف حمله........قدمت الجموع من الشهابيه ومن مؤخره شارع التجاري وفكري زاهر عندما وصل النعش الي ميدان سوق الحسبه كانت الشوارع المتقابله تعج بالبشر وكأنها كانت مظاهره للمطالبه بالتحرير ومكان التجمع سوق الحسبه. لم اكن اتصور ان موته ستهتز له دمياط كما كان يهتز لصافره القطار كانها طلقه هاون في الايام الخوالي........لم يكن الامر يهم الدمايطه فقط.جاء صبيان المطاعم وصبيان وورش النجاره وعمال مصانع الحلويات المقاهي والصعايده الذين يجلسون علي قهوه خنشع والفلاحين وحتي العمال الذين كانوا يجلسون في ميدان سوق الحسبه لالتقاط عيشهم وقفوا بفؤوسهم ووضعوها فوق اكتافهم ودمعت اعينهم وكل من لايعرف عمي عبد وسأل مين اللي مات ويري الجموع فتجده قد انضم للجنازه.......مين اللي مات .عمي عبده الله يرحمه .كان رجل طيب لايوجد من في كل هذه الجموع احد لم تمتد له يد عمي عبده.......اما سمكه حلوه فوق الميزان اوكيلو سمك بدون مقابل او الوقوف في طارئه حتي يخيل اليك ان كلهذه الجموع جاءت لتسسد ماعليها له من د يون لم يكن محسوبا ان نبلغ سوق السمك الكبير.كان المفروض ان نخترق الشهابيه ونبلغ المقابر في ابو المعاطي ولكن سماكين سوق القنطره اصروا ان نذهب عن طريق سوق السمك الكبير الرجال ينتظرون هناك لم نكن نبلغ سوق السمك الكبير حتي كانت كل الرجال بنسائهم واقفين وقد اتشحت النساء بالسواد واطلقوا الصرخات ولطموا الوجوه وشقوا ملابسهم وعندما اجد احد يبكي ابكي اكثر منه وانتحب حمل النعش بين ايادي رجال السماكين كانه سمكه صغيره في يد احدهم يعرضه في الهواء وقالوا رجلنا ونحن احق به لن يحمله احد غيرنا لم اكن اتصور ان الرجل الذي يجلس امام دكانه يؤانسه الذباب والصمت والنوم ونساه الماره ونسوا وجوده...... ان له هذه القيمه وهذه المحبه وان موته سيؤجج كل هذه المشاعر النبيله لم اري ولا تور من عيال عمي عبده نزل من عينه دمعه واحده وكانوا متعجلين لدفنه وكانوا يودوا ان نختصر الطريق ونخترق الشهابيه محدش بص لهم ولا رد عليهم وهم قاعدين متنكين في السيارات الفارهه اول مره اشوف ناس بتمشي في الجنازه وهم راكبين سيارتهم.......حتي كانوا بيهزوا رؤوسهم واحنا قاعدين نبكي علي الرجل الطيب........هما الوحيدون اللي كانوا شايفين ان اتكهن وموته رحمه له..........هو مات من زمان كانوا زي التيران اقل واحد فيهم كان زي ضلفه الباب............نادي علي احدهم في وسط الجنازه واعطاني مفتاح الدكان وقالي روح ارمي الكراكيب اللي هناك دي ونضفه وانا هبقي احاسبك عندما بلغنا سوق السمك الكبير كان في انتظارنا جموع قادمه من شارع الكباس وباب الحرس والسياله وشطا حتي اصبحت دمياط شبه خاليه وتكوم اهلها وغر باؤها حول نعش عمي عبده ان موت عمي عبده هو بمثابه موت لنا جميعا رغم ان وجوده بيننا كان يشبه شجره الصفصاف العجوز الذي نخر ت من السوس الا انها مازالت ترخي بشعورها علينا في اوقات شديده الحراره ولايعنيها انها تتاكل شيئا فشيئا ان هذا الرجل المتكهن الذي اهمله اولاده وتركوه ينخره السوس وقع مره واحده ..وقع منتصبا ترك لهم كل هذه الاموال والسيارات والابهه عمي عبده قالي وانا قاعد انضف له في المحل بره وجوه انت تعرف ياد يا استاذ كان نفسي يبقي لي ابن زيك طيب ومحب ومتواضع...........جايز لو كنت ابنك كنت بقيت زيهم جاحد....الفقر هو اللي بيخلي النفوس متواضعه مكنش حد بيحترمني قد عمي عبده.كنت بكنس الشارع كله من من اول الميدان ونهايه كوبري القنطره وسوق السمك الصغير كله حتي بدايه سوق الحسبه........كل الناس كانوا شايفني زبال الا عمي عبده حتي رئيسي اللي معاه دبلوم تجاره بيعاملني انه مؤهلات وانا زبال......قال لي صحيح انت معاك كليه اداب وشخر.....يومها قلت في نفسي دا رجل قليل الادب كنت اول مره اعرفه..........كل الفلاحين اللي بيجوا هنا اللي يقولك انا معايا اداب وانا معايا تجاره........فاكرنا ناس عبط....وقعدت قدام المحل وزعلت.......كان المحل بتاعه اشهر محل في سوق السمك..........جيه قعد جنبي وفرد الفلوس علي جلبابه وقالي عد معايا الفلوس دي........مبصيتش ليه...............قالي انت بتاخد اد ايه في الشهر..........وانت دخلك ايه؟معدتش لك كلام معايا باخد ولا مابخدش...........قالي انا اعرف ان اللي بيشتغل في الزباله مفيش معاهم شهاده........نعمل ايه؟انا روحت غيرت بطاقتي عامل علشان يوافقوا يشغلوني زبال..قضيت عمري كله بكاء.....وبكيت.شوفت عمي عبد الوحش وهو بيبكي زييي.....موش عارف ايه اللي خلاه يبكي مكنتش اتصور ان الرجل السافل اللي من شويه عمل عمله وحشه بيبكي علي حالي...........وضع كل مامعه من نقود ووضعها في كيس نايلون واعطاني اياها كل شهر ها اعطيك زي ما بتاخد من الحكومه واكثر لم يكن عمي عبده حاقدا علي الاطلاق علي العمال الذين ياتون من خارج دمياط رغم انه بمجرد سماع صافره قطار الثامنه صباحا التي كانت توقظ مابقي نائما من ناس دمياط نائما........ عمي عبد قد قال قولته البهايم وصلوا ويقصد الغرباء الذين يعملون في دمياط..............الذين كان يلفظهم القطار فيخرجون بالالاف كانها ميلاده وصرخه القطار صرخه ميلاده او الام وضع كثيرون احتموا به لياتي لهم باجر متاخر عند احدهم واحيانا يدفعه من جيبه اذا لم يستطع ان يخلصه لهم من صاحب عملهم كان كل شيء يوحي بالسقوط لم يكن يتصور احد ان يتحول دكان عمي عبده الي خرابه ولم تعد تاتي هذه الجموع مع صافره قطار الثامنه التي كانت تاتي باعداد مهوله ن البلاد البعيده للعمل هنا.........كان عمي عبده يقول ان الناس دول خدوا معاهم الرزق من يوم ما عملوا مصالح في بلادهم....صافره القطار اصبحت ناعسه لم تعد كما كانت.......كنت اقوم بتنظيف دكان عمي عبده ورمي الكراكيب كما قال لي احد ابنائه...........وجدت روايه الناس والسراطين للكاتب البرازيلي جوزيه دي كاسترو كنت اعطيته له ليقراها......كنت ظننت انها لم يقراها واخذت اقلب فيها وجدته قد وضع خطوط تحت بعض الكلمات التي ذكرها الكاتب عن عيشه هؤلاء الناس وكيف كانوا يصطادون السمك الصغير المسمي بالسراطين ثم ياكلونه ثم يذهبون للنهر لقضاء حاجتهم فياكل السمك الصغير فضلاتهم ويعودون لصيده ثم تتكرر الدوره........