إذا لم يكن ما جري يوم الجمعة الماضي، من محاولة اقتحام مبني وزارة الداخلية، وإشعال النيران في بعض أجزاء من أقسامها، وما تلي ذلك من الاعتداء علي ضابط برتبة كبيرة، وتجريده من سلاحه وسرقة كل متعلقاته وتكرار هذا المشهد بصور مختلفة في أنحاء مدن وقري الجمهورية، وانتشار أعمال البلطجة، التي تتسم بالعنف والرغبة في الترويع والسعي للقفز فوق كل القوانين والأعراف، وازدياد نزوع الأفراد لنيل بعض الحقوق بأذرعهم بعيداً عن ساحة القضاء، فيما بات يعرف ب«عدالة الشوارع»، إذا لم يكن كل هذا وغيره مبرراً كافياً لتأجيل الانتخابات التشريعية وقتاً كافياً حتي تستعيد الشرطة كامل عافيتها، هذا فضلاً عن إتاحة الفرصة للأحزاب القديمة والجديدة لإعادة ترتيب أوراقها وتحالفاتها، فإن من يعترضون علي ذلك لا يقدرون بشكل كاف عواقب ذلك تقديراً سليماً، هذا إذا لم تكن تقودهم دوافع سياسية قصيرة النظر تدعوهم للتمسك بإجراء الانتخابات العامة في موعدها بأي ثمن، ومهما كانت النتائج التي ستترتب علي ذلك، ومعلوم للجميع أن أجواء الانتخابات العامة هي أجواء توتر بطبيعة الحال، تلتهب فيها المشاعر، وتتضارب فيها المصالح، وتسال فيها الدماء، فكيف يتسني لجهاز الشرطة الذي يجري الاعتداء علي أفراده بشكل شبه يومي، وتهاجم أقسامه وسجونه وأماكن احتجازه بشكل شبه يومي كذلك، ولم تسنح له الفرصة بعد ليلتقط أنفاسه، ويضمد جراحه، ويستعيد الثقة بنفسه، ويكتسب ثقة المواطنين فيه، وتلتئم كرامته المجروحة، أن يحمي العملية الانتخابية من هذا الانفلات الأمني الذي يبد وأنه لم يعد قابلاً لأي سيطرة. لا يخفي علي أحد أن تيار الإسلام السياسي بكل فصائله، وفي القلب منه جماعة الإخوان المسلمون، ومن يؤيده ويتحالف معه، هو من يعترض بشدة علي فكرة تأجيل الانتخابات البرلمانية، انطلاقاً من اعتقاد راسخ لدي الإسلاميين، أنهم سوف يشكلون أغلبية مقاعد مجلس الشعب القادم، بما يمكنهم من تشكيل لجنة منه لصياغة دستور الدولة الإسلامية التي تحكم بالشريعة، كما يعبرون عن ذلك ليل نهار دون مواربة. ولا اعتراض أو ضير أن يدافع الإسلاميون وأنصارهم عن رغبتهم في إجراء الانتخابات التشريعية في موعدها، طبقاً للمادة 41 من الإعلان الدستوري التي تنص علي أن «تبدأ إجراءات انتخابات مجلسي الشعب والشوري خلال ستة أشهر من تاريخ العمل بهذا الإعلان» وأن يقدموا المبررات الموضوعية التي تدعم هذه الرغبة، فهذا حق لهم تكفله القواعد الديمقراطية، طالما كان الحوار ومبادلة الرأي بالرأي والحجة بالحجة،هي الوسيلة الوحيدة لتأييد وجهة نظرهم، لكن ما ليس من حقهم هو هذه اللهجة الاستعلائية التي تدفع بالحوار حول التأجيل إلي ذري من التوتر غير مسبوقة، وتنزع إلي الاستئثار، ولا تستنكف التلويح بممارسة العنف، بالإضافة إلي استخدام خطاب التخوين والتكفير لكل من يختلف معهم في الرأي، وآخر تجليات هذا الخطاب التهديدي هو ما أعلنه عضو المكتب الإداري لجماعة الإخوان المسلمين في الإسكندرية «حسن البرنس» عن استعداد الجماعة لتقديم شهداء إذا ما تم تأجيل موعد الانتخابات البرلمانية وتمديد فترة بقاء المجلس العسكري، فالتأجيل من وجهة نظره يسمح كما يقول «بتطبيق الأجندات الأمريكية والأوروبية، وقوانينها الداعية للشذوذ وإلغاء الشريعة»، ومن المؤسف أن ينسب هذا اللون من الخطاب الذي يلوح بالإرهاب إلي الديمقراطية بزعم الدفاع عنها، وهو خطاب يثير أقصي علامات القلق، ويزيد من مخاطر تحويل الصراع السياسي من نطاقه الفكري والثقافي والحواري، إلي نزاع أهلي ولا أقول حرب أهلية تراهن علي وقوعها قوي إقليمية عديدة، لأهداف لا علاقة لها بالمصالح المصرية ولإحداث وقيعة بين الشعب والجيش الذي انتصر لثورته. خطاب التهديد باستخدام العنف يتجاوز ممثلي جماعة الإخوان المسلمين إلي غيرهم من الرموز الإسلامية، فهذا هو الدكتور محمد سليم العوا، المرشح المحتمل لانتخابات الرئاسة، والمنظر الفكري لحزب الوسط الإسلامي، يقول نصاً إن تأخر الإعلان عن فتح باب الترشح للانتخابات البرلمانية عن 27 سبتمبر سيكون نذير خراب عسير ليس هذا فحسب، بل هناك تلويح بثورة ثانية، إذا ما تم تأجيل الانتخابات، وإذا ما قرر المجلس العسكري تفعيل قانون الطوارئ وتوسيع صلاحياته، في مواجهة البلطجة والخروج علي القانون، كما عبر عن ذلك بوضوح المهندس عاصم عبدالماجد، مدير المكتب الإعلامي للجماعة الإسلامية، وكأنهم هم وحدهم من صنع الثورة!، وكأن الإعلان الدستوري والاستفتاء علي تعديلات دستورية، أمور مقدسة، لا يمكن تعديلها طالما اقتضت المصلحة العامة ذلك، التي تقضي الآن بأن تهيئ ظروف ملائمة تتسم بالهدوء وبعودة الشرطة بكامل قواها إلي كل الأماكن، وبترتيب جميع القوي والأحزاب السياسية لأوضاعها، بما يسمح بمنافسة انتخابية متكافئة، تسفر عن برلمان متوازن يمثل جميع القوي والأحزاب التي شاركت في الثورة، ومعظمها بهذه المناسبة من المطالبين بتأجيل الانتخابات لإنجاز هذا الهدف، ومن الداعين إلي الدستور أولاً وإقرار مبادئ دستورية تنص صراحة علي عدم الانقلاب علي الديمقراطية، وعلي مدنية الدولة التي لا تعرف الخلط بين الدين والسياسة، وهو ما تنطوي عليه وثيقة المبادئ الدستورية التي وضعها د. علي السلمي، نائب رئيس الوزراء، الذي بات واضحاً حملات النقد المخططة التي أصبحت توجه إليه وتشكك في الدور الذي يلعبه داخل مجلس الوزراء، ممن يعترضون علي هذه الوثيقة، ليس لأنها إساءة بالغة للشعب كما قال صبحي صالح، القيادي في جماعة الإخوان المسلمين، وأحد المشاركين في لجنة وضع التعديلات الدستورية، التي رأسها المستشار طارق البشري، مع أن أحداً لم يوكل الجماعة للحديث باسم الشعب، بل لأن الجماعة، كما قال صبحي صالح: لن ترضي بغير الشريعة الإسلامية بديلاً، ولن يرقد لها جفن أو تغمض لها عين حتي تري الشريعة الإسلامية مطبقة غير منقوصة، ولم يكن مثيراً للدهشة علي ضوء ذلك أن ينتقد قادة الجماعة تصريحات رئيس الوزراء التركي أردوغان، عن أن الدولة العلمانية لا تتعارض مع قيم وتعاليم الدين الإسلامي، وأن القيم الديمقراطية لا تتناقض مع الإسلام. أما وقد أصبح واضحاً بجلاء الهدف الرئيسي للتيار الإسلامي من التمسك بإجراء الانتخابات العامة في موعدها، وهو إعداد البلاد لدستور إسلامي، فإن تأجيلها بات ضرورة عاجلة للحفاظ علي وحدة هذا البلد الوطنية، ونعم لتأجيل الانتخابات، ولا لكل ألوان الإرهاب الفكري.