في دولة يعيش أكثر من نصف شعبها تحت خط الفقر، ولا يأكل 75٪ من أهلها اللحوم إلا في الأعياد.. في دولة هذه ملامحها يصبح فساد اللحوم في المجمعات الاستهلاكية جريمة الجرائم.. وعندما تفسد اللحوم بمئات الأطنان يصبح الساكت عن تلك الجريمة أكبر ذنبا من شيطان رجيم.. وتصير محاسبة المسئولين عن تلك الجريمة مسألة أمن قومي، خاصة أن شركة واحدة من شركات الأغذية فسد في ثلاجاتها 197 طنا من اللحوم خلال 6 شهور فقط! مسرح هذه الجريمة كان مقره الشركة المصرية لتجارة الجملة وهي إحدي الشركات التابعة للقابضة للصناعات الغذائية. وحسب أحدث تقرير للجهاز المركزي للمحاسبات فإن 197 طنا من اللحوم فسدت داخل ثلاجات المصرية لتجارة الجملة منها 184 طنا تغير لونها إلي الأحمر الداكن مع وجود احتقان في الأوردة الدموية والضلوع والغدد الليمفاوية كما أن الرقبة عند مكان الذبح ذات لون أحمر داكن يميل إلي السواد، مع عدم إتمام عمليات غسيل الذبائح داخل المجزر المورد للحوم مما أدي إلي وجود بقايا من الجلد علي البدن الخارجي وبناء علي ذلك تم تحرير محضرين بالواقعة، برقمي 1862، 1863 جنح السلام ثان بتاريخ 17/4/2011 وتم تشكيل لجنة من الطب البيطري والإدارة العامة لشرطة التموين والتجارة لسحب عينات من اللحوم وتحليلها وأثبت التحليل أنها غير صالحة للاستهلاك الآدمي. ويقول تقرير الجهاز المركزي للمحاسبات إن 8.19 طن لحم استرالي في إحدي ثلاجات المصرية لتجارة الجملة تم إعدامها في 29 مارس الماضي بعدما ثبت عدم صلاحيتها للاستهلاك الآدمي والحيواني والسمكي! ويضيف التقرير أن الشركة أحجمت عن عرض 1.6 طن لحم استرالي لتغير لونها للون البني و2.349 طن لحم بتلو استرالي انتهت صلاحيته في 31 مايو الماضي و638 كيلو لحم ضأن استرالي و42 كيلو لحم بتلو استرالي، انتهت صلاحيتها في الأول من يوليو الماضي. وبحسبة بسيطة نكتشف أن كميات اللحوم التي فسدت تكفي 197 ألف أسرة لو تم توزيعها بمعدل كيلو لكل أسرة، ولأن متوسط عدد الأسرة يبلغ 4 أفراد فمعني ذلك أنها تكفي لإطعام 788 ألف مواطن! ولكن مسئولي الشركة اشتروا هذه اللحوم بحوالي 4.5 مليون جنيه ثم تركوها تفسد داخل الثلاجات فلا هم باعوها بأسعار مخفضة ولا حتي وزعوها علي الفقراء والمعدمين، وفضلوا أن تفسد وتعدم وتضيع معها 4.5 مليون جنيه! وكشف تقرير الجهاز المركزي للمحاسبات، الصادر في مطلع يوليو الماضي عن وجود قائمة طويلة من المخالفات المالية والإدارية في الشركة المصرية لتجارة الجملة.. قال التقرير الذي حصلت « الوفد الأسبوعي» علي صورة منه، إن العضو المنتدب للشركة خالف القانون واشتري بالأمر المباشر 64٪ من مشتريات اللحوم بالشركة خلال الفترة من يوليو 2010 وحتي ابريل 2011. وأوضح الجهاز المركزي للمحاسبات أن القانون منح العضو المنتدب سلطة اعتماد شراء بضائع بحد أقصي 250 ألف جنيه ولكن العضو المنتدب للمصرية لتجارة الجملة اشتري بالأمر المباشر لحوما مجمدة من الشركة الدولية للأغذية بمبلغ 17 مليونا و548 ألف جنيه! وكشف الجهاز المركزي للمحاسبات أن تعاقدات شراء اللحوم التي أبرمها مسئولو المصرية لتجارة الجملة يشوبها مخالفات عديدة، علي سبيل المثال تعاقدات الشركة في 31 مايو 2010 علي شراء 25 طن لحوم بتلو استرالي علي أن يتم التوريد في يوليو وأغسطس بسعر 23 جنيها للكيلو، بإجمالي تعاقد يبلغ 575 ألف جنيه، ولكن بموجب هذا التعاقد استلمت الشركة من المورد 48.1 طن لحوم بثمن مليون و106 آلاف جنيه أي بزيادة 92٪ عن التعاقد! كما تعاقد مسئولو الشركة- أيضا- علي شراء 61 طن لحوم استرالي دون تحديد نوع تلك اللحوم، وهل هي بقري أم بتلو أو غيرهما، ودون تحديد مواصفاتها، ولا تاريخ إنتاجها ولا مواعيد تسليمها!.. وعند الاستلام سددت قيمة اللحوم بزيادة جنيه في كل كيلو عن السعر الذي حدده التعاقد مما حمل ميزانية الشركة مبلغ 61 ألف جنيه إضافي! والأغرب أن مسئولي الشركة تعاقدوا في 6/9/2010 علي توريد 133.9 طن لحوم، بينما تم استلام 19 طنا منها يوم 1/9/2010 أي قبل إبرام التعاقد!! والمفاجأة ان هذا التعاقد لم يتضمن أية شروط جزائية علي المورد في حالة تأخير التسليم أو في حالة وجود عيوب في اللحوم المستوردة بل إن الشركة كانت تتسلم اللحوم من المورد دون فحص وتسدد له قيمة التعاقد فور دخول اللحوم ثلاجة المورد مباشرة! وكشف الجهاز المركزي للمحاسبات عن اختفاء 103 أطنان سكر تمويني و13 طن زيت تمويني بفرع الشركة بالخارجة بالوادي الجديد! وجاءت مخالفات مطبخ الشركة في شارع صبري أبو علم بالقاهرة، واحدة من أغرب المخالفات التي يمكن أن تقرأها.. في البداية استأجرت الشركة شقة رقم 36 بالعقار رقم 32 بشارع صبري أبو علم لإعداد الوجبات بمبلغ 26 ألف جنيه وجهزت المطبخ بمبلغ 93 ألفا و550 جنيها ودفعت للشيف راتبا بلغ 6 آلاف و800 جنيه أي أنها انفقت 128 ألفا و350 جنيها علي المطبخ وبعدها بلغت مبيعات الوجبات الجاهزة بالمطعم 14 ألفا و800 جنيه فقط.. ولهذا تمت تصفية المطعم وغلقه وتحويل تجهيزاته لفرع هايبر الطيران التابع للشركة.. والكارثة ان اللجنة التي عاينت هذه الأجهزة وجدت الصدأ تسلل إليها رغم أنها مشتراه حديثا! نفس الأمر تكرر في مطبخ هايبر الطيران.. اشترت الشركة معدات للمطبخ بمبلغ 142 ألفا و720 جنيها لبيع الوجبات الجاهزة ولم يبع المطعم علي مدي 6 شهور من 1/7/2010 حتي 28/1/2011 سري ب 30 ألف جنيه فقط. مخالفات المصرية لتجارة الجملة لم تقتصر علي فساد اللحوم واختفاء عشرات الأطنان من السكر والزيت، وإهدار ملايين الجنيهات وإنما امتدت أيضا إلي تربيح بعض رجال الأعمال.. يقول تقرير الجهاز المركزي للمحاسبات إن العضو المنتدب للشئون التجارية بالشركة أصدر تعليماته لمدير عام منطقة المنيا ببيع 200 طن سكر سائب يوم 7 أكتوبر الماضي لأحد كبار تجار السكر في سوهاج واسمه يوسف صدقي، مقابل 4150 جنيها للطن في حين ان سعر طن السكر في هذا اليوم طبقا للأسعار المعلنة بالشركة كان 4300 جنيه.. وهكذا خسرت الشركة 30 ألف جنيه في لحظة! وفي 26 مارس الماضي صدر منشور يحدد سعر بيع شريحة العشرة آلاف طن سكر سعر 4450 جنيها للطن اعتبارا من تاريخ صدوره وكانت الشركة قد باعت خلال شهر مارس 10 آلاف طن سكر للتاجر محمد عبدالرازق، وذلك بأسعار مختلفة وبمجرد ظهور هذا المنشور منح مسئولو الشركة خصما للتاجر بلغ 300 ألف جنيه استنادا للمنشور رغم ان البيع للتاجر تم قبل صدور المنشور ذاته!