شهدت الحرب الأهلية السورية تطوراً جديداً ومثيراً خلال الساعات الأخيرة، حيث دخلت الولاياتالمتحدةالأمريكيةوروسيا في حرب "بالوكالة" في ظل دعم القوتين العظميين لطرفين متصارعين في النزاع الذي دخل عامه الخامس. ففي الوقت الذي صعدت فيه روسيا غاراتها الجوية على سوريا، حيث أعلنت وزارة الدفاع الروسية تنفيذ 55 غارة جوية يوم الأحد، وهو ما يمثل أكثر من ضعف عدد الغارات اليومية منذ بدء العملية العسكرية لموسكو، فإن تقارير إعلامية أمريكية أشارت إلى أن واشنطن كثّفت أيضاً من عمليات دعمها العسكري للمتمردين المعارضين للرئيس السوري بشار الأسد. وأكدت شبكة التليفزيون الإخبارية الأمريكية "سي إن إن" اليوم الثلاثاء أن طائرات أمريكية أسقطت 50 طن من الأسلحة للمعارضة السورية في شمال سوريا، وبالتحديد لصالح المنظمة التي تدعى "التحالف العربي السوري". ويأتي تحرك واشنطن في تحدي واضح لموسكو، حيث اتهمت الإدارة الأمريكيةروسيا بقصف المعارضة المعتدلة المدعومة من أطراف إقليمية ودولية بدلاً من توجيه غاراتها لضرب تنظيم داعش الإرهابي. على صعيد آخر، وبعيداً عن الأحداث الساخنة على الأرض، فإن هناك تطورات سياسية أخرى يمكن أن تمهد الطريق أمام توافق أمريكي – روسي لحل الصراع المحتدم في سوريا رغم الخلافات الشديدة بين الطرفين خاصة فيما يتعلق بمصير الرئيس السوري بشار الأسد. فقد اعترف الرئيس الأمريكي باراك أوباما مؤخراً بفشل البرنامج الأمريكي لتدريب المعارضة السورية المعتدلة، والذي بلغت تكلفته 500 مليون دولار، في تحقيق أي مكاسب على الأرض في المعركة ضد الأسد، حيث أشار مسئولون أمريكيون إلى أن البرنامج لم يسفر إلا عن حفنة من الموالين لأمريكا في سوريا. وفي نفس الوقت، فقد تعالت أصوات داخل الأوساط السياسية الأمريكية بضرورة التعاون مع روسيا للقضاء على تنظيم داعش الإرهابي. فقد نشرت صحيفة "النيويورك تايمز" الأمريكية مقالاً اليوم الثلاثاء كتبه اثنان من كبار المتخصصين في الشئون الدولية وهما "جوردون أدامز" و"ستيفن والت"، حيث قالا إن الطريق إلى العاصمة السورية دمشق بالنسبة لأمريكا يجب أن يمر عن طريق موسكو. وأضافا بقولهما "على مدار 4 سنوات، فإن السياسة الأمريكية تجاه سوريا قامت على أساس غير واقعي بأن يتنحى الأسد عن السلطة وتسيطر المعارضة المعتدلة على الأوضاع". وتابعا بقولهما "ربما يمقت الكثير من الأمريكيين والأوروبيين ما فعله بوتين في القرم وأوكرانيا، ولكن التدخل الروسي في سوريا يمثل الضوء الأول للأمل من أجل إنهاء المستنقع السوري". وشددا على ضرورة أن تتخلى أمريكا عن تحقيق الانتصار الحاسم والمرضي لها في سوريا، وأن تسعى لتحقيق هدفين مهمين هما: أولاً: فرض النظام على المناطق التي لا تخضع لسيطرة داعش. ثانياً: تشكيل تحالف يستطيع احتواء داعش. وطالب الخبيران واشنطن بألا تتعامل مع روسيا على أنها دخيل في سوريا، لأن الروس ضالعين في سوريا منذ عقود، مثلما تمتلك الولاياتالمتحدةالأمريكية مصالح اقتصادية وعسكرية في العديد من دول الشرق الأوسط، وبالتالي فإن الطرفين لديهما مصالح مشتركة في منطقة مستقرة، وللعمل من أجل التخلص من التهديد الذي تمثله الجماعات المتطرفة، خاصة بالنسبة لموسكو. وبعيداً عن تلك الرؤى، فإن التدخل العسكري الروسي الآن يفرض أمراً واقعاً يريد من خلاله بوتين الوصول إلى تسوية سياسية من موقع القوة، أو على الأقل الوصول إلى الحل الثاني وهو تقسيم سوريا، بحيث يسيطر الأسد وقواته على الجزء الغربي القريب من ساحل البحر المتوسط، في حين تخضع المنطقة الشرقية لسيطرة جماعات المعارضة والتي تضم داعش وجبهة النصرة. ولكن الخطر الأكبر الذي تواجهه جميع الأطراف الدولية والإقليمية الآن هو رد الفعل العكسي أو Back Fire للسياسة التي انتهجتها تلك القوى في الصراع السوري. فالقوى المؤيدة للأسد، وعلى رأسها روسيا وإيران وحزب الله اللبناني، تخشى من انتقام الجماعات المتطرفة، أما القوى المؤيدة لتلك الجماعات والتي ساعدتها بالمال والسلاح والأفراد فإنها ترتعد أيضاً من عودة هؤلاء المقاتلين دون تحقيق هدفهم في سوريا، وهو ما تمثل مؤخراً في الحادث الإرهابي الذي شهدته تركيا وأسفر عن مقتل ما يقرب من 100 شخص في العاصمة أنقرة، حيث كانت تركيا الممر الرئيسي لعبور مقاتلي داعش من أوروبا إلى سوريا لمحاربة الأسد.