«سكر مر» تجربة سينمائية مثيرة للجدل بداية من أزمة مخرجها هانى خليفة المتهم يكرر نفسه، وأن فيلمه صورة باهتة من «سهر الليالى» وانتهاء بشخوصه المتباينة التركيبة الإنسانية؛ وتكمن المشكلة فى أنه بعد فترة غياب عن السينما عاد إليها هانى خليفة بفيلم «سكر مر»، والذى ذهب إليه الكثيرون وهم يحملون فى داخلهم فيلمه الأول «سهر الليالى» المعروض عام 2003؛ إما حالمين أن يحقق نجاحاً مثله؛ أو ذهبوا إليه وبداخلهم الرغبة فى الربط بين العملين؛ والتأكيد على أن الفيلم الذى كتبه محمدعبدالمعطى نموذج معدل من «سهر الليالى» وخاصة أن كليهما العمودى الفقرى فى بنائهما الدرامى يعتمد على فكرة الزواج والفشل والتحولات الصادمة فى تلك العلاقات؛ وفى كلا الحالتين يعد هذا ظلماً للعمل وخاصة أن الفترة الزمنية بين «حبيبى سكر مر» و«سهر الليالى»، أكثر من عشرة أعوام تغير فيها النسيج الإنسانى والاجتماعى للمصريين وبالتالى الأطروحة الدرامية ستكون مختلفة بين العملين مهما ربط بينهما من خطوط رئيسية كمناقشة مشاكل الزواج والفشل والمعالجة التى تعتمد على مجموعة من الأزواج يربط بينهما خيط الصداقة، ففيلم «سكر مر» يلقى الضوء على طبيعة مجموعة من العلاقات الثنائية المتشابكة تم تشكيلها برؤية ومفاهيم هذا الجيل وتلك الشريحة المجتمعية منه، والتى تطرأ عليهم بعض التغيرات السريعة للغاية، والحد الفاصل لرصدها هى ليلة رأس السنة لسنوات متتابعة. فى «سكر مر» أنت أمام توليفة إنسانية يتحكم فى تصرفاتها ودوافعها سيناريو جيد استطاع المخرج هانى خليفة الإمساك بخيوطه رغم كثرة شخصياته، رابطاً بين مجموعة من البشر المتباينة فى الآراء والأفكار وتفاصيل الحياة، لهم أفكارهم الشخصية المتناقضة، مفعمين بفوضوية المشاعر، ورغم أن البعض لا يجد سبباً فى الإشارة إلى أحداث ثورة 25 يناير ضمن الأحداث لأنها لم تؤثر على البناء الدرامى للفيلم، ولكننى أرى أنها إشارة مهمة إلى أن هناك مجموعة لا يستهان بها من المصريين لم تحركهم تلك الأحداث وهم يتحركون فى داخلها بمعزل عنها تماماً.. وفى الحقيقة أن تلك الشريحة موجودة فى مجتمعنا بصورة لا يمكن الاستهانة بها فشخصية أمينة خليل «نازلى» الفتاة المتحررة، التى تقوم بعمل علاقة مع شاب دون زواج، وهى توليفة من التناقضات بين الجرأة والقوة والشخصية ذات وجهة النظر، ولا تحتاج إلى رسم جذور لها لفهم الأسباب التى جعلتها تصل لتلك الحالة التى أصبحت عليها، فهى نتاج هذا الزمن الفاقد هويته والمغرق فى التفاصيل المادية، والمزين من الخارج بقشور واهية من القيم والأخلاقيات؛ لذلك فعلاقتها مع أصحابها وأهلها، وكل الأشياء الموجودة فى حياتها مبنية على الرغبة فى الاستحواذ على ما تريد وقتما تريده بدون أى مراعاة للآخر، وهى للأسف منتشرة بين الكثيرين من جيل الشباب الآن؛ لا نستطيع إنكار وجودها، وسار معها على نفس الدرب نبيل عيسى من خلال شخصية أصبحت موجودة بكثرة فى المجتمع المصرى، الإنسان الذى يريد أن يعيش حياته وأن يدخل فى علاقات دون ارتباط يقيده، ومن خلال مروان «نبيل عيسى» المستهتر ونازلى «أمينة خليل» اللذين يقرران الزواج، ولكن بشروطهما الأقرب إلى حياة الغرب، الحكاية تبدو فى البداية لطيفة ومجنونة كتركيبتها الشخصية وخاصة فى مشهد الزواج والصور الملتقطة لزفافهما والمعبرة عن تلك الحالة، ولكن السيناريست عاد إلى مخزونهما الشرقى بداخلهما وخاصة الزوج الذى لم يتحمل فكرة حريتها القديمة لأنها أصبحت تحمل اسمه، فيقرر الانفصال. وعلى النقيض منهما نجدالشخصية التى أدتها ناهد السباعى الفتاة المسيحية المثيرة للملل والذى تنقله لحياتها الزوجية وخاصة أن الطرف الآخر كربون ذكورى منها لذلك فلا عجب أن يصل بهما الحال إلى الرغبة فى الطلاق، لتكون العقبة قواعد دينهما الذى لا يسمح بذلك، وتلك الشخصية مركبة وتمكنت من تفاصيلها إلى حد أنها نقلت إليك الملل طوال الوقت الذى ظهرت به.. والسيناريست من خلال نبيل «عمر السعيد» ومريم «ناده السباعى» الثنائى المسيحى طرح مشكلة المسيحيين الذين قد لا ينجو زواجهما من الفشل، مهما تعددت الأشياء التى ربطت بينهما من قبل وتخطياه سوياً مثل الشقة والظروف المالية الصعبة، ولكن يبدو أن الملل والخرس الزوجى أقوى من أى رابط، وللأسف ولأن الكنيسة حتى الآن لا توافق على الطلاق ألا بعلة الزنا، فيصبح الطريق الوحيد أمام نبيل اتهام نفسهيها، للتحرر من هذا الزواج المميت للروح. أما الثنائيات الأقرب للتواجد فى مجتمعنا على دراجات فتمثلهم شخصية سليم «أحمد الفيشاوى» المستغرق فى العلاقات العاطفية، والذى عندما يفكر فى الزواج يبحث عن زوجة بعقلية أبيه وجده، فتاة لم يقربها من قبل صعبة الوصول إليها وهو الشرط الوحيد الذى فرضه على نفسه ليقع بسهولة فى حب علياء «أيتن عامر» تلك الفتاة التى تعرف ما تريد وكيف تحصل عليه، فيتزوجها، ولكنها وهى المرأة الطموحة، يصبح الزواج خطوة فى طريقها الذى رسمته لنفسها وتغير فيه شخصيتها تبعاً للمرحلة التى قررت الدخول فيها؛ فلا عجب عند طلاقهما من أن تصبح كربوناً لشخصية نازلى المرشحة للوقوع فى علاقة جديدة مع نبيل، أما شخصية «كريم فهمى» الطموح الباحث عن من ينقله إلى عالم الأغنياء والأثرياء ولا يمانع أن يقدم فى كل يوم سلسلة من التنازلات من أجل ذلك، فيتزوج من شيرى «سارة شاهين»، هذا الثنائى قدما من قبل فى السينما برؤى مختلفة وفى تلك المرة كانت مرحلة النهاية الحتمية لتلك العلاقة تقع على «شيرى» التى دفعها للانفصال ليس فقط اكتشاف خيانة على، ولكن لأن مخزونها الإنسانى عن مفهوم الرجولة والنخوة ينهار أمامها يومياً من خلال انتهازية وخنوع «على» فتعيده بنفس قوة الدفع ليسقط إلى عالمه من جديد. ورسمت شخصية «هيثم أحمد زكى» الثرى المزروع فى عائلة متدينة بالوراثة؛ الراغب فى التحرر من الالتزام الدينى والدخول فى علاقات غير شرعية ولكن صراعه الداخلى يعيده بنفس القوة وبدون اقتناع حقيقى إلى موروثه، فيطلق لحيته، ويتزوج عن طريق أخته من ملك «شيرى عادل» المصابة بصدمة إنسانية من موت الأم وهى تقرأ القرآن والفشل العاطفى المتمثل فى انفصال الانتهازى «على» عنها، مما يجعلها تهرب من حياتها الطبيعية التى بها المزيج من الالتزام الدينى الحقيقى والانفتاح المبنى على أسس حقيقة إلى الانعزال والتشدد بعد وفاة أمها، ولكن الفارق بين زوجة لها ثقافتها وتعليمها الخاص بكل مفرداته وتفاصيله، وزوج تاجر سيراميك محدود الثقافة؛ ومن بيئة فرضها الانفتاح تكون المسمار الأول فى فشل هذا الزواج وخاصة أن الزوج حسام يحاول إثبات وجوده أمامها بالزواج من أكثر من واحدة، ورغم أنها أنجبت منه طفلاً؛ إلى أن الطبيعى هو العودة إلى حياتها الحقيقية المتمثلة فى بيت الأب.. والسؤال الأخير الذى بلا إجابة؛ لماذا قررت الرقابة تصنيف الفيلم للكبار فقط دون مبرر واضح لذلك التصرف، فهو لم يكن به ألفاظ خادشة للحياء أو مشاهد ساخنة، وجاء اعتراض الرقابة على لفظين يفهم أحدهما من حركة الشفاة بعد حجب الصوت، حدث هذا فى الوقت الذى يوجد فيه فيلم «ولاد رزق» به ألفاظ أكثر خادشة للحياء العام!