تاريخ أسود وحافل بالمخالفات والتجاوزات التي اهدرت علي الدولة ملايين الجنيهات، هذا هو ابسط وصف لتاريخ الخصخصة في مصر، منذ بدأت الرعاية وتوجيه قوي خارجية لافساد القطاع العام، والقضاء عليه لاعتبارات ليس لها علاقة بقواعد الاقتصاد الحر، ورغم أن الخصخصة في حد ذاتها ليست جريمة، ولكنها نظام اقتصادي معمول به في العديد من دول العالم، بهدف تعظيم الاستفادة من الاصول المملوكة للدولة، إلا أن الخطأ كان في التطبيق، وأصدق وصف للطريقة التي تم بها بيع وحدات القطاع العام في مصر، هو ما جاء في حيثيات حكم بطلان عقد بيع عمر افندي حيث جاء فيه ان الحكومة السابقة تعاملت مع القطاع العام علي انه رجس من عمل الشيطان لابد من التخلص منه، بابخس الاثمان، لهذا اصبحت الخصخصة والتخلص منها هي الهدف وليس طريقاً لادارة ممتلكات الدولة بشكل أكثر فاعلية يعود بالنفع علي الاقتصاد وعلي سوق العمل والتشغيل وعلي الاستغلال الامثل لموارد الدولة، لذا كان في الاعلان النهائي عن وقف برامج الخصخصة، والذي أكده الدكتور علي السلمي نائب رئيس الوزراء ووزير قطاع الاعمال العام، مؤخراً، مدعاة للتساؤل حول البرامج البديلة المعدة لانقاذ قطاع الاعمال العام وضخ استثمارات فيه وانقاذه من الانهيار.. حقيقة لم يكن في برامج الخصخصة اي انقاذ، ولكن هناك أكثر من بديل متاح للاستفادة من شركات قطاع الاعمال العام والبالغ عددها نحو 147 شركة بالاضافة إلي نحو 40 شركة تحت التصفية، فما هي تلك البدائل. «خصخصة الادارة» تبدو خصخصة الإدارة أحد أهم البدائل المتاحة حيث انها تعني ان يدار القطاع العام بفكر القطاع الخاص، فيما يتعلق بالتفاعل مع اقتصاديات السوق والعرض والطلب، وتعظيم الربحية وقد نجحت خصخصة الادارة في قطاع السياحة حيث ان جميع الفنادق المملوكة للدولة تديرها شركات ادارة اجنبية خاصة، غير ان ما ينطبق علي الفنادق قد لا يصلح في باقي الانشطة الاقتصادية، فمثلا لا يمكن اسناد ادارة خاصة لشركة تنتج سلعة استراتيجية وتدعم الدولة ثمنها حتي تصل للمستهلك بسعر مناسب، كما يحدث في حالة شركة السكر مثلاً، حيث إن الشركة تغطي أي زيادة في تكلفة انتاج السكر حتي يصل للمستهلك بسعر أقل من الشركات الخاصة ولو أن نظام خصخصة الادارة لا يتفق مع شركة مثل شركة السكر، إلا أنه يصلح مع عدد آخر من الشركات التي لا تنتج سلعاً مدعمة. «التأجير» جاءت فكرة ايجار بعض وحدات من شركات قطاع الاعمال العام كبديل للخصخصة الا انها في ظل حكومة «نظيف» فشلت ربما لعدم وضوح الرؤية وربما لانها لم تكن تحقق «مصالح» البعض، ولهذا فشلت فكرة ايجار شركة «مصر للالبان» والتي كانت تنتويها الشركة القابضة للصناعات الغذائية كذلك فشلت فكرة تأجير عدد من المصانع التابعة لشركة «قها» رغم الحديث عن وجود عروض الا ان شيئاً لم يتم علي ارض الواقع. أما شكل التأجير الوحيد الذي تم بنجاح هو تأجير بعض فروع شركات التجارة الداخلية، مثل بيع المصنوعات وهانو وصيدناوي وهو نظام الايجار بالمشاركة الذي نفذ لفترة طويلة ومازال منفذاً غير أن بعض المشكلات ظهرت فيه منها علي سبيل المثال ان عقود الايجار كانت تنتهك، وان بعض المستأجرين حاولوا السيطرة علي الفروع فضلاً عن صدور بعض احكام قضائية بطرد الشركات لانها اجرت بالمشاركة فروعاً هي اصلاً قامت باستئجارها من ملاك أصليين، ومازال الامر في حاجة إلي مراجعة. «البيع لاتحاد العاملين» هو أفشل نظام تم حتي الآن في شركات قطاع الاعمال العام، حيث ادت فكرة البيع إلي اتحاد العمال المساهمين إلي نشوب عدة مشكلات أهمها، توقف سداد الاقساط وإثقال الشركات بالديون ثم اجبار الشركات القابضة علي تحمل نفقات رواتب العاملين فأصبح البيع لاتحاد العمال المساهمين فشلاً أكبر من الخصخصة والبيع لمستثمر رئيسي. «نقل الشركات» فكرة برزت منذ فترة وهي تدعو إلي نقل تبعية الشركات قطاعياً إلي الوزارات التابعة كأن تعود شركات لري إلي وزارة الري وشركات الاسكان إلي وزارة الاسكان والسياحة إلي سياحة وهكذا، غير أن تلك الفكرة لم تلق قبولاً، لأن القانون 203 الخاص بالشركات القابضة يقرر ادارة الشركات بفكر القطاع الخاص بمعني الفكر الاستثماري، وعودة الشركات إلي التبعية القطاعية يعني أن التشغيل بالفكر الاقتصادي، لن يكون هو الهدف وقد تتحول الشركات إلي مجرد وحدات تابعة للوزارات تتولي الانفاق عليها ودفع رواتب العاملين فيها، غير أن الامر يختلف في بعض الشركات مثل شركات الري والكراكات التي لا تعمل الا باسناد مباشر من وزارة الري لذلك الافضل تبعيتها للوزارة وهو الامر الذي تمت الموافقة عليه من قبل ولم ينفذ حتي الآن، ومازالت أزمة شركة مصر للصوت والضوء قائمة فهي مشتتة ما بين التبعية لوزارة الثقافة أم قطاع الاعمال العام حتي الآن ولم يحسم موقفها، وان كان أكبر مشكلاتها هي في نقل ملكية الاصول الخاصة بها عن وزارة الثقافة إلي الشركة ثم تبعية الشركة نفسها ليس عليها رفض ولكن لم يصدر قرار نهائي بشأنها حتي الآن. «المشاركة» تبدو فكرة المشاركة هي الحل الأمثل في ادارة قطاع الاعمال العام، وهو ان يتم تحديد نظام للمشاركة بين القطاع العام والخاص لادارة الشركات بنسب سواء عن طريق طرح حصص عن الشركات في البورصة أو طرح جزء للبيع للقطاع الخاص ، غير أن هذا التوجه ان كان قد اعلن من قبل وزارة قطاع الاعمال العام الا انه قد لا يواجهه التوفيق في ظل تصاعد المطالب الفئوية في الشركات والتي ادت إلي ارتفاع فاتورة التكلفة بنحو مليار ونصف مليار جنيه في العام، حيث من المتوقع ان تنخفص أرباح القطاع هذا العام إلي أقل من 2.5 مليار جنيه بسبب تضخم المطالب الفئوية في كافة الشركات، وهو الأمر الذي يعوق مشاركة القطاع الخاص الذي يسعي لتحقيق أفضل عائد بأقل تكلفة، وهو نفس المنطق الذي كان يدفع بنظام المعاش المبكر لتصدر مشهد بيع وتصفية الشركات حيث كان القطاع الخاص يشترط احياناً التخلص من العمالة، ليشتري الشركة.