تحاول الولاياتالمتحدة التى أرهقها التدخل العسكرى المباشر فى كثير من مناطق الصراعات العالمية إعادة تشكيل الخريطة الجيواستراتيجية لكثير من الأقاليم المتوترة ومن بينها الشرق الأوسط وشرق أفريقيا. ستكون وسيلتها في ذلك المساعدة فى بروز قوى إقليمية جديدة تتولى بالإنابة إدارة شئون الأقاليم الموجودة فيها. وكما كان الصراع والتنافس مع الصين سببا رئيسيا في إجبار أمريكا على تقديم تنازلات ضخمة لطهران في الاتفاق النووي، حتى تتمكن واشنطن من التحرك بحرية في آسيا. فبالمثل، التنافس مع فرنسا على مناطق النفوذ في القارة الإفريقية يجبر واشنطن على إيجاد قوى إقليمية قوية تمكنها من التمدد وتحقيق أكبر قدر من المكاسب الاقتصادية والأمنية في القارة السمراء. ومن بين هذه الدول جنوب أفريقيا في الجنوب، ونيجيريا والسنغال في الغرب، وإثيوبيا في الشرق. والزيارة الأخيرة لإثيوبيا تمثل إحدى الخطوات المهمة في إعادة أمريكا لصياغة خرائط نفوذها في القارة. وفى جميع الأحوال فإن ولادة هذه الأقاليم الجيواستراتيجية الجديدة سوف تمثل خصما من النظام الاقليمى العربى، حيث تبرز قوى اقليمية غير عربية (تركياايران اسرائيل أثيوبيا). وكما كان توقيع الاتفاق النووي الإيراني وسيلة أمريكا للضغط على دول الشرق الأوسط لتقديم تنازلات كبيرة في إعادة صياغة خرائط المنطقة، سيكون لإثيوبيا دور مهم في تسهيل تمديد النفوذ الأمريكي في شرق القارة. لقد خص الرئيس أوباما أديس ابابا بهذه الزيارة تمهيدا لتوطيد علاقات التحالف بين البلدين، خاصة أن أثيوبيا تلعب دورا مؤثرا فى نطاق جماعة ( الايجاد)، وتقوم بدور محورى فى كل من الصومالوجنوب السودان، فضلا عن مكانتها التاريخية المرتبطة بالعمل الأفريقى المشترك. وتزيد أهمية إفريقيا بالنسبة لأمريكا إلى الدرجة التي أصبح حتميا معها إعادة تشكيل السياسة الخارجية الأمريكية في القارة. ولعل أحد أهم أسباب زيادة أهمية القارة لدى واشنطن هو رغبتها في إقامة قواعد عسكرية جديدة ليتم فيها تخزين العتاد العسكري والوقود بزعم مكافحة الإرهاب ومطاردة منظماته، بينما الحقيقة هي السعي للبقاء الاستراتيجي في المنطقة لموقعها الاستراتيجي. كما تسهل السيطرة على مناطق نفوذ واسعة في إفريقيا ضمانة لحماية خطوطها التجارية البحرية، ما يفتح الأسواق أمام حركة التجارة والاستثمارات الأمريكية. وستكون البداية بطبيعة الحال بزيادة المعونات العسكرية واتفاقات التعاون الأمني مع البلدان الأفريقية. كما ستسعى واشنطن إلى إطلاق مبادرات مكافحة الإرهاب من خلال تشكيل قوات مشتركة، كما بتقديم تدريبات للقوات المسلحة في دول المنطقة لمواجهة الأزمات الأمنية، وتستلزم هذه المبادرات بطبيعة الحال إرسال قوات جوية وبرية خاصة، مما يتيح للقوات الأمريكية استخدام مطارات تلك الدول. كل هذا بطبيعة الحال سيخلق مناطق نفوذ متمددة لأمريكا في القارة، تسهل لها في وقت لاحق التحكم في مستقبل إفريقيا الواعد واقتناص الفرص الاقتصادية التي تتنافس عليها الدول الكبرى. ولعل أهم هذه الفرص النفط . ويقدر خبراء النفط حجم الاحتياطي النفطي في الأراضي الإفريقية بما بين 80 ملياراً و100 مليار برميل اي ما نسبته 8-10 في المائة من الاحتياطي العالمي الخام، إذاً كمياته كبيرة ويحوي نسبة ضعيفة من الكبريت ويتميز بأنه خفيف ويحتوي على مزيد من الخام والغاز وهي مواد مهمة. وبالتالي فالاستحواذ على النفط الأفريقي والثروة الطبيعية الهائلة الموجودة هناك خاصة الألماس والذهب والنحاس، فضلا عن المواد المعدنية التي تستخدم في الصناعات الثقيلة والنووية كالكوبالت واليورانيوم يمثل أولوية كبيرة لصانع السياسات الأمريكية، حيث أن الاستحواذ على النفط الأفريقي يعطي لأمريكا عامل قوة في زيادة الضغط على الدول المصدرة للنفط لزيادة إنتاجها لخفض الأسعار وإيجاد حالة من الانقسام بين الدول المنتجة. وهو ما يمثل عاملا حاسما لحيوية الاقتصاد الأمريكي.