كان آخر خليفة فاطمى فى مصر هو الخليفة العاضد بالله فى ورطة من أمره عندما استعان أحد وزيريه بالصليبيين لينفرد بالأمر، وهو ما دفع الوزير الآخر أن يستعين بالسلطان نور الدين التابع للخلافة العباسية لمواجهة ذلك الخطر. ونعرف جميعا قصة دخول جيش نور الدين محمود إلى مصر بقيادة أسد الدين شيركوه، وانتصاره على الصليبيين، ثُم تولى صلاح الدين الأيوبى سلطنة مصر خلفًا لعمه «شيركوه» الذى توفى فجأة. لم يكن الخليفة الفاطمى العاضد بالله راضيًا على الخضوع المُذل وهو شيعى لقائد عسكرى يمثل الخلافة العباسية السُنية، لكنه لم يكن لديه بديل عن ذلك. فى الوقت نفسه كانت خطبة الجمعة إحدى وسائل الولاء السياسى تُقام بالدعاء للخليفة الفاطمى، ثُم للسلطان نور الدين محمود، ونائبه على مصر صلاح الدين الأيوبى. وكان الوضع مُزعج، بعد أن استحث نور الدين محمود نائبه على مصر على ضرورة اسقاط الخطبة للخليفة الفاطمى الشيعى، وحاول صلاح الدين تأجيل ذلك، لكن السلطان نور الدين محمود كان مُتشددا وصارما فى ضرورة تحويل تبعية مصر من الخلافة الفاطمية الشيعية إلى العباسية السنية. وبدأ صلاح الدين يُخطط بحنكة سياسية لذلك، عندما علم بمضر الخليفة العاضد بالله، حيث قام باغلاق قصور الخلافة تماما على من فيها وعزلهم عن أخبار ما يدور حولهم، مع توفير كل ما يحتاجونه من طعام وشراب وترف ولهو. وكانت المُغامرة صعبة لأن عدد سكان القصر من أسرة الخليفة ونسائه وخدمه وخواصه وكتبته يُقارب الثمانية عشر ألفا، لكنه بالغ فى الاحتياط حتى لا يتسرب خبر اسقاط الخلافة إلى الخليفة نفسه. وفى يوم الجمعة الثامن من محرم سنة 567 هجرية فوجئ المصلون بالجامع الأزهر بإمام المسجد يدعو للخليفة العباسى والسلطان نور الدين محمود وصلاح الدين، ويُسقط الخليفة الفاطمى تماما. وبعد أيام من اسقاطه مات الخليفة العاضد وهو لا يعلم بنبأ سقوطه، وتم التحفظ على أسرته وخدمه ومنحت بعض قصور الفاطميين إلى قادة جيش صلاح الدين. ولم تحدث قلاقل أو فتن نتيجة اسقاط الخلافة الفاطمية بعد أكثر من مائتى عام فى مصر. وفيما بعد سيثور بعض رجال الخليفة العاضد ضد صلاح الدين الأيوبى نفسه، وسيكتشف القائد الكردى مؤامرة تُحاك ضد دولته، وسيكون أحد أطرافها شاعر الخليفة الراحل عمارة اليمنى، وهو شاعر شيعى له كتاب شهير بعنوان «النُكت المصرية». ولما كان صلاح الدين قد استتب له الأمر سريعا، وربما كان فى ذهنه مشروع اقامة امبراطورية جديدة وارثة لامبراطورية نور الدين محمود فى الشام، فإنه سيتعامل بشدة وقسوة وصرامة. وسيصدر صلاح الدين حكما بإعدام الشاعر وصلبه ارهابا لفلول الدولة الفاطمية التى طويت صفحتها تماما.