رغم كل ما تفعله أمريكا وكلب حرساتها الإسرائيلي لحصار إيران وتهديدها بالحرب تتقدم إيران بخطي حثيثة في برنامجها النووي. وبعد تفجر ثورة الربيع العربي في كل من مصر وتونس. واشتعال الثورة في كل من اليمن وسوريا وليبيا بما يقطع أن مصير طغاة تلك الدول الثلاث أصبح محسوما. وأن سقوطهم وانتقالهم الي مزبلة التاريخ أصبح مسألة وقت ليس إلا. نقول إنه بعد هذا الزلزال العنيف الذي ضرب الشرق العربي وضرب النفوذ الأمريكي الإسرائيلي في شبه مقتل أصبح تهديد أمريكا وإسرائيل لإيران بضربها إن لم توقف برنامجها النووي طبلا أجوف لا يخيف أحدا ولا يصدقه أحد. وقد نشر موقع ستارفور في 19 يوليو تحليلا دقيقا لحيرة كل من أمريكا وحلفائها السعوديين حيال تنامي النفوذ الإيراني وقيام إيران بإعادة صياغة السياسات في منطقة الخليج البترولية. والتقرير بقلم ريفا بللا. يقول التقرير إن شيئا غير عادي وإن كان متوقعا يحدث في منطقة الخليج الفارسي. فأمريكا لا تملك استراتيجية سليمة للتعامل مع إيران. وتشغلها الأحداث عن وضع مثل هذه الاستراتيجية. فهي تحاول الإبحار في بحر السياسة العراقية المهلهل بحثا عن صفقة تسمح لها بإبقاء قوات أمريكية عسكرية كبيرة في العراق بعد نهاية 2011 التي نص عليها الإتفاق بين أمريكا والعراق. وفي الوقت نفسه فإن السعودية تشك في قدرات أمريكا ونواياها نحو إيران. ولذا يبدو أنها تحاول علي قصصه الوصول لاتفاق مع خصمها الإيراني. لا شك أن إيران تستفيد من هذه الأوضاع في المدي القصير، حيث تحاول إعادة صياغة ميزان القوي في أهم شرايين العالم النفطية. ولكن القوة الإيرانية لا تتسم بالعمق أو القوة المطلقة. فإيران تري نفسها تسابق الزمن ليس فقط ضد انتهاء أمريكا من حروبها القائمة وبالتالي قدرتها علي التفرغ للمشكلة الإيرانية. ولكن تخشي إيران أيضا تنامي القدرة التركية إلي درجة القيام بدور إقليمي تاريخي. وقد صرح وزير الدفاع الإيراني أحمد وحيدي الأسبوع الماضي بتصريح لفت انتباهنا. فقد كان يخاطب أول مؤتمر بحري استراتيجي في طهران في 13 يوليو. وقال إن أمريكا تحاول دق إسفين بين القوي الإقليمية بهدف منع قيام ترتيبات أمنية بين دول المنطقة. ولكن هذه المحاولات الأمريكية مبنية علي تحليلات خاطئة وستفشل حتماً. وكان وحيدي يشير إلي إعادة صياغة إيران لدينا ميكيات القوة بمنطقة الخليج الفارسي. حيث تري إيران أن الوضع الأمثل للمنطقة أن تتحول السياسات الإقليمية والاقتصادية والعسكرية والدينية في دول الخليج بما يحقق مصلحة الشيعة وحماتهم الإيرانيين. فمن وجهة نظر إيران فهذا تطور طبيعي يستحق الانتظار قرونا لتحققه. لتري القوة مركزه في أيدي الشيعة بالعراق وشرق السعودية ولبنان علي حساب السنّة الذين سيطروا علي هذه المناطق منذ القرن السادس عشر عندما فقد الصفويون العراق للعثمانيين. ومن عجائب القدر أن تتاح هذه الفرصة الآن لإيران بفضل تنظيم القاعدة السني وأحداث 11 سبتمبر 2001 وبفضل الشيطان الأكبر أمريكا التي أسقطت صدام حسين.. فإذا نجحت إيران في ملء فراغ السلطة في العراق التي لها حدود مشتركة مع ست دول شرق أوسطية والتي يمثل الشيعة في العراق أغلبية سكانها فإن إيران بذلك تؤمّن حدودها الغربية ومخرج النفط من الخليج. وتسير خطة إيران حاليا علي طريق التحقق. وما لم تضع أمريكا قوات كبيرة بالمنطقة بصفة دائمة فإن إيران ستحل محلها كأقوي قوة عسكرية بالخليج. فإيران تستطيع تهديد مضيق هرمز. ولها تنظيم سري من العملاء منتشرون بالمنطقة. ومن خلال تغلغلها العميق في الحكومة العراقية فإنها في وضع مثالي للتأثير في القرارات العراقية ومحاولة أمريكا الواضحة لمد اتفاقية بقاء قواتها بالعراق هي أكبر دليل علي إصرار إيران علي تأمين جبهتها الغربية. فالبرنامج النووي الإيراني مجرد مسألة جانبية. وطبعا حصول إيران علي سلاح نووي يزيد من أمنها. ولكن أهم ضرورة عاجلة لإيران هي تأمين وضعها في العراق. وتغلغل قواتها المؤقت في شمال العراق الأسبوع الماضي، بحجة مطاردة مسلحين أكراد يظهر أن إيران مستعدة لأخذ مخاطر محسوبة لإظهار قوتها. وبينما تكاد إيران تحقق أهدافها في العراق فإنها في حاجة لعاملين مهمين لإكمال التنسيق الأمني الإقليمي الذي تحدث عنه وحيدي. العامل الأول هو التفاهم مع متحدّيها العسكري الأول بالمنطقة وهو أمريكا. فمثل هذا التفاهم يتضمن العجز العسكري للسنة بالعراق ومد حقوق الطاقة الإيرانية الي خارج حدودها. كما يتضمن وضع حدود للنشاط العسكري الأمريكي بالمنطقة. مقابل هذا تتعهد إيران بضمان استمرار تدفق النفط عبر مضيق هرمز وعدم تعرضها لحقول النفط السعودية. والعامل الثاني هو التفاهم مع منافسها الأساسي في المنطقة وهو السعودية فإعادة صياغة إيران لسياسات منطقة الخليج تتضمن إقناع السعودية بأن مقاومتها لإيران لا تستحق الثمن الذي ستدفعه. خاصة أمريكا لا يبدو أن لديها الوقت أو الموارد لمساعدة السعودية حالياً. ومهما كانت الأموال التي تنفقها السعودية علي شراء الأسلحة الغربية فإن أي تهديد عسكري لإيران من دول مجلس التعاون الخليجي الذي تقوده السعودية سيكون طبلا أجوف ما لم تضمن أمريكا. وبذلك فإن هدف إيران هو إجبار القوي السنية الرئيسية علي الاعتراف بمد منطقة النفوذ الإيرانية نظرا لبدء انحسار الضمانات الأمريكية لسنّة الخليج. طبعا هناك دائما فجوة بين النوايا والإمكانيات خاصة في الحالة الإيرانية. فكلا محوري التفاوض الإيراني مع أمريكا والسعودية يشوبهما انعدام الثقة وليس هناك أي ضمان للوصول إلي تقدم في هذين المجالين. ورغم ذلك فقد بدت مؤخرا عدة إشارات تدفعنا لبحث احتمالات تفاهم إيران سعودي مهما كان محدودا. أما من ناحية الموقف السعودي فليس مستغربا شعور السعودية بالقلق الشديد من تطور الموقف في العراق. وسيزداد اعتماد السعودية علي القوي الإقليمية مثل تركيا في محاولة للحفاظ علي جبهة سنّية ضد إيران في العراق. وإن كانت السعودية مدركة حالياً أن العراق في دائرة النفوذ الإيراني. ومما يزيد اندفاع السعودية نحو محاولة التفاهم مع إيران الوضع المتدهور حاليا في البحرين. فعندما انفجرت المظاهرات الشيعية في البحرين لم تكن هذه المظاهرات جزءا طبيعيا مما يسمي بالربيع العربي. كانت هناك عناصر متداخلة قطعا. ولكن لم يكن هناك شك أن إيران انتهزت الفرصة لتفجير سيناريو كابوس للعرش السعودي وهو ثورة شيعية تساندها إيران تمتد من جزر البحرين حتي المنطقة الشرقية في السعودية التي يتركز فيها شيعة السعودية والتي تضم أغني حقول النفط السعودية. ونقف عند هذه الفقرة لنستطرد في الحلقة التالية عرض المخاطر الهائلة التي تواجهها السعودية وكيفية مواجهتها لها. نائب رئيس حزب الوفد