طريق طويل شقته الراحلة "سامية جمال"، فهى المرأة الرشيقة التى أبدعت في تقديم معروضاتها الراقصة، وهى الفنانة الجميلة التى قدمت أعظم ادوار الدراما لأكثر من 30 فيلم مصري . ولعل كل من رأي ابتسامتها الواسعة وهى تؤدى رقصاتها ، لم يتوقع أن يكون خلف تلك الابتسامة واقع مرير عانته " جمال"منذ صغرها ولاحقها حتى أواخر عمرها من فقر ورحيل الاحباب واللجوء إلي حياة تبغضها من أجل المادة التى تقهر أمامها أعتى الظروف . فالقدر جعلها تفقد كل ما تتمناه أى فتاة، من طفولة هادئة وبيت سعيد ، فلا شعرت براحة البال في الصغر ولا عندما نزوجت ولم تنجب أطفالاً يهونون عليها وحدتها، ولكنها في نفس الوقت أصبحت أشهر راقصة في مصر والوطن العربي وصار اسمها يشار إليه بالبنان. طفولة شاقة تدعى زينب خليل ابراهيم محفوظ، ولدت في إحدى قرى مديرية بني سويف، في 25 مايو 1924، وعاشت هناك مع والدها ووالدتها وزوجة أبيها الأخرى وعدد من الأخوة الأشقاء وغير الأشقاء، حتى توفت والدتها وهي في سن الثامنة من عمرها، ليقرر والدهما أن ينتقلوا إلى القاهرة، حيث أقاموا في أحد الأحياء الشعبية قبل أن تتزوج شقيقتها الكبرى وتبدأ معاناة زينب مع زوجة أبيها. وتبدأ المآساة الحقيقية بعد وفاة والدها حيث عاملتها زوجة أبيها بقسوة وحولتها من ابنة صاحب البيت إلى مجرد خامة تؤدي أعمال البيت ، لتقرر الهرب من المنزل ، وتنتقل سامية إلى بيت شقيقتها لتعيش معها ومع أبنائها وكان عمرها وقتها لا يتعدى 13 عاماً، ولكنها اكتشفت بعد انتهاء فترة الضيافة ان الوضع في بيت شقيقتها لا يختلف كثيراً عن الوضع في بيت زوجة أبيها، فهي في البيتين لا تزيد عن كونها خادمة تشتري مستلزمات البيت من السوق ، وهو مالم ترتضه زينب لنفسها وقررت للمرة الثانية أن تهرب من بيت شقيقتها. راقصة بفرقة " مصابنى " وهنا اتجهت زينب للعمل في إحدى الفرق الغنائية، حيث انضمت لفرقة ملكة المسارح بديعة مصابني، وعملت كراقصة في الفرقة تشارك في التابلوهات الجماعية الراقصة مع الفتيات خلف بديعة، التي أعجبت بجمالها الأسمر الهادئ وقررت أن تخرجها من بين الراقصات الخلفيات وأن تجعلها تقدم رقصة منفردة في إحدى الحفلات. ورغبة من بديعة في أن تظل هي وفرقتها المسيطرة على على الساحة فقد اسندت مهمة تدريب زينب التي اختارت لها اسم ''سامية جمال'' إلى مدرب رقص محترف، قان بتعليمها بعض الحركات لكي تؤديها على المسرح بحذاء ذي كعب عالي وهو ما جعل سامية تشعر بالخوف والرعب فخرجت الرقصة سيئة لتعيدها مصابني مرة أخرى لصفوف الفتيات الراقصات خلفها. واستمرت سامية على هذا الحال فترة قبل أن تعود لتلح على بديعة بأن تعطيها فرصة أخيرة، لتوافق الأخيرة شريطة أنه في حال فشلها فستطردها من الفرقة، فوافقت سامية ولكنها طلبت منها ألا تجعل مدرب الرقص يتدخل في الرقصة التي تؤديها وأن تتحمل هي التجربة كاملة، وبالفعل قدمت سامية الرقصة التي جعلت من في الصالة يصفقون لها تصفيقاً حاراً استمر عدة دقائق لتحصد النجاح والنجومية التي فتحت لها أبواب الشهرة والنجومية. نجمة سينمائية وفي عام 1943م اتجهت "سامية جمال" للتمثيل وشاركت في العديد من الأعمال السينمائية حيث شكلت ثنائي ناجح مع الفنان فريد الأطرش في عدة أفلام وقدّمت على أغنياته أحلى رقصاتها وأشهرها، ومن اشهر أعمالهما سوياً .. "حبيب العمر" و"احبك أنت" و"عفريته هانم" . وقد ترددت الإشاعات حول وجود قصة حب كبيرة جمعت بينهما، إلا أن عدم زواجهما وضع حداً لهذه العلاقة، لتتزوج سامية بعد ذلك من الفنان "رشدي أباظة" الزواج الذي استمر لمدة 18 عاماً . سامية جمال واباظة علاقتهما بدأت مع انطلاق تصوير فيلم "الرجل الثاني"، ولكنها لم تكن بالنسبة لسامية جمال سوى علاقة صداقة لا يمكن أن تتطور إلى حب؛ فالدنجوان رشدي أباظة معروف بعلاقاته الغرامية المتعددة وولعه بالحب والرومانسية، لذلك بقيت صداقتهما كصداقة رجل إلى رجل . ولكن سامية لم تكن بالنسبة لأباظة مجرد صديق، فقد سحرته بجمالها الأسمر وخفة ظلها المعهودة، وهكذا بدأ في التودد إليها . وذات يوم من كواليس "الرجل الثاني" تصادف أن جاء أحد "الحواة" المشهورين بألعابهم السحرية؛ للظهور مع الثعابين في إحدى اللقطات، وكانت سامية تخشى الثعبان على بعد 100 متر، فاستغل أباظة ذلك الخوف ورماها خلال التصوير بشيء لم تتبينه تمامًا فصرخت وأصيبت بحالة من الرعب الشديد . ومن هنا أحس الدنجوان المصري بشيء من الضيق لأنه تسبب في فزعها لتلك الدرجة، فذهب إلى سامية داخل غرفة الماكياج وقال لها: «أنت خفت ليه؟ ده كان حبل مش حية"، فضحكت وتوسلت إليه أن "يعاكس العالم كله ويخضه باستثنائها" ." ومن هنا بدأت أواصر الصداقة تشدهما إلى بعضهما البعض، حتى تطورت الصداقة بينهما وجاء الحب والزواج فيما بعد. صباح "ضرة" سامية وعن هذه الفترة تروي قسمت ابنة رشدى اباظة من زوجنه الاولي "، "زواج والدي من صباح بدأ ب "دعابة" في لبنان، فصباح تحدّته أنه لا يستطيع الزواج منها خوفا من سامية جمال، فاصطحبها للمأذون! وتحولت هذه الدعابة إلى واقع، وتزوجا بعدها أفاقا من اللعبة، وتم الطلاق بعد أسبوعين وظلت صديقة لأبي حتى وفاته " . وأكد أكثر من مصدر إعلامي في وقت سابق أن سامية جمال قرأت خبر زواج رشدي أباظة وصباح في الصحف، وتمكنت من الحفاظ على هدوئها ، مؤكدين ان سامية جمال قالت إنها ستنتظره في المطار وهو عائد من بيروت بعد رحلة زواجه، ولن تتفوه بكلمة عن خبر زواجه من صباح، قائلة: "مش راجع لبيته أهلا وسهلا بيه"، واستقبلته واحتضنته، وذهبا إلي البيت وكأن شيئا لم يكن. اعتزال الرقص . اعتزلت سامية الرقص في أوائل السبعينات وكانت وقتها في أواخر الأربعينات من عمرها، حيث قررت أن تعتزل وتترك لدى الجمهور ذكرى جيدة لها، قبل أن توافق بسبب الحاجة للمال على العرض الذي قدمه لها الفنان سمير صبري حيث عملت مع فرقة محمد أمين الموسيقية، الذي أهدى لها مقطوعات موسيقية من الحان فريد الأطرش لترقص على أنغامها، وكانت وقتها في الستينات من عمرها. وبعد أن قامت سامية بجمع مبلغ من المال يؤمن لها العيش بكرامة الفترة الباقية في حياتها اعتزلت ثانية عقب تكريمها في مهرجان تولوز بفرنسا، حيث أرادت أن تترك انطباعاً جميلاً لدى الجمهور عنها وبطريقة تناسب مشوارها الفني الكبير. الموت بالأنيميا: وتسبب حرص سامية في المحافظة على رشاقتها أن تبتعد عن الطعام وتكتفي بالخضروات والزبادي لتصاب بالأنيميا وهو ما أدى لدخولها للمستشفى قبل اربعة أشهر من وفاتها حيث كانت تعاني من هبوط حاد في نسبة الهيموجلوبين بالدم، مما استدعى نقل دم لها. وبعدما أفاقت سامية من الغيبوبة نصحها الأطباء بتناول الفيتامينات والاهتمام بالتغذية والابتعاد عن النظام الغذائي القاسي الذي تعيش عليه، وهو ما رفضته سامية وتسبب في إصابتها بجلطة في الوريد المغذي للأمعاء أدى لحدوث غرغرينا، وتطلب الأمر إجراء عملية استئصال للأمعاء، ولم تتحسن حالتها وبدأت تفقد الوعي تدريجياً حتى توفيت في الأول من ديسمبر 1994.