عرضنا في المقال السابق الجزء الأول من مقال جورج فريدمان المسموم المنشور في مجلة «جيو بوليتيكال ويكلي» في 25 نوفمبر عام 2014 الذي يتحدث فيه عن عصابة داعش الإرهابية، علي أنها «الدولة الإسلامية» ودورها في تغيير خريطة الشرق الأوسط، كما لو كان هذا الكيان الإرهابي قد أصبح حقيقة واقعة ولا يتبقي إلا اعتراف باقي دول العالم به كدولة جديدة في الشرق الأوسط، ونغطي في هذا المقال الجزء الثاني من مقال فريدمان المسموم الذي يعرض فيه دور إيران الجديد في المنطقة، والمتتبع لتطور العلاقة مؤخراً بين أمريكاوإيران والتقارب الواضح بينهما، وربط هذا التقارب باستيلاء الحوثيين عملاء إيران علي السلطة في اليمن وبالتالي سيطرتهم علي مضيق باب المندب يدرك علي الفور خطة أمريكا البديلة لخلق محور جديد من إيرانوتركيا وإسرائيل بعد انهيار مخطط تقسيم الشرق الأوسط الذي أسقطته ثورة مصر الجديدة في 30 يونية عام 2013، وأخطر ما يمكن أن يكون وراء الشر الأمريكي الجديد هو السيطرة علي الملاحة في البحر الأحمر وبالتالي قناة السويس، ونعرض فيما يلي ما يقوله فريدمان عن دور إيران الجديد: يقول فريدمان إن ظهور «الدولة الإسلامية» قد غير كذلك وضع إيران بالمنطقة، فإيران تري أن النظام الشيعي الحاكم في بغداد والموالي لها ضروري لحماية مصالحها، وكما رأت أن السيطرة علي جنوبالعراق التي خاضت من أجلها حرباً طاحنة ثماني سنوات مع نظام صدام حسين السني، فإن تجنب حرب أخري حيوي لأمنها القومي، فمن وجهة نظر إيران فإن الدولة الإسلامية لديها القدرة علي تعجيز حكومة بغداد وبالتالي زعزعة نفوذ إيران في العراق، ومع أن ذلك بعيد الاحتمال فإنه خطر يتعين علي إيران الاستعداد له.. وقد تم تشكيل وحدات عسكرية صغيرة في شرق كردستان، وقام طيارون إيرانيون بقيادة طائرات عراقية أغارت علي الدولة الإسلامية، فمجرد احتمال سيطرة الدولة الإسلامية علي أي أجزاء من العراق أمر مرفوض تماماً من إيران التي توجد مصالحها مع مصالح أمريكا.. فكل منهما تريد سحق الدولة الإسلامية وإنقاذ حكومة بغداد، وليس لدي أمريكا مشكلة في أن تضمن مع إيران أمن الجنوب، كما أنه ليس لإيران اعتراض علي نفوذ أمريكا في كردستان طالما ظلت إيران مسيطرة علي تدفق النفط في الجنوب، وبسبب وجود الدولة الإسلامية وكذا احتمالات الأثر بعيد المدي لوجودها فإن أمريكاوإيران تتجهان للتقارب معاً نتيجة مصالحهما المشتركة، وهناك تقارير عديدة عن تعاون عسكري أمريكي - إيراني ضد الدولة الإسلامية، وقد كان من نتيجة هذا التعاون تراجع أهمية خطر برنامج إيران النووي علي أمريكا وحلفائها في المنطقة، وكان الإعلان بأن الطرفين لم يصلا إلي اتفاق بشأن برنامج إيران النووي مصحوباً بالإعلان عن مد مهلة الاتفاق علي هذا الموضوع دليلاً واضحاً علي تقارب أمريكاوإيران، فلم تصدر من أي منهما تهديدات للآخر بعواقب وخيمة في حالة عدم الوصول لاتفاق، وفي رأينا وكما قلنا مراراً في الماضي فإن إيران ليست علي وشك أن تصبح قوة نووية، فإن إنتاج سلاح نووي أصعب كثيراً جداً من مجرد عمليات تخصيب اليورانيوم التي تقوم بها إيران حالياً، ويبدو واضحاً أن كلاً من أمريكاوإيران لا تريدان توتر علاقاتهما بسبب برنامج إيران النووي الذي يبدو أن الطرفين نحياه جانباً نتيجة ظهور الدولة الإسلامية. هناك شائعات بأن الدولة الإسلامية يتم تمويلها من قوي عربية، ولكنه من غير المنطقي أن تمولها السعودية إذا كلما قويت الدولة الإسلامية قويت العلاقة بين أمريكاوإيران، فأمريكا لا تستطيع التعايش مع خلافة إسلامية قد تصبح يوماً ما قوة إقليمية كبري، وكلما زاد خطر الدولة الإسلامية زادت حاجة أمريكاوإيران لبعضهما بعضاً، وهذا يسير علي طول الخط ضد مصلحة أمن السعودية، فالسعودية محتاجة لوجود توتر بين أمريكاوإيران بصرف النظر عن الاعتبارات الدينية والأيديولوجية، فتحالف إيرانوأمريكا يكون قوة ضخمة تهدد النظام السعودي في وجوده، والدولة الإسلامية لا تشعر بالود نحو الأسرة المالكة السعودية، ودولة الخلافة قد تتمدد في اتجاه السعودية، وقد رأينا بعض أتباع الخلافة يظهرون في السعودية، والسعودية مشغولة بالعراق ولابد أن تحاول الآن تقوية القوي السنية من غير دولة الخلافة حتي تضعف العلاقة بين أمريكاوإيران. وضع أمريكا في مركز الشرق الأوسط: بالنسبة لأمريكا فقد أظهرت الدولة الإسلامية أنها تري أن فكرة انسحاب أمريكا من الشرق الأوسط غير واقعية، وفي نفس الوقت فإن أمريكا لن ترسل قوات عسكرية كبيرة للعراق، وقد فشلت أمريكا في الوصول إلي عراق مستقر موال لأمريكا في المرة الأولي، ومن غير المحتمل أن تنجح هذه المرة فيما فشلت فيه أولاً، إن القوة الجوية الأمريكية تمثل قوة ضغط هائلة ضد الدولة الإسلامية وتمثل وجوداً أمريكياً رمزياً في المنطقة، كما تمثل حدوداً لهذه القوة، والاستراتيجية الأمريكية بتشكيل تحالف ضد الدولة الإسلامية، معقدة جداً حيث إن تركيا لا تريد أن تنجر لهذا التحالف وتحارب معه دون الحصول علي ثمن كبير لاشتراكها، والإيرانيون يريدون تخفيف الضغط علي برنامجهم النووي مقابل مساعدتهم للتحالف، والسعوديون واعون للخطر الذي تمثله إيران عليهم. ومن الجدير بالذكر أثر وجود الدولة الإسلامية علي العلاقات بالمنطقة، فظهورها إلي الوجود أعاد أمريكا مرة ثانية إلي مركز النظام الإقليمي، كما أنها اضطرت القوي الثلاث الرئيسية في المنطقة لإعادة تحديد علاقاتها مع أمريكا في مختلف المجالات، كما أحيت أكثر مخاوف تركياوإيران والسعودية، فتركيا تريد تجنب العودة إلي أكبر كوابيس الامبراطورية العثمانية وهو السيطرة علي العرب، وإيران اضطرت لإعادة التقارب مع أمريكا لمقاومة صعود العراق السني والسعودية، كما اضطر شاه إيران لذلك في الماضي، بينما سببت الدولة الإسلامية إحياء مخاوف السعودية من أن تتخلي عنها أمريكا لحساب إيران، كما تفزع أمريكا من احتمال عودتها للانغماس عسكرياً في العراق. وفي النهاية فمن غير المحتمل أن تبقي الدولة الإسلامية علي قيد الحياة فوق الأرض التي تحتلها، فالحقيقة أن تركياوإيران والسعودية في انتظار أن تحل أمريكا مشكلة الدولة الإسلامية بقواتها الجوية وبقوات برية محدودة، وهذه الأعمال لن تدمر الدولة الإسلامية ولكنها ستدمر قدرتها علي احتلال الأرض وبالتالي تضطره للعودة إلي كونها مجموعة حرب عصابات وإرهاب، والواقع أن ذلك يحدث فعلاً الآن ولكن بمجرد وجود هذه الجماعة وحتي بصفة مؤقتة قد أذهل المنطقة وأشعرها بأن افتراضاتها السابقة، لا تتماشي مع الواقع الحالي، فتركيا لن تستطيع تجنب مزيد من الانزلاق إلي الصراع، وإيران عليها أن تتعايش مع أمريكا، والسعودية ستنظر بجدية نحو المخاطر التي تتعرض لها، وبالنسبة لأمريكا فإنها تستطيع الانسحاب من المنطقة حتي لو عمت فيها الفوضي، ولكن الدول الثلاث لا تستطيع الانسحاب وهذا هو ما أظهرته الدولة الإسلامية بوضوح. وإلي هنا ينتهي المقال المسموم الذي يصر علي تسمية العصابة الإرهابية بالدولة الإسلامية ويتجنب تماماً الإشارة إلي العبث الإجرامي للأصابع الأمريكية في المنطقة بخلق داعش لتدمير المنطقة، وخلق السيناريوهات البديلة لو فشلت المؤامرة الأساسية، وفي الختام فإننا ندق بعنف ناقوس الإنذار للخطر الذي تتعرض له مصر لو أحكمت المؤامرة قبضتها علي مضيق باب المندب عن طريق عملاء إيران من الحوثيين، وبالتالي خنق البحر الأحمر وتعريض كل ما تبنيه مصر حالياً من قناة موازية لقناة السويس وكل المشروعات الضخمة المخطط لها لحصار قد يضيع كل ما تبنيه من جهد وما نبذله من عرق، ونقول في الختام: وفي الأرض شر مقادير لطيف السماء ورحماتها ونجا الكنانة من فتنة تهددت النيل نيرانها نائب رئيس حزب الوفد