سؤال، ماذا سيحدث من تطورات على صعيد العلاقات "الإسرائيلية" - الأمريكية بعد يوم 3 مارس/آذار المقبل، وهو الموعد المقرر لإلقاء بنيامين نتنياهو رئيس حكومة الكيان الصهيوني خطابه أمام الكونغرس الأمريكي بدعوة من رئيس مجلس النواب؟ الخطاب لم يعد يشغل القوى السياسية "الإسرائيلية" المعارضة أو المنافسة لنتنياهو وحزب الليكود فقط، لكنه امتد إلى قادة الجالية اليهودية الأمريكية ومنظماتها المؤثرة، وإلى شخصيات يهودية داخل الكونغرس على غرار بارني ساندرس السيناتور اليهودي الذي أعلن رسمياً أنه سوف يتغيب رسمياً عن الخطاب، وذلك بعد ما بدأت أوسع حملة تواقيع بين أعضاء الكونغرس على عريضة تطالب رئيس مجلس النواب جون بوينر، بتأجيل الخطاب إلى ما بعد الانتخابات "الإسرائيلية"، وعلى غرار إبراهام فوكسمان الزعيم اليهودي المهم مدير رابطة حظر التشهير (المنظمة اليهودية الكبرى في الولاياتالمتحدة) الذي عبّر بوضوح لا لبس فيه أنه ضد ظهور نتنياهو في الكونغرس . هذا السؤال قد يعتبره بعضهم متعجلاً أكثر مما يجب من منطلق الوعي بالعلاقات الوثيقة شديدة الخصوصية التي تربط بين الولاياتالمتحدة والكيان الصهيوني، وهي علاقات يمكن اعتبارها عصية على التغير، ويفضل هؤلاء حصر الخلاف بين الإدارة الأمريكية والحكومة "الإسرائيلية" ورئيسها نتنياهو، وهو خلاف سوف يؤثر حتماً في مواقف الإدارة الأمريكية من قضايا تهم "إسرائيل" . لكن يبقى السؤال الأهم بعيداً عن البحث على المستوى العربي وهو: أين نحن (العرب) من هذه التطورات؟ وكيف لنا أن نتعامل معها بهدف توسيع فجوة انعدام الثقة بين الإدارة الأمريكية والحكومة "الإسرائيلية" على أمل أن تؤدي هذه الفجوة إلى إحداث تغير في تلك الخصوصية التي تحكم العلاقات الأمريكية - "الإسرائيلية" . التعامل مع هذا الموضوع يستلزم البحث في أصول الخلاف الراهن ووضعه في حجمه الطبيعي، سواء من المنظور "الإسرائيلي" أو من المنظور الأمريكي حتى يمكن الحديث عن سيناريوهات مستقبلية لمردود هذا الخلاف . بالنسبة للموقف "الإسرائيلي" يرى نتنياهو أن موقفه من الذهاب إلى الكونغرس الأمريكي وإلقاء خطاب هناك دون موافقة الإدارة الأمريكية محكوم باعتبارين، أولهما الموقف "الإسرائيلي" الرافض لأي اتفاق بين إيران و"مجموعة دول 5 +1" يقر بتحول إيران إلى دولة "حافة نووية"، وثانيهما تعزيز مبررات إصرار رئيس الحكومة "الإسرائيلية" على إلقاء خطابه أمام الكونغرس في موعده المقرر يوم 3 مارس/آذار المقبل، أي قبل أربعة أسابيع فقط من موعد إجراء الانتخابات البرلمانية المبكرة في "إسرائيل" . بين هذين الاعتبارين يرى نتنياهو أن كلا الطرفين، إيران ومجموعة "دول 5+1" يهرولان نحو التوصل إلى اتفاق نووي مع إيران يعتبره سيئاً ويجب منعه بشتى السبل، ومنها اللجوء إلى الكونغرس الأمريكي لتحفيزه على رفضه ودفعه لفرض عقوبات جديدة يكون من شأنها دفع إيران إلى الانسحاب من المفاوضات . ضمن هذا السياق نقلت القناة العاشرة "الإسرائيلية" عن مصدر "إسرائيلي" رفيع تبريره إصرار نتنياهو للسفر إلى واشنطن بأن الولاياتالمتحدة وافقت على السماح لإيران بالاحتفاظ ب 7000 جهاز طرد مركزي، وبنحو 80%من مخزون اليورانيوم المخصب الموجود لديها، أما وزير الحرب موشيه يعلون فكان أكثر وضوحاً وتحديداً عندما كشف حقيقة الموقف "الإسرائيلي" من الاتفاق المزمع مع إيران بأن "إسرائيل" تريد "اتفاقاً شاملاً، وليس اتفاقاً في موضوع محدد"، في إشارة إلى أن "إسرائيل" تريد انتزاع تنازلات من إيران بخصوص الموقف الإيراني منها، ومن دعم المقاومة العربية في لبنان وفلسطين، يعلون حدد أمام المؤتمر الثامن لمركز أبحاث الأمن القومي موقف "إسرائيل" الرسمي بالقول "إن عدم التوصل إلى اتفاق أفضل من اتفاق سيئ"، بهذا المعنى يمكن تحديد الموقف "الإسرائيلي" من أزمة البرنامج النووي الإيراني في أحد خيارين: إما اتفاقية شاملة تكون "إسرائيل" طرفاً فيها حول كل القضايا، أي تنازل إيران عن مواقفها العدائية من "إسرائيل" وإما إفشال المفاوضات والاستمرار في العقوبات . هذا التصور يراه "إسرائيليون" معارضون تصوراً خيالياً وإن خطاب نتنياهو في الكونغرس لن يؤثر بالشكل المأمول في سياسة البيت الأبيض أو وزارة الخارجية الأمريكية، بل إنه لن يحول الموضوع النووي الإيراني إلى قضية رأي عام أمريكي من خلال الكونغرس، فالرأي العام الأمريكي مشغول بقضايا أخرى فرعية، أما الإدارة الأمريكية فستكون مشغولة بقضايا مهمة ترى أن لها الأولوية قبل الأزمة المتصاعدة مع روسيا، والتصعيد المتواصل في الحرب الأهلية الأوكرانية، إضافة إلى البحث في صلاحيات الرئيس لإرسال قوات برية للحرب في الشرق الأوسط ضد الإرهاب، وفي مقابل هذا الفشل فإن نتنياهو، وكما يقول شلومو شامير في صحيفة "معاريف" ورط يهود الولاياتالمتحدة في معضلة الولاء المزدوج بين "إسرائيل" والولاياتالمتحدة . أما صحيفة "هآرتس" فقد طالبت في افتتاحيتها نتنياهو ب"التخلي عن الخطاب" لأنه يسعى عبره إلى بث الشقاق بين المشرعين الأمريكيين ورئيسهم وهذا تدخل مرفوض" . أما الموقف الأمريكي وبالتحديد موقف الرئيس فيرى أن نتنياهو يسعى من وراء خطابه لتحقيق أهداف انتخابية لصالح حزبه وهذا أمر مرفوض مبدئياً، كما أن الإدارة الأمريكية من حقها أن تبحث كل الخيارات مع إيران ومنها بالطبع خيار التفاوض . واضح أن أوباما ونتنياهو يسيران في طريق الافتراق، وأن إيران ستكون المستفيد الأول من هذا الخلاف، أما الخاسر حتماً فهو نتنياهو، ومعه "إسرائيل" بسبب ما سوف يحدث وما يحدث من انشقاقات في صفوف اليهود الأمريكيين داخل الكونغرس وخارجه حول تحديات نتنياهو للرئيس الأمريكي والديمقراطيين عموماً . نقلا عن صحيفة الخليج