مهما مرت السنين، تظل ذكراها العطرة خالدة في وجدان الملايين عبر العصور. إنها كوكب الشرق أم كلثوم، وهي بدون شك أفضل مطربة في تاريخ الأغنية العربية على الإطلاق وهبها المولي سبحانه وتعالى حنجرة ذهبية تمتعت بمواصفات قياسية. صوت قوي حساس معبر مؤثر إلي أبعد مدى. أضف إلي ذلك جمال الصوت والشجن، وأعذب الألحان وأرق الكلمات. رحلة أم كلثوم مع الغناء تعدت النصف قرن، وأول من اكتشفها كان والدها الشيخ إبراهيم البلتاجي، وهي في سن مبكرة، وكان يصطحبها معه لتنشد في فرقته حيث كان يعمل كمنشد. ويمكن القول إن رحلتها الحقيقية مع الغناء بدأت 1923، حيث جاءت للقاهرة وتتلمذت علي يد الملحن الكبير الشيخ أبو العلا محمد، وتعرفت في هذا التوقيت علي الشاعر أحمد رامي، والملحن الشيخ زكريا أحمد، والملحن محمد القصبجي. كان هؤلاء جميعاً رفقاء الدرب منذ البداية، وبلا شك كان لهم فضل كبير في ظهور وتوهج تلك الموهبة الفذة. في تلك الفترة غنت أم كلثوم مجموعة من الأغنيات كانت مختلفة تماماً، يرقى في المعاني التي كانت هابطة في تلك الفترة وألحان مختلفة، منها أغنيات «لو كنت أسامح»، و«يا ريت كل الناس فرحانة»، و«النوم يدعب عيون حبيبيى». وبدأت مشوارها مع السينما في منتصف الثلاثينيات، واستمرت حتي عام 1947 في أفلام: «دنانير» و«نشيد الأمل» و«عايدة وسلامة» وأخيراً «فاطمة». قدمت خلالها مجموعة كبيرة من الأغنيات القصيرة، منها «غنيلى شوى» و«الفوازير» و«حقابله بكره» و«جمال الدنيا» و«يا صباح الخير»، وتعرض الآن المحطات الرئيسية لأم كلثوم في كل حقبة. في الأربعينيات، بدأت رحلة أم كلثوم مع الأغاني الطويلة، بدأتها برائعة «رق الحبيب» ألحان محمد القصبجي وكلمات أحمد رامى، أغنية أقل ما يقال عنها «تحفة» بكل المقاييس. والروائع الأخرى: «ياللي كان يشجيك أنيني» و«أنا في انتظارك» و«سهران لوحدى» و«حلم» و«الآهات» و«أهل الهوى يا ليل» و«سلوا قلبي» ومع مطلع الخمسينيات قدمت أم كلثوم الكثير من الروائع معظمها من ألحان رياض السنباطى، منها «أروح لمين» و«أقولك إيه عن الشوق» و«الحب كده» و«عودت عيني» و«لسه فاكر» و«يا ظالمنى» و«هجرتك». ومع بداية الستينيات بدأت أم كلثوم مرحلة جديدة، حيث تعاونت لأول مرة مع الموسيقار الفذ بليغ حمدي في رائعة «حب إيه» كلمات عبدالوهاب محمد، وقدم لها أعذب الألحان حتي رحيلها «سيرة الحب» و«فات الميعاد» و«ألف ليلة وليلة» و«بعيد عنك حياتي عذاب» و«ظلمنا الحب» و«كل ليلة وكل يوم» و«الحب كله» وأخيراً «حكم علينا الهوى». ولا ننسي رائعة «هو صحيح الهوى غلاب» ألحان زكريا أحمد 1961. وفي فبراير 1964 كانت البداية مع موسيقار الأجيال محمد عبدالوهاب لقاء السحاب مع رائعة «أنت عمرى». قدمت بعدها من ألحان عبدالوهاب: «أنت الحب» و«أمل حياتى» و«فكرونى» و«هذه ليلتى» و«دارت الأيام» و«أغداً ألقاك» وأخيراً «ليلة حب» كما تعاونت مع الموسيقار الكبير محمد الموجي في رائعتى «للصبر حدود» و«اسأل روحك» وأغاني فيلم «رابعة العدوية». وفي عام 1966 قدمت أم كلثوم أحد أبرز الكلاسيكيات في تاريخ القصيدة العربية المغناة «الأطلال»، تأليف الدكتور إبراهيم ناجي، ألحان رياض السنباطى. ولا ننسي بالطبع مجهودها لمساعدة مصر عقب نكسة 1967، وجمعها الأموال للمجهود الحربى من خلال العديد من الحفلات فى الداخل والخارج، ولأنها عبقرية فذة كانت أم كلثوم تبحث عن الجديد دائماً حتي بعد أن بلغت سن السبعين، أدخلت الآلات الغربية واستعانت بعازفين شباب، عمر خورشيد عازف الجيتار، ومجدي الحسيني عازف الأورج، لتضفي مزيداً من الجمال علي أغانيها واستعانت لأول مرة بالموسيقار الشاب سيد مكاوى 1972 ولحن لها رائعة «يا مسهرنى». ولا ننسي رائعتها في المرحلة الأخيرة «أقبل الليل» و«من أجل عينيك» و«القلب يعشق كل جميل» كلمات بيرم التونسي وألحان رياض السنباطى وغنتها في آخر حفلاتها مع رائعة «ليلة حب» يوم 3 يناير 1973. وسجلت آخر أغانيها باستديو 355 بالإذاعة «حكم علينا الهوى» في مارس من نفس العام، ورحلت يوم الاثنين 3 فبراير 1975. كان هذا مجرد إطلالة علي رحلة كوكب الشرق، لن تكفي أي كلمات للتعبير عن عطاء كوكب الشرق وعظمتها الغنائية. وستبقي أبد الدهور رمزاً للغناء العربي الأصيل وملكته المتوجة بلا منازع.