«في بلاد سوريا والنوبة، وفي أرض مصر، تضع أيها الإله آتون، كل شيء في مكانه.. وبإرادتك أيها الإله آتون، خلقت الأرض والإنسان والحيوان، وخلقت أرض سوريا كما خلقت أرض مصر .. فأنعم علي سوريا بمثل ما أنعمت علي مصر».. نقرت هذه الكلمات فى نشيد الفرعون (إخناتون) للإله (آمون).. ويروى لنا التاريخ أنه كانت هناك وحدة سياسية دستورية تضم من قبل عهد (إخناتون) البلاد الفرعونية والبلاد الفينيقية، التي انتكست بموت (إخناتون) ثم تجددت في العهدين الفاطمي والأيوبى وفي سنوات من حكم جمال عبدالناصر.. فالعلاقات المصرية السورية علاقات تاريخية تعود لعصر الفراعنة. يعتبرالملف السورى الملف الأهم بالنسبة للأمن القومى المصرى، فلا ينبغى لمصر أن تكون خارج الحسابات الإقليمية والدولية بالنسبة للملف السورى، فمصر الدولة الوحيدة ذات الشأن بالملف السورى التى لم تتلوث يدها بدماء الأشقاء السوريين من كل الأطراف المتنازعة فى سوريا، ثم أن مصر لها رصيد داخل الدول السورية ولدى الشعب السورى، فالدم المصرى والسورى امتزجا سوياً لخدمة القضايا الوطنية للبلديين، ولذلك فإن ظهور مبادرة مصرية فى هذا التوقيت بالذات سيكون كفيلاً للم الفرقاء السوريين حولها، فهم الآن فى أمس الحاجة لمبادرة مصرية، وبالأخص لإنهاء نزيف الدم، ووقف الدمار الذى لحق بكل الأراضى السورية، الذى كاد يفتك وإن كان قد فتك بالفعل بمكونات الدولة السورية، إن المبادرة المصرية ليست ذات أهمية للدولة السورية فحسب، ولكنها هدية من المولى عز وجل لنظام الحكم الجديد فى مصر، من أجل إرجاع الدور المصرى المحورى والفعال فى محيطها الإقليمى والدولى، وكنس سياستها القديمة البالية التى قزمت من الدور المصرى وأفقدته ثقله الإقليمى والدولى. إن بقاء هذا الوضع فى سوريا على هذا النحو، الخاسر الأكبر فيه بعد الشعب السورى هو الأمن القومى المصرى والعربى، والمستفيد الأكبر مما يحدث الآن فى سوريا هى إسرائيل التى تعيش الآن أسعد سنواتها ونشوة الانتصار ترتسم على شفاه قادتها، فهم لم يتخيلوا أن تنهار الدولة السورية، بيد أبنائها وبدون أدنى عناء منها. إن أى مبادرة من الدولة المصرية ينبغى لها أن ترتكز على عوامل نجاح حتى تؤتى ثمارها، وأول هذه العوامل هو: التأييد العربى لها، وبالأخص (الخليجى) خاصة بعد أن تأكد جليا لدول الخليج أن سقوط الدولة السورية، وإضعاف الجيش السورى يضر بالاستقرار فى دول الخليج ويزيد من قوى الميليشيات الإرهابية التى تتربص بالخليح للإجهاز عليه بدعاوى باطلة لا تمت للإسلام بأى صلة، ورصيد مصر الآن لدى الخليج العربى ملىء بالتقدير والمحبة، خاصة بعد 30 يونية، وتأكيد القيادة المصرية أن أمن الخليج هو أمن مصرى، أيضاً علاقة مصر الآن بالدولة الروسية وتوافق الرؤى بين الدولتين فى القضايا الدولية والإقليمية والرصيد الروسى فى سوريا ودعمها لنظام الأسد يشكل عاملاً مهماً وأساسياً من عوامل النجاح لهذه المبادرة.. وأما بالنسبة للدولة الإيرانية الداعمة للنظام السورى فستكون مجبرة على دعم (المبادرة المصرية)، خاصة أنها أرسلت الكثير من الإشارات للدولة المصرية لتحسين العلاقات بينهما.. كذلك الموقف العراقى فسيكون داعماً هو الآخر لتلك المبادرة، خاصة أن الصراع فى سوريا يضر بالحالة الأمنية فى العراق، وتحديداً بعد ظهور تنظيم داعش واتخاذه للأراضى السورية كنقطة انطلاق نحو تحقيق انتصاراته على الأرض العراقية.. أما الموقف التركى فسيكون لا حول له من (المبادرة المصرية) وذلك بعد أن تأخذ التأييد الإقليمى، وظهورها بأن مصالحها ستكون فى حالة استمرار الحرب فى سوريا، وتحقيقها لمنافع مادية كبيرة من تنظيم داعش من جراء بيع البترول السورى أو العراقى لصالح التنظيم، أو توريدها السلاح للتنظيم. ويجب أن يعلم الفرقاء فى سوريا أن استمرار وتيرة الحرب والإصرار على إسقاط بشار الأسد بالقوة المسلحة باهظ الثمن، وسيكون ذلك على حساب مزيد من دماء الشعب السورى ومقدراته، وأن الحفاظ على ما تبقى من الجيش السورى هو أمر حتمى، للإبقاء على وحدة التراب الوطنى السورى، ومواجهة التنظيمات الإرهابية المنتشرة على الأراضى فى المنطقة، كما أن بقاء بشار الأسد فى السلطة لن يكتب للدولة السورية الاستقرار، وسيزيد ويشعل العنف المستعر، ويغذى التنظيمات الإرهابية، إذن يجب أيجاد مخرج سياسى يؤدى فى نهاية الأمر إلى استبعاد بشار الأسد عن الحكم، مع الحفاظ على وحدة البلاد، والبحث عن بدائل تضمن إنهاء هذا الصراع، لا يكون فيه غالب ولا مغلوب بالقوة المسلحة.