كشفت الأزمة العراقية والدور الإيراني فيها عن الحقيقة التي ظلت تخفيها طهران وحلفاؤها فى المنطقة عن سياستها التوسعية، وأن تخليها عن مبدأ تصدير الثورة الذى تبناه إمامها الخمينى لم يكن إلا تكتيكًا مؤقتًا من أجل كسب المزيد من الوقت والمساحات على الأرض، وإنما ظلت تعمل فى واقع الأمر على تطبيقه. واليوم اكتشف الجميع أن هذا المبدأ ظل هو المبدأ الحاكم فى سياسة إيران الخارجية رغم التصريحات والخطابات الكاذبة التى تبثها وسائل الاعلام الايرانية والتابعة لها او ما يصدر عن كبار المسئولين الايرانيين، ورغم تحذير الكثيرين من السياسة الايرانية التوسعية التى تستهدف بها بسط هيمنتها على شئون المنطقة ودولها، إلا ان البعض ظل يدافع عن ضرورة تبنى مبدأ حسن النية فى التعامل مع طهران واطماعها، صحيح أن مبدأ حسن النية من المبادئ الحاكمة فى العلاقات الدولية إلا انه يظل مرهونا بمدى ما يمارسه الطرف الاخر من سياسات، فمن غير المعقول ان تظل طهران تتدخل فى الشئون الداخلية لكل دول الجوار سواء اكان تدخلا مباشرا كما هو الحال فى لبنان واليوم فى العراقوسوريا وغيرها ام تدخل غير مباشر عن طريق دعم جماعات وتنظيمات ارهابية فى بعض البلدان العربية كما هو الحال فى دول الخليج وعلى الاخص فى مملكة البحرين التى عانت كثيرا من هذه التدخلات السافرة ولعل الازمة الاخيرة التى واجهتها المملكة فى فبراير ومارس 2011 اظهرت الوجه القبيح للدولة الايرانية وتحالفاتها مع تنظيمات ارهابية حاولت الاستفادة من التحولات التى تمر بها المنطقة من أجل اغتصاب السلطة وتفكيك المجتمع وانهيار الدولة وتقديمها كجزء من الامبراطورية الفارسية المزعومة. واليوم يأتى تدخلها فى الازمة العراقية بعدما واجهت مشكلات عدة فى كيفية بسط سيطرتها على الاوضاع فى العراق فى ظل التناحر الداخلى بين مختلف الفصائل والتنظيمات العراقية السنية والكردية والشيعية بل بين الفصيل الواحد كما هو الحال بين الفصائل الشيعية التى ترفض حكم نورى المالكى الحليف الايرانى بل الوكيل الايرانى فى الدولة العراقية. ولم تقتصر الصعوبات التى تواجهها ايران فى المنطقة على الازمة العراقية بل الاوضاع المتردية فى سوريا وكذلك وقوف لبنان على مشارف الحرب الاهلية بسبب سياسات حزب الله واطماعها، يمثل تهديدا لمشروع ايران التوسعى. فضلا عن وقوف دول الخليج فى مواجهة المخططات الايرانية التوسعية وكذلك نجاح الثورة المصرية فى الثلاثين من يونيو واسقاط حكم الجماعة الموالية لطهران فى مصر والتى فتحت ابواب مصر على مصراعيها من أجل عودة للدور الايرانى فى مصر. كل هذه الوقائع تؤكد على أن المشروع الايرانى واجه تحديات عدة وصعوبات جمة عطلت مسيرته ومثلت عراقيل امام اتمامه، إلا ان الدور الامريكى فى المنطقة ياتى دائما منقذا لمشروعها التوسعى، ففى البداية حينما وقفت دول الخليج امام الاطماع الايرانية فتحت الولاياتالمتحدة الباب امام مفاوضات ايرانية اوروبية- امريكية بشان برنامجها النووى الذى يهدد امن المنطقة واستقرارها ومنحت طهران الفرص لاستكمال هذا البرنامج تحت مزاعم المفاوضات التى تستهدف استنزاف الوقت، وحينما تراجع نظام بشار الاسد القاتل فى الازمة السورية وكادت المعارضة السلمية ان تحقق نجاحات حقيقية على ارض الواقع تراجعت الولاياتالمتحدة لتمنح قبلة الحياة الى النظام الاسد الوكيل الايرانى فى حكم سوريا والامر تكرر فى لبنان، واليوم يتكرر فى الازمة العراقية حينما يعلن وزير الخارجية الامريكى عن ان المفاوضات مع طهران تشمل الملف العراقى، فهل طهران هى المسئول عن الامن العراقى والاستقرار ام البلدان العربية بصفة عامة والخليجية بصفة خاصة على أساس ان العراق دولة عربية ضمن منظومة جامعة الدول العربية؟ هل تعتبر الولاياتالمتحدةالعراق جزء من الدولة الفارسية ومن ثم تتفاوض وتشارك ايران فى كيفية استعادة الامن والاستقرار الى العراق بعدما قدمتها واشنطن على طبق من ذهب الى الملالى فى طهران؟ ملخص القول إن الولاياتالمتحدة تلعب دورا مشبوها فى المنطقة يحاول ان يؤجج الصراعات بين الاطراف الاقليمية من جانب ويثير الصراعات المذهبية والطائفية من جانب أخر لاستكمال مخططاتها التى ارست قواعدها وزيرة الخارجية السابقة رايس بشان الفوضى الخلاقة، وهو ما يستوجب من البلدان العربية وخاصة الحلف الذى بدأ فى الظهور بعد ثورة الثلاثين من يونيو بين مصر والسعودية والامارات والبحرين أن يقفوا حائط صد أمام المخططات الامريكية التى تتماهى مع الأطماع الإيرانية وطموحاتها.