قيل إن وزارة الزراعة لن تشترى محصول القطن بعد اليوم، وسمعت أن القطن المصرى طويل التيلة الذى كان نفتخر به زمان لم يعد مطلوبا، وسمعت كذلك أن مصانع الغزل تعتمد فى عملها على قصير التيلة، ويقال إن الفلاحين قرروا عدم زراعته مرة أخرى، وأن هذا الموسم هو المرة الأخيرة التى نرى فيه ورد النيل فى الغيطان، ولم أقرأ تصريحاً لمسئول يوضح فيه هل سنزرع قصير التيلة أم أن المناخ المصرى لا يسمح بنموه؟. زمان، من كتير قوى، كنت فى الصف الثاني أو الثالث الابتدائى، طلبت من جدي الحاج بسيونى أن أشارك فى فرق تنقية دودة القطن، كان هو المسئول عن الجمعية الزراعية، وعن تنظيم هذه الفرق، كنت أخرج معه في الصباح الباكر وأشاهده وهو ينظم هذه الفرق ويوزعها على الغيطان، وكان يضع على رأس كل فريق ما يسمى بالخولى، يقود الفريق ويتابعه ويقدم تقريراً فى نهاية اليوم عن أداء كل عضو فيه، وكان يشارك في هذه الفرق معظم أطفال وصبية وشباب القرية، فى مساء أحد الأيام طلبت من جدي أن يدفع بى إلى أحد الفرق، رفض وبشدة وقال: ولاد الحاج بسيونى لا ينقون الدودة اتحايلت عليه وترجيته طوال الليل: والنبي يا سيدى، والنبي، وكان على رفضه وكلمته، بقى على آخر الزمن حد من أولادي ينقى الدودة، في الصباح خرجت معه كالعادة لتنظيم الفرق والدفع بها، قبل خروجنا من المنزل قال لى: هو أنت يا ولد ما تعرفش مقام جدك، عيب لما تطلع فى فرق الدودة، أنا هديك أجرة نفرين ولا تهين نفسك وتهنا، يا ولد أنت ابن الحاج بسيونى، افرض الخولى ضربك ولا أخدت ضربت شمس هتبسط أنا بقى. أمام الجرن وقف يتمم على الفرق وتدوين أسماء أعضاء كل فريق، مسكت بيده ونظرت إليه: والنبي يا جدي نادي على أحد الشباب، لا أذكر اسمه، لكنه كان من الشباب الذين يثق بهم: خد الولد ده معاك، خلى بالك منه، حسك عينك حد يزعله. اكتب اسمه فى الأنفار يابا الحاج؟ لأ ده أجرته على أنا. قبل نرحل على الغيطان أجريت عملية تعديل في رؤساء الفريق، وتم تغيير الخولى الذي أوصاه جدي على، ولم أكتشف عملية التعديل سوى في الطريق إلى الغيط، وأظن أن جدي نسى، في الغيط تم توزيعنا على الخطوط، وطلب منا الخولى أن نقطع الورقة المصابة باللطعة، هكذا كانوا يسمون الدودة في الغيط، وحذرنا الخولى من الإهمال أو الاستهبال. اللي هلاقى وراه لطعه هضربه ثلاث خرزانات، ولوح بخرزانة طويلة في يده لم أكن اعرف ما هى اللطعة ولا شكلها، ولم أكن اعرف أن الخط بهذا الطول، وأنه مليء بأشجار القطن المصابة، كل الذى عرفته وتأكدته منه هذا اليوم أننى ضربت ضرباً مبرحاً ترك أثاره على يدى وعلى ظهرى وقدمى، كنت أفتح يدى وأبكى من الألم، وكانت دموعى تملأ عينينى، وفى الظهيرة كانت فترة الراحة وتناول وجبة الغداء، فجلست بعيدا عن الأطفال لأنني لم أكن قد حملت معى وجبة من المنزل، وقبل أذان المغرب عدنا إلى القرية، وصعدت إلى شقتنا، وكانت والدتي تعتقد أنني مع جدى، فاكتشفت اتساخ وجهى وملابسي، أدخلتني الحمام لكى استحما، وفوجئت بعلامات الخرزانة فى كل قطعة بجسدى، أخذتني وهى تبكى لوالدى وكان يقرأ فى احد الكتب الضخمة، فهون عليها فسحبتنى ونزلنا إلى شقة جدى وكشفت عن جسدى، جن جنون جدى، وضع العباية على كتفه وأدخل قدميه فى المداس، وطلع يجرى إلى الشارع وهو يقول: ابن الكلب يضرب ابنى كده. حكوا لنا فى يوم تالٍ أن جدي أمسك بالخولى على ناصية الحارة وبرك عليه وضربه، وفوجئ الخولى بأن الولد المهمل الذي كان يفوت اللطع هو ابن الحاج بسيونى، وأقسم لجدي أنه لم يكن يعرف، وبكى وطلب من جدي أن يسامحه، فأخرج جدي عشرة قروش من جيبه ووضعها فى يده، وقبل جبهته وقال له غور من قدامى هتدخلني النار، وقالوا إنه جلس يستغفر الله، وأن بعض الرجال هدؤا من روعه، وكانوا يعلمون طيبة قلبه وأنه سوف يسب الشاب ويضربه ثم يطالبه فى النهاية أن يسامحه.