تظل التجارب الفنية ذات الأهداف السامية مصدر السعادة والبهجة بالنسبة للناس، كما تظل مثل تلك التجارب مسجلة بأحرف من النور فى سجلات التاريخ، لما تحمله من عمق وفلسفة تهدف إلى خلق ونشر أجواء المحبة بين أهل الأديان. «المولد والميلاد» التى قدمتها الأوبرا المصرية أمس السبت على المسرح الكبير ومساء غد الاثنين على مسرح سيد درويش بالإسكندرية تجربة تحمل تلك المعانى السمحة، إلى جانب كونها تقدم رسالة للعالم بأن مصر لكل المصريين وليس لأصحاب الأفكار المتطرفة الذين عانينا منهم خلال حكم الرئيس المعزول مرسى ومازلنا نعانى من بعض تلك الآثار فى سيناء. حيث يتواجد بعض الإرهابيين الذين يحاولون من فترة لأخرى تعكير صفو حياة المصريين بالعمليات الإرهابية التى يقومون بها ضد الجيش المصرى العظيم والشرطة، لذلك «المولد والميلاد» تقول للعالم إن المصريين لديهم عزيمة وإصرار على طرد الإرهاب وكل من يحملون أفكاره من الجسد المصرى. فكرة المولد تقوم على شكل فريد من الغناء يجمع بين المرنم والمبتهل حيث غنى المرنم ابتهالاً دينياً، والمنشد أو المبتهل غنى إحدى الترانيم القبطية بالدرجة التى تؤكد أن هناك تناغماً أيضاً بين كل الأديان فى مصر وأن الكل واحد، وصاحب هذه التجربة فريق «الكاروز» بقيادة المرنم الشهير ماهر فايز، ومشاركة المطرب الكبير على الحجار، وهو الأمر الذى يؤكد قيمة وفكر هذا الفنان والتجاوب مع الأفكار التى تهم الوطن والمواطن المصرى. جاءت التجربة عن طريق الفنان باسم درويش، الذى عرض الفكرة على الدكتورة إيناس عبدالدايم التى رحبت بالفكرة وعرض عليها أيضاً فكرة مشاركتها كعازفة للفلوت ورحبت جداً وقررت المشاركة. أما الهدف من الفكرة فهو شىء واحد رسالة غير مباشرة وواضحة للعالم من المشاركين فى الحفل تقول: إن كل ما يردده الإخوان فى أوروبا من أكاذيب بعد ثورة 30 يونية غير حقيقى، بدليل أن المشاركين يمثلون عنصرى الأمة فى مصر المسلمين والأقباط، والجميل فى هذا العمل ليس فى وجود المصريين فقط، ولكن مشاركة فريق من العازفين الألمان أعضاء فرقة «كايرو ستبس» بهدف أن يكونوا شهوداً من قلب الحدث داخل مصر على ما شاهدوه، خاصة أن الأوروبيين لا يقتنعون بالكلام المجرد لكنهم دائماً يحبون مشاهدة الواقع على الطبيعة.. والغريب أن أسرة باسم درويش نفسها كانت تخشى من حضوره للقاهرة لأن زوجته ألمانية وأفكارها نابعة من ثقافتها، ولذلك كان إصراره على إقامة الحدث فى مصر وبمشاركة مجموعة من الألمان، واختيار العازفين تم على أسس أن يكون هؤلاء العازفون لهم سمعة عالمية ووجوههم معروفة للجمهور الألمانى والأوروبى حتى يكون لهم تأثير جيد. مشاركة العازفين الألمان نفسها لم تكن بالسهولة التى يتصورها البعض، حيث عرض الأمر عليهم من باسم درويش ثم منحهم فرصة للتفكير وبعد فترة أعلنوا عن مشاركتهم، وهم: سباستيان مولر عازف بيانو شهير ومايسترو بارع، وهو يصاحب العديد من نجوم الغناء فى ألمانيا وأوروبا، وستيفن هيرجن دور عازف جيتار وماكس كلاس عازف باركشن وفولف جانج عازف ساكس ورغيد وليم عازف آلات نفخ غربى وشرقى، إلى جانب كونه مهندس صوت وأرمن كرومر مدير الفرقة، وباسم درويش على العود. بدأت بروفات الحفل فى ألمانيا لفريق كايرو ستبس منذ 6 شهور، وكانت تقام مرتين شهرياً فى استديو يبعد عن مقر إقامتهم 250 كيلو متراً، كما حضر للقاهرة المايسترو لعمل بروفات مع الموسيقيين المصريين فى نوفمبر الماضى، ثم تجمع كل العازفين لأول مرة فى بروفة كاملة مساء أمس الجمعة. ولأن الحفل كان لابد أن يحظى بصدى جماهيرى فكان على «باسم درويش» أن يستعين بنجم مصرى كبير يمثل شكلاً آخر من المشاركة ويعطي الحفل بعداً جماهيرياً، فتم اختيار المطرب على الحجار الذى وافق بمجرد عرض الفكرة عليه، واقترح «الحجار» عنوان الحفل «المولد والميلاد» حتى يعبر عن احتفال المسلمين بالمولد النبوى الشريف الذى يوافق نفس يوم الحفل والميلاد الذى يحمل ذكرى ميلاد السيد المسيح عليه السلام التى سبقت الحفل بأربعة أيام. لذلك جاء العنوان معبراً «المولد والميلاد»، بل أعلن الحجار عن تبرعه بأجره، وقال: «إن هذا العمل مشروع وطنى وروحى ورسالته هي أن حب الوطن عبادة»، وهو أمر يظهر قيمة هذا الفنان الكبير. أما عن مشاركة المرنم الكبير ماهر فايز فلم يختلف عن رد على الحجار بل أصر علي إهداء الحفل مجموعة من ألحانه الروحية سوف يغنى إحداها معه الحجار كدويتو، وهو ما يظهر روح السماحة التى عليها المصريون مسلمين وأقباطاً. كما أن هناك فريق عمل آخر شارك فى أعمال فنية أخرى مثل الرسام سامح إسماعيل الذى رسم الصور التى سوف تظهر فى خلفية المسرح والمصور فادى جوان مصمم البوستر. السفارة المصرية فى ألمانيا أيضاً كان لها دور كبير فى تسهيل دخول العازفين إلي مصر، حيث منحتهم التأشيرة مجاناً، وتمنت حسب كلام باسم درويش نقل الحفل لألمانيا خلال الفترة القادمة، وكذلك المصريون المقيمون بأمريكا يطالبون باستضافة الحفل فى 6 ولايات أمريكية فى الوقت الذى يحدده نجوم الحفل، إلى جانب دعوة أخرى لكندا. برنامج الحفل تضمن 19 عملاً موسيقياً وغنائياً منها 10 مؤلفات موسيقية هي: (سيوة – عنبر – بكرة – أربسكان – سوا – الإسكندرية – سلطان – سكون – اللحن النوبي) لباسم درويش، وأغنيات (استغفار – نغمة الأوتار – البحر) للفنان الكبير على الحجار، وأغانى (مفرقتيش – بعرف أقول – مين يدوق الحب) للمرنم ماهر فايز، ويغنى الاثنان فى ختام الحفل (لك الحمد من الشعر الصوفى – وشابب على طراطيف عنوانى – دعاء لله) من ألحان ماهر فايز. وقام المايسترو الألمانى بإعادة صياغة الموسيقى بالشكل الذى يتناسب مع الثقافات المختلفة للفنانين المشاركين عازفين ومطربين، وقام بكتابة كل تقسيمة شرقية، وتعامل مع الفلوت والإبوا بكتابة خط موسيقى لهما كما يكتب للأوركسترا، إلى جانب توظيفه لكل الآلات سواء شرقية أو غربية بالشكل المناسب لها. والمختلف عن باقى الحفلات التى شهدتها مشاركة مرنمين ومنشدين أن هذا الحفل لن تفرق بين «المرنم» و«المنشد»، لأن كليهما يقوم بدور الآخر، بينما فى الماضى كان كل واحد يغنى ما يخصه فقط. يصطحب الوفد الألمانى صحفياً يدعى «فيليب» وهو متخصص فى العلوم الإسلامية ويدرس اللغة العربية، والهدف من وجوده نقل الصورة عبر قلمه للخارج. من جانبه قال باسم درويش: أتمنى أن تصل الرسالة من هذا الحفل كما يتمنى، مشيراً إلي أنه يتمنى أن يحمل نسخة مصورة معه من الحفل إلى ألمانيا لعرضها فى بعض القنوات الألمانية كرسالة من مصر، على اعتبار أن مثل تلك الحفلات تتحدث عن نفسها وأكثر بلاغة من أى كلام يقال.