وتحية لهؤلاء الذين حملوا علي أكتافهم هموم مصر التي طرحوها علي مائدة البحث العلمي لتقييم نتائج بناء سد النهضة الإثيوبي علي حاضر مصر ومستقبل شعبها المهدد بالجفاف إذا ما أصرت إثيوبيا علي تعلية السد لمائة وخمسة وأربعين متراً لكي يحجز أمامه أربعة وسبعين مليار متر مكعب من المياه خصماً من نصيب مصر والسودان الطبيعي في مياه النيل الأزرق، وكان الأستاذ الدكتور فتحي أبوعيانة أستاذ الجغرافيا صادقاً في وصف المشكلة بقوله: إن سد النهضة سيحجز أمامه 74 مليار متر مكعب وسوف يقلل ذلك حصة مصر سنوياً بمعدل 16 مليار متر مكعب أي ستفقد مصر ثلث حصتها من المياه، وسيجوع ثلث سكانها بسبب المجاعة المائية التي ستتعرض لها. وقد تنبهنا مبكراً لخطورة سد النهضة الإثيوبي علي مصر والسودان ونشرنا في ذلك ستة مقالات أولها في 12 أبريل 2014 بعنوان «ماذا يحدث للسودان لو سقط السد الإثيوبي بزلزال» بسبب إقامته علي فوالق في القشرة الأرضية صورتها الأقمار الصناعية وأكدها العديد من علماء الزلازل والجيولوجيا ذكرنا أسماء عشرة منهم في مقالنا الثالث المنشور بجريدة «الوفد» بتاريخ أول يونية 2014 وأتبعنا في مقالنا الرابع الإشارة إلي توقعات الإخوة السودانيين إذ ذكر أحمد حسين أحمد عضو البرلمان السوداني عن ولاية النيل الأزرق بأن قلة التمويل ستدفع إثيوبيا إلي تجنب ارتفاع تكاليف بناء السد مما سيضطرنا لعدم بنائه بالشكل الهندسي المطلوب، وهو ما يشكل خطراً كبيراً علي الخرطوم لأنه قد ينهار مما سيؤدي إلي غرق ودمار ولاية النيل الأزرق بأكملها. وفي ذلك السياق صرح السفير الحسن العربي القائم بالأعمال السوداني بأنه في حالة انهيار السد معناه إزالة السودان من خارطة العالم. وشاركه في مخاوفه السفير أحمد الحسن بقوله إنه لا يمكن إنكار وجود تخوفات كبيرة من السد مثل إمكانية أن تكون المواصفات الفنية مفتقدة إلي معامل الأمان وضعيفة، وهذه مسألة فنية بالدرجة الأولي وهي مسألة أمن شخصي وأمن قومي سوداني لأن انهيار السد سيعني إزالة الكثير من القري والمدن السودانية. واقترحنا في مقالنا الخامس بتاريخ 27 يوليو علي وزير الري المصري الدكتور حسام المغازي أن يضم خبير الزلازل العالمي الدكتور رشاد القبيصي إلي وفد المفاوضات حول السد الإثيوبي الذي أكد أن منطقة سد النهضة الإثيوبي قد تعرضت لعشرة آلاف زلزال خلال ثلاثة وأربعين عاماً، وأن البحيرة الملحقة بالسد في أثناء وبعد ملئها سوف تتسبب في حدوث زلازل كبيرة حتي 6.5 درجة بمقياس ريختر مما يهدد سلامة السد واندفاع مياه البحيرة لتغرق ما أمامها بدءاً من السودان حتي مصر.. وأضاف أن سد النهضة وقع في منطقة الأخدود الأفريقي الشرقي المعروفة بنشاطها الزلزالي العالي تاريخياً وحديثاً. وكانت تلك الحقائق حاضرة في مؤتمر المهندسين العرب، حيث أكد الدكتور علاء ياسين مستشار وزير الري للسدود أن سد النهضة لا يسير طبقاً للجدول التنفيذي كما أن له أضراراً بالغة علي مصر خاصة فيما يخص هذه السعة الضخمة التي ستتسبب في أضرار كارثية في التدفقات المائية، ولحل هذه المشكلة لابد أن تمتد سنوات التنفيذ إلي 25 أو 30 عاماً. وقال الدكتور عادل الحديثي، أمين عام اتحاد المهندسين العرب: إن الجميع متفق علي مبدأ لا ضرر ولا ضرار، ولسنا ضد النهضة في إثيوبيا وكذلك لا نقبل الإضرار بمصر والسودان. وقال الدكتور أحمد آدم، رئيس لجنة الموارد المائية باتحاد المهندسين العرب وكيل وزارة الري السوداني: إن خطورة سد النهضة أنه تم إنشاؤه في وسط النيل الأزرق وهي منطقة ليست بها أراض زراعية، وأن المناطق التي بها أراض زراعية في إثيوبيا بها تسعة أنهار لا تتم الاستفادة منها، وأكد أنه لا يمكن أن نترك الأمور للمزاج السياسي الذي يتغير من فترة لأخري، كما أن تحكم إثيوبيا بمفردها في المياه أمر له خطورته، لذلك لابد أن تكون هناك مشاركة في الإدارة. وأكد الدكتور محمود أبوزيد رئيس المجلس العربي للمياه علي الروح الإيجابية الجديدة التي تسود العلاقات بين الدول الثلاث «مصر وإثيوبيا والسودان» منذ تولي الرئيس السيسي مقاليد الحكم في البلاد، وتمني ألا تصل المفاوضات إلي طريق مسدود، وأضاف أن منطقتنا منطقة جافة وتعاني ندرة المياه، وبحاجة إلي توفير احتياجاتها المائية.. وأن إثيوبيا هي المصدر لحوالي 86٪ من مياه النيل، بينما يأتي ما تبقي من مياه النيل وهو 14٪ من دول البحيرات الاستوائية. وأشار الدكتور سامح أرمانيوس إلي أن 95٪ من الإيراد المائي قادم من نهر العطبرة، موضحاً أن مصر تلعب دوراً مهماً لكل دول حوض النيل حيث إنها المصب والمصرف الوحيد لهم ودونها تغرق تلك الدول. وأرجو أن يتقبل اتحاد المهندسين العرب الشكر الجزيل من المواطن الشافعي بشير الذي عاش في السودان عشر سنوات من 1964 حتي 1973 وأحب شعب السودان وأرض السودان ونيلها الأبيض والأزرق، وبقدر هذا الحب الكبير كان قلقه علي أمن وأمان شعب السودان من خطر السد الإثيوبي من الانهيار إذا ما حدث زلزال «كما توقعه علماء الزلازل» وأتبعه الطوفان علي أهلي في السودان الحبيب ومصرنا التي وعدنا ربنا سبحانه وتعالي بأنها آمنة بمقولة يوسف عليه السلام لأهله في القرآن الكريم «ادخلوا مصر إن شاء الله آمنين». ونحن ندافع بقوة عن نعمة الأمان التي أضفاها ربنا سبحانه وتعالي علي دول حوض النيل وبطول مجراه الذي يزيد علي ستة آلاف كيلو متر فارقاً بين دول أعالي النيل غزيرة الأمطار، ودولة المصب لفائض تلك الأمطار الغزيرة عند فتحتي البحر الأبيض المتوسط في دمياط ورشيد.. وسبحان من خلق الكون علي تلك الهيئة.. فمن ذا الذي ينقص هذا التوازن الرباني؟ وما جزاؤه إلا زلزال مدمر بأمر الله كما توقعنا في مقالنا السادس.