ما جرى فى مشروع قانون الاستثمار الجديد غريب وعجيب ويحتاج لتفسير. تبشير واسع بقانون جديد للاستثمار يشجع المستثمرين من كافة دول العالم على ضخ استثمارات جديدة فى مصر ثم إجراء تعديلات متكررة على مشروع القانون وصلت إلى حد عمل عشرة مشروعات متتالية عُرضت جميعا على منظمات الأعمال وجمعيات المستثمرين، ثم إعلان صادم من أشرف سالمان وزير الاستثمار عن التراجع عن القانون الجديد والاكتفاء بتعديلات محددة على القانون القديم. ماذا جرى؟ ولم تراجعت الحكومة عن مشروعها وكيف؟ وهل يصب ذلك فى صالح الاستثمار أم ضده؟ وكيف يمكن جذب استثمارات أجنبية جديدة فى ظل ذلك المناخ المرتبك والمتخبط؟ فى ديسمبر 2013 كانت البداية مع مؤتمر الاستثمار الخليجى الذى استضافته القاهرة، وشهد شكاوى عديدة من المستثمرين العرب حول مقاضاة المستثمرين فى ساحات القضاء وصدور قرارات بمنع بعضهم من السفر أو وضعهم على قوائم ترقب الوصول نتيجة خلاف ما بينهم وبين الحكومة. كذلك كان هناك إجماع على أن عدم وجود تشريع منظم للخروج من السوق أمر مُنفّر للاستثمار الأجنبى والعربى على حد سواء. من هُنا لم تمض أسابيع قليلة على المؤتمر حتى خرج المهندس أسامة صالح وزير الاستثمار السابق بتصريحات صحفية أكد خلالها قيام الوزارة بإجراء تعديلات لقانون ضمانات وحوافز الاستثمار، وهى تعديلات تتضمن تخفيض رسوم دخول وخروج السلع اللازمة للتصنيع ومنح الجهات صاحبة الولاية على الأراضى فى التصرف فيها وفقاً لضوابط يضعها مجلس الوزراء. وقال أسامة صالح وقتها، «إنه استهداءً بقانون البنك المركزي تمت إضافة مادة تستوجب طلب موافقة وزير الاستثمار قبل مباشرة أى من إجراءات التحقيق تجاه المستثمر في الجرائم التي يرتكبها بمناسبة مباشرة أعماله، بالإضافة إلى النص على قصر الطعن على العقود المبرمة من بعض أجهزة الدولة وشركات قطاع الأعمال العام على طرفيها، أي الدولة والمستثمر، على أن تتولى النيابة العامة التحقيق في حالة وجود شبهة فساد. كما تم إيجاد آلية جديدة للحد من لجوء بعض المستثمرين للتحكيم، بإضافة درجة جديدة قانونية، من خلال توسيع اختصاصات لجنة تسوية منازعات عقود الاستثمار، لتتولى اقتراح الحلول المناسبة للتسوية مع المستثمر حَسِن النية، بما لا يخل بحُجية الأحكام الصادرة، ويحقق الحفاظ على المال العام وما في حكمه، ويضمن استمرار النشاط الاقتصادي والمحافظة على حقوق الدولة والعاملين والمستثمرين. ومما قاله الوزير السابق وقتها إن هذا القانون يساهم في تجنيب مصر خطورة لجوء بعض المستثمرين للتحكيم الدولي، وهو ما لا تتحمله الدولة في الوقت الراهن. ولم يكن غريبا ألا يرى القانون النور فى ظل ترقب واهتمام أكبر بالدستور الجديد والانتخابات الرئاسية حتى استقرت الأوضاع مرة أخرى وتم تعيين أشرف سالمان وزيرا للاستثمار وكان من المتحمسين بشدة لوضع تشريع جديد للاستثمار. والغريب أن الدكتور حسن فهمى رئيس هيئة الاستثمار أدلى بتصريحات أوائل سبتمبر الماضى قال فيها إن قانون الاستثمار الجديد سيصدر بحلول نهاية شهر أكتوبر 2014 من رئاسة الجمهورية ولن ينتظر مجلس النواب القادم نظراً لأهمية صدوره في أقرب فرصة. وذكر فهمى - في تصريحات خاصة لوكالة أنباء الشرق الأوسط - أن قانون الاستثمار المعمول به حاليا صدر عام 1997 أي مر عليه حوالى 19 عاما وهو لا يناسب التغيرات الاقتصادية التي شهدتها مصر على مر هذه السنين. وقال إن القانون الجديد يوحد أنظمة الاستثمار مثل نظام المناطق الاستثمارية والمناطق الحرة ومنطقة شمال غرب خليج السويس، وأوضح أن الحكومة ستراعى في القانون الجديد ما واجهته هي والمستثمرون من مشاكل عملية في القانون الحالي. وأشار «فهمى» إلى أن القانون الجديد يمنح مزايا تفضيلية تتناسب مع خطة التنمية الاقتصادية بحيث يشمل مزايا قطاعية وجغرافية، قطاعية بمعنى القطاع الأولى بالاستثمار وجغرافية أي المنطقة الجغرافية المحرومة الأولى بالتنمية وجذب الاستثمارات إليها. وبالفعل شهد شهرا سبتمبر وأكتوبر حواراً متواصلاً حول مشروع القانون الذى أرسلته وزارة الاستثمار إلى اتحاد الصناعات وجمعيات المستثمرين وقدم اتحاد الصناعات مقترحات تفصيلية، لكنه فوجئ بإجراء تعديل على المشروع وأعيد إليه مرة أخرى، ثُم تكرر الأمر عشر مرات كما يؤكد محمد البهى رئيس لجنة الضرائب وعضو مجلس ادارة اتحاد الصناعات ل «الوفد» حتى إنه تمت مناقشة المشروع العاشر فى الأسبوع الماضى. وقال «البهى» إن تصريحات وزير الاستثمار بالعدول عن إصدار القانون الجديد والاكتفاء بتعديلات محددة على التشريع القديم تُمثل صدمة لمجتمع الأعمال بعد تلك المحاورات والمشاورات التى طالت شهوراً. كما أن قناة الجزيرة القطرية استغلت التصريحات للدعاية ضد مناخ الاستثمار المصرى بإعلانها أن الحكومة المصرية تراجعت عن تعهداتها بوضع قانون جديد للاستثمار. وأوضح «البهى» أن الدولة تستهدف عودة الاستثمار المباشر لأنه هو الذى يوفر فرص العمل والعملة الصعبة، وذلك لن يتأتى إلا بتصحيح الصورة الذهنية عن مناخ الاستثمار المصرى. إننا نريد تشريعاً جديداً يحاكى قواعد الدول الأوروبية فى الاستثمار، فلا يعقل أبداً أن يعمل أحداً فى مصر ويتم حبسه. ويضيف «البهى»: آخر مشروع رأيناه كان جيدا، لكن كانت لنا بعض الملاحظات، وكان أهمها أننا لم نجد نصاً واضحاً بحماية خروج المستثمر من السوق، أو حظر أى إجراءات مقيدة للحريات. إن التراجع عن مشروع القانون يمثل ارتباكاً واضحاً فى أداء الحكومة، ويصيب المستثمرين الأجانب والعرب والمحليين أيضا بخيبة الأمل. هكذا يرى المجتمع الصناعى فى مصر ما جرى وينتظرون تفسيراً واضحاً.