إنهاء صاحب قناة دريم الدكتور احمد بهجت لعقد الزميلة دينا عبد الرحمن مقدمة برنامج " صباح دريم " هو احد حقوقه، فهو المالك ومن حق من يملك التعيين أن يملك إنهاء العلاقة التعاقدية ، لكن وفق ضوابط تحددها نصوص العقد وقانون العمل . أما إذا كان العقد قد انتهى هذه الأيام، ورأى مالك القناة عدم تجديده، فهذا حقه أيضا، مع العلم أن رجل الأعمال يفكر دوما بعقلية اقتصادية تسعى للربح، فمن يعمل معه، ويستفيد منه، يحتفظ به ويرفع دخله، وفي الإعلام يحدث ذلك أيضا، لكن الربح وحده ليس الهدف، إنما الرسالة الموجهة للمجتمع يجب أن تسبق تحقيق الأرباح، وقد تعلمنا أن الإعلام رسالة وصناعة وتجارة، أي أن الرسالة لابد أن تسبق الأهداف الأخرى التجارية والربحية، ومن الضروري أن يكون ذلك واضحا في عقل من يملك المحطة، أو من يعمل فيها. وبعد كل اللغط الذي جرى، من الواضح أن حلقة الأحد 24 يوليو الجاري كانت سببا مهما في مغادرة دينا للمحطة. وأنا أرصد هنا مجموعة من الملاحظات على الواقعة وخلفياتها ودلالاتها : الأولى: برنامج " صباح دريم " تحول إلى قراءات صحفية، حيث تتوسع مقدمته في قراءة العناوين والأخبار والمقالات، كما تكثر من استضافة صحفيين وكتابا، وكأنه برنامج عن الصحافة، وليس عن الشئون والأحداث العامة التي تهم المصريين كل صباح. ألا تعلم دينا أن هناك عشرات البرامج على مختلف الشاشات للصحافة والصحف؟. مثل هذه البرامج صارت بمثابة عدوي أطلقها الأستاذ حمدي قنديل، وهو توقف وبدأ الآخرون يقلدونه. وألا تعلم دينا وزملائها أن الانترنت جعل أي قارئ يطالع ما يشاء من صحف بمجرد وضع الجريدة لنسختها الالكترونية، دون انتظار صدور النسخة الورقية ، لكنها مع ذلك تغرق " صباح دريم " بقراءة الصحف حتى الملل؟. الثانية: التوفيق لم يحالف دينا في هذه الحلقة في انتقاء مقال الأستاذة نجلاء بدير، وقراءته على المشاهدين، فاختيارها للمقال يحمل خطأين ،الأول: أن تصريحات اللواء حسن الرويني عضو المجلس العسكري التي علقت عليها نجلاء في مقالها وردت في برنامج دينا في اليوم السابق، وكانت المهنية تفرض عليها ألا تبرز هذا المقال في برنامجها حتى لا تكون هناك شبهة مجاملة للكاتبة . بل إن مسالة قراءة مقال كامل لم يعد مقبولا في برنامج تبثه فضائية تتنافس مع مئات الفضائيات من كل نوع ولون في سماوات مفتوحة. والخطأ الثاني : أن البرنامج كان عليه أن ينظر لنصف الكوب الملآن ،أي لا يكون جزء من الحملة على المجلس العسكري وأعضائه، وهي حملة متصاعدة للأسف من جانب شريحة من الثوار والسياسيين الذين يخشون امتحان الانتخابات فتفرغوا الآن لمهاجمة المجلس وممارسة الإرهاب الفكري عليه. وإهانة المجلس وإضعافه وحشره في الزاوية هو الخطر الأعظم على مصر، فنحن نقبل بالبطء وبالتأخير في تنفيذ أهداف الثورة، لكن لا نقبل بجعل يد المجلس مغلولة عن القيام بدوره في حفظ امن واستقرار مصر خارجيا وداخليا، ومشهد العباسية مزعج ومقلق ولا يحتمل ، وهذا يجعلنا نتمسك بالمجلس وندعمه ونتجاوز عن أي ملاحظات غير جوهرية قد تكون لنا عليه، وهو يستمع ويستجيب، ومن رحمة الله بالثورة أن الجيش جزء منها، جزء أصيل ،هو شريك فيها، وليس نقيضا لها، أو حتى محايدا، وأهداف الثورة هي أهداف الجيش. الثالثة :انصح دينا بالتخلي عن الاسترسال في التعليق أو التعقيب أو الشرح، فسؤالها أحيانا يكون أطول من إجابة الضيف، أو من الخبر الذي تعلق عليه، لدرجة أن الفكرة أو جوهر السؤال يضيع منها، وهذه آفة معظم الإعلاميين الذين يريدون الإدعاء أنهم على قدر كبير من الثقافة والمعرفة فيرتكبون أخطاء تنفر المتلقي منهم، الإعلامي الناجح هو من يكون سؤاله في اقل عدد من الكلمات، وتعليقه مثل قرصة النحلة، لكن من دون الم. الرابعة : إخلاص دينا لعادة الاسترسال والإسهال الكلامي جعلها تدخل في نقاش وجدل مع اللواء عبد المنعم كاطو، ولو كانت من الذكاء لبادرت إلى إنهاء المكالمة معه سريعا دون أن يشعر أنها تريد التخلص منه ، لأنه هو أيضا لم يكن موفقا في بعض أوصافه ل نجلاء بدير حيث تحدث بمنطق الجنرال مع برنامج إعلامي، وبخصوص مقال ، أي انه دخل منطقة رأي تحتاج فيمن يتعامل معها صبر أيوب وحلم محمد عليهما الصلاة والسلام. الخامسة : قرأت مقال نجلاء بدير، وقد بدا لي كمن تريد صناعة قنبلة من دون متفجرات، فاللواء حسن الرويني قال كلاما يجوز أن يكون صحيحا، ويجوز أن يجانبه الصواب ، لكن المقال لم يعلق على كلام الرويني فقط وبشكل هادئ حتى تتضح الحقيقة، إنما اخذ القارئ إلى سكك أخرى من التشكيك في أهداف المجلس العسكري، والتيئيس من إمكانية التغيير وتحقيق أهداف الثورة تحت إدارته لمصر، أي انه يدفع إلى مزيد من توتير الأوضاع،فماذا تريدون من مواطن لديه أمل بان القادم أحسن فيجد من يقول له متسرعا أو متعمدا أننا عدنا إلى عهد مبارك أو ما هو أسوأ؟، وهذا منطق من يتربص، ويريد التقاط كلمة من هنا، أو موقف من هناك، ليقول إن مصر صارت خرابا . اللواء الرويني يتهم ، وهناك عشرات الوسائل للرد عليه، وصلت إلى تقديم بلاغات ضده، وكاتب الرأي الذي يوجه ويؤثر في الجمهور عليه أن يكون حكيما ، وهو ليس مطالبا بأن يحقق سبقا، فكلنا نكرر بعض لكن بأساليب مختلفة ،إنما عليه التأني والتحلي بالمسئولية في كل كلمة يكتبها. السادسة : رب ضارة نافعة، فقد عرضت عدة محطات على دينا العمل فيها، وهذا هو منطق السوق المفتوح حتى في الإعلام، حيث يصبح الإعلامي المحترف مطلوبا، ويرتفع سعره كلما زاد تأثيره، لكن المدهش أن هناك فضائية جديدة يمولها احد رجال الأعمال بالحزب الوطني المنحل وتسمى في الفيسبوك قناة " الفلول " أقامت " مندبة " ليلة تسرب أخبار إيقاف برنامج دينا، وظهرت هذه القناة كأنها ثورية أكثر من غلاة المعتصمين بالتحرير، وكأنها تريد أن تقول أننا لسنا من الفلول، والمدهش انه في الليلة نفسها كانت هذه القناة تعرض فيديوهات، وتسرب آراء وتعليقات كلها طعن في التحرير وفي المعتصمين وفي الثورة نفسها، صحيح.. يكاد المريب يقول خذوني. السابعة : ما حصل مع دينا شيء عادي جدا يحدث في اكبر وأهم المحطات العالمية ، فقد طردت " سي إن إن " مثلا المراسلة والصحفية الأمريكية من أصل لبناني أوكتافيا ناصر، ليس لأنها أخطات في ممارسة عملها، إنما لأنها كتبت على حسابها على " توتير" رثاء من عدة كلمات في المرجع الشيعي اللبناني الراحل محمد حسين فضل الله. الثامنة : رجال الأعمال يسعون دوما للحفاظ على مصالحهم، وأنا أتفهم أنهم يسيرون على حبل مشدود خصوصا عندما يعملون في ظل نظم سلطوية، واحمد بهجت وغيره من رجال الأعمال أصحاب المشاريع الإعلامية كانوا يخشون غضب وعقاب النظام السابق ،نحن لسنا في أمريكا مثلا حتى ينتقد وزير أو موظف عام أو " بيزنس مان " الرئيس شخصيا ويظل على رأس عمله، أو يستقيل ويعود لبيته آمنا، أو لا يحارب في استثماراته، لكني أظن أن باعث بهجت الآن ليس الخوف من السلطة الجديدة ممثلة بالمجلس العسكري، إنما الخوف من انفلات أوسع للأوضاع، وتعطل النشاط الاقتصادي أكثر من ذلك، فتتضاعف أضراره هو وغيره أكثر مما هي متضررة ، فمصلحته في ضبط الأداء داخل محطته لأجل التهدئة و الاستقرار تتوافق هذه المرة مع مصلحة المجتمع ، واستمرار " العاشرة مساء " ينفي ممارسة أي ضغوط عليه لتقليل مساحة الحرية في محطته . لا تجعلوا دينا شهيدة من دون شهادة حتى لا تتقمص الدور وتعيش فيه فتخسر ما بقى لديها من مهنية.