رسم أبرز خبراء الاقتصاد الألمان الخميس صورة قاتمة لأكبر اقتصاد اوروبي مع توقعات سيئة لمجمل دول المنطقة، وانضموا الى الدعوات الموجهة الى برلين لزيادة الاستثمارات. وقالت المستشارة الألمانية انغيلا ميركل في مؤتمر صحافي ان الحكومة لم تبتعد في الوقت الراهن عن خط أصبح معتادا فهي "تفكر في وسيلة لزيادة الاستثمارات" على سبيل المثال عبر تليين الاجراءات البيروقراطية. من جهته قال وزير المالية الالماني فولفغانغ شويبله الخميس في واشنطن ان المانيا "ليست في حالة انكماش" وتبقى "محرك" الاقتصاد الاوروبي، في حين يثير التباطؤ الاقتصادي في البلد قلق اوروبا. وصرح شويبله في مؤتمر صحافي على هامش اجتماعات الخريف لصندوق النقد والبنك الدوليين "لا نشهد انكماشا في المانيا، نواجه ضعفا في النمو". واضاف: "نحن محرك النمو في منطقة اليورو". وبالنسبة الى برلين، اذا حصل تحفيز للاستثمارات، فلا يمكن ان يتناول الا الاستثمار في القطاع الخاص. والرسالة تتكرر على كل الألسن في الأسابيع الأخيرة: اولوية المستشارة هي تحقيق التوازن في الموازنة الفدرالية العام المقبل للمرة الاولى منذ 1969. وفي ائتلافها اليميني اليساري، حتى الاشتراكيين الديموقراطيين يدعمون هذا الهدف في حين انهم نظريا أكثر انفتاحا على سياسات تحفز النهوض الاقتصادي. لكن بالنسبة إلى مراكز دراسة الظروف الاقتصادية، فان الوصول الى "عجز صفر" يشكل "هدفا رمزيا لا يحمل بالضرورة معنى اقتصاديا"، كما صرح امام الصحافيين فرديناند فيتشنر الخبير الاقتصادي في معهد "دي آي دبليو" البرليني، وهو أحد أربعة معاهد تنشر مرتين في السنة تقريرا مشتركا حول الوضع الاقتصادي. وشجع الخبراء برلين على "زيادة نفقات المالية العامة في المجالات القادرة على الإسهام في النمو" -- البنى التحتية والابحاث والتربية. ولصالح منطقة اليورو الغارقة في الازمة، دعا رئيس البنك المركزي الاوروبي ماريو دراغي الاسبوع الماضي "الدول التي لديها هوامش موازنة الى استخدام هذه الهوامش". وما يزيد من اهمية ذلك "الفتور الواضح" الذي اعترى الاقتصاد الالماني، كما لاحظ التقرير الذي اصدرته المعاهد التي تستوحي توقعاتها بشكل كبير من توقعات الحكومة الالمانية المرتقب صدورها الثلاثاء المقبل. وباتت معاهد "ايفو" و"دي آي دبليو" و"آي دبليو اتش" تتوقع في نشرتها التقليدية المشتركة للخريف نموا من 1,3 بالمئة هذه السنة و1,2 بالمئة السنة المقبلة مقابل 1,9 بالمئة و2 بالمئة على التوالي في توقعات ابريل الماضي. والثلاثاء خفض صندوق النقد الدولي توقعاته للنمو الالماني الى 1,4 بالمئة و1,5 بالمئة على التوالي. ومن المؤكد ان تشهد المانيا تسارعا في وتيرة اجمالي ناتجها الداخلي بعد سنتين ضعيفتين (+0,4 بالمئة في 2012 و+0,1 بالمئة في 2013)، وتحتفظ بمعدل بطالة (6,7 بالمئة) يحسدها عليه جيرانها الاوروبيون. لكن منذ بدء هذا الفصل، تتكدس المؤشرات السلبية حول أول اقتصاد أوروبي يمثل ثلث إجمالي الناتج الداخلي للاتحاد النقدي، ما يبدد الآمال في قيامه وحده بتحفيز المنطقة. في هذا الإطار شكل تراجع الواردات الالمانية في اغسطس بنسبة 1,3 بالمئة مؤشرا سيئا يؤثر سلبا بالدرجة الاولى على الدول الاوروبية. وترسم مراكز الابحاث الاقتصادية آفاقا أقل حماسة: تراجع الطلب الداخلي بسبب حالة الترقب والحرص لدى المستهلكين وإرجاء الاستثمارات الخاصة، يثيران القلق خصوصا وان الصادرات تراجعت هي الاخرى بسبب المخاوف الجيوسياسية والوهن الذي أصاب منطقة اليورو. وفي اغسطس انخفضت الصادرات بنسبة 5,8 بالمئة وفق الوتيرة الشهرية، مسجلة اكبر تراجع لها منذ يناير 2009. وراى كارستن برزسكي الخبير الاقتصادي في مؤسسة "آي ان جي" انه "فيلم الرعب الصيفي في المانيا"، متوقعا اقتصادا "راكدا" في اغسطس يذكر بالضربة التي تلقاها في 2009 "في اوج الازمة المالية". ولا يستبعد بعض الخبراء سيناريو انكماش تقني -- اي فصلان متتاليان من تراجع اجمالي الناتج الداخلي. ويقدر خبراء معاهد الأبحاث بنحو ستة مليارات هامش المناورة في موازنة الدولة الالمانية والتي قد تسمح معا بخفض الضرائب وزيادة الاستثمارات لا سيما في البنى التحتية.