كانت الرخصة الموحدة وما تعنيه من دخول الشركة المصرية للاتصالات دنيا المحمول حلماً كبيراً لجميع العاملين بالشركة الذين يزيد عددهم على 43 الفاً، لكن هذا الحلم يكاد يتحول إلى كابوس مزعج ليس فقط للعاملين بالشركة وإنما لقطاع الاتصالات كله، فرغم الأحلام والطموحات التى أعلن عنها المهندس عاطف حلمى، وزير الاتصالات، والمهندس هشام العلايلى، رئيس جهاز تنظيم الاتصالات، حول ما تحمله هذه الرخصة من أمل للمصريين جميعاً وليس لقطاع الاتصالات من حيث حل مشاكل الإنترنت والاتصالات ودخول البرودباند أو الإنترنت فائق السرعة وتحول مصر إلى محور عالمى وملتقى الإنترنت وقناة سويس إلكترونية تنقل البيانات من الشرق إلى الغرب عن طريق أكبر شبكة كابلات بحرية تمر بمصر وأن الكيان الموحد الذى تتضمنه الرخصة الموحدة لإنشاء بنية أساسية عملاقة فى مجال الاتصالات فى مصر تضمن تحقيق كل الطموحات والأحلام وتغير وجه الحياة على أرض مصر، فإن الرياح أتت بما لا تشتهى السفن، وكانت المفاجأة أن أكثر الجهات ترحيباً بالرخصة الموحدة وهى الشركة المصرية للاتصالات على أساس أنها تضمن دخول الشركة دنيا المحمول والتحول إلى مشغل متكامل وبدأ الشبكة الرابعة «0155» تحولت الشركة من أكثر المتحمسين للرخصة إلى أكثر الجهات عداء لها بل وصل الأمر إلى تخوف الرئيس التنفيذى للشركة المهندس محمد النواوى من تهديد مستقبل الشركة إذا انطلقت الرخصة الموحدة كما يراها الوزير وكما يراها جهاز تنظيم الاتصالات وكما تم الاتفاق بين الشركات والجهاز عليها لأن الرخصة تتضمن أهم ما تتضمن إنشاء كيان موحد للبنية الأساسية تشارك فيه وزارات سيادية ووزارات خدمية جنباً إلى جنب وزارة الاتصالات وشركات الاتصالات فى مصر جميعاً وعلى رأسها المصرية للاتصالات وشركتا فودافون واتصالات مصر بعدما رفضت أو بالأحرى اعتذرت موبينيل عن المشاركة فيها لضيق ذات اليد. المهندس محمد النواوى أعلنها فى أكثر من مناسبة: لن تشارك المصرية للاتصالات فى أى كيان مواز يقوم بنفس العمل التى تقوم به الشركة ويهدد بقاءها. كانت بداية إعلان الخلاف صراحة فى المؤتمر الصحفى المهم الذى دعا اليه جهاز تنظيم الاتصالات الذراع التنفيذية للوزارة وحضره الوزير ورئيس الجهاز ورؤساء شركات الاتصالات جميعاً محمد النواوى عن المصرية للاتصالات، ومعه قيادات الشركة والمهندس أحمد عصام، رئيس فودافون مصر ومعه قيادات فودافون مصر وأيضاً سعيد الهاملى، رئيس اتصالات مصر، ومعه عدد من قيادات الشركة إلى جانب ايف جوتيه، رئيس موبينيل، وعدد من قيادات موبينيل عندما سُئِل الوزير هل تشارك المصرية للاتصالات فى الكيان الموحد فقال بالطبع، لكن المهندس النواوى نفى ليس نفياً صريحاً، ولكنه فهم من كلامه أنه يرفض مشاركة المصرية للاتصالات فى الكيان الموحد وأنه يريد الشبكة الرابعة للمحمول، لكن الصحفيين ذكروه بتصريحات سابقة له يؤكد فيها صراحة عدم ترحيبه بالكيان الموحد لأنه كيان مواز يقوم بنفس عمل الشركة وانه لا يمكن أن يشارك فيه. وهنا أدرك جميع الحاضرين أن الخلافات أصبحت علنية بين الوزير والنواوى. وخرجت صفحات على مواقع التواصل الاجتماعى فيس بوك تحذر من ثورة غضب بين العاملين فى الشركة إذا أصر الوزير على دخولها الكيان الموحد وصفحات أخرى تهدد الوزير وأخرى تتنبأ بفناء الشركة المصرية للاتصالات بهذا الكيان. وبالطبع ظهرت الخلافات بشكل هستيرى وأصبحت المعركة بين الوزير والنواوى من يفوز برضاء العاملين. ولهذا جاءت تصريحات الوزير كاشفة لهذا الخلاف، عندما قال انه يرفض المزايدات الرخيصة ويؤكد أن مشاركة الشركة المصرية فى الكيان لا يضرها أبداً وأن العاملين فى الشركة لهم كل التقدير وهم ابناؤه وأشقاؤه ولا مجال للمزايدة على مستقبلهم أبداً وأن الحكومة أكثر حرصاً على أبنائها العاملين ولا يمكن أن يحدث ضرر لهم أبداً. والمهندس «النواوى» من جانبه يقول، إنه لا يريد إلا الشبكة الرابعة ومن حق الشركة دخول عالم المحمول فوراً ولديها كل الإمكانيات والكوادر والاستعداد الفنى والتسويقى والادارى. والحقيقة التى لابد أن تعلن فى إطار المكاشفة أن البنية الأساسية فى مصر ليس فى قطاع الاتصالات وحده أصبحت مهترئة ويرثى لحالها فالكهرباء والصرف الصحى والمياه والطرق وكل شىء تعرض للتراجع الشديد بسبب أنه خلال أكثر من 3 سنوات وبالتحديد منذ ثورة 25 يناير تم إهمال البنية الأساسية تماماً بل وتعرضت للسرقات وتمت سرقة الكابلات النحاسية ومحطات الكهرباء وكل شىء ولم تنفق الدولة أي أموال للاستثمار فى البنية الأساسية. وإذا كنا نأمل فى انطلاقة كبرى فى كل المجالات فأولاً لابد من بنية أساسية عملاقة تضمن جذب الاستثمارات وتستوعب الأحلام والطموحات ففى مجال الاتصالات فإن المهندس عاطف حلمى لديه طموحات، كبيرة جداً فى أن تصبح مصر أكبر ملتقى عالمى للإنترنت وأن يسهم قطاع الاتصالات فى الدخل القومى بما يزيد على 190 مليار جنيه سنوياً بحلول العام 2020 وأن تنطلق الصناعات التكنولوجية وأن تصبح منطقة محور قناة السويس افضل من «جبل على» وسنغافورة وهونج كونج فى جذب الاستثمارات، ولن يحدث هذا فى ظل بنية أساسية متهالكة وسرعة وخدمات إنترنت هزيلة وهو يرى ومعه جهاز تنظيم الاتصالات أن البداية الحقيقية للانطلاق فى هذا الكيان الموحد العملاق للبنية الأساسية ومن أجله تم التفكير فى الرخصة الموحدة والتى تضمن للشركة المصرية للاتصالات أيضاً دخول خدمات المحمول من خلال الشبكة الافتراضية ودافع بشراسة عن حق العاملين فى المصرية للاتصالات فى دخول عالم المحمول. وقال إن ذلك الحق تأخر كثيراً وخاض الرجل معارك ضارية مع شركات المحمول حتى تم التوصل لاتفاق منح المصرية الشبكة الرابعة بمبلغ 2٫5 مليار جنيه ورغم المفاوضات المضنية والاتهامات التى طالت الوزير وجهاز تنظيم الاتصالات من الانحياز للشركة الوطنية المصرية للاتصالات وذراعها فى الإنترنت تى آى داتا، لكن الوزير لم يأبه بهذه الاتهامات، واستمر يدافع عن حق الشركة الوطنية التى تمتلك فيها الحكومة 80% فى أن تدخل «مشغل متكامل» يقدم خدمات المحمول الصوتية والإنترنت. ولكن تحولت الأحلام إلى كوابيس وأصبحت الحرب علنية بسبب هذه الرخصة الموحدة التى كان يختصرها البعض فى أنها شبكة رابعة للمحمول، ويبدو أن هذا ما كان يفهمه العاملون فى المصرية للاتصالات. والآن ماذا ينتظر قطاع الاتصالات خلال الأيام والأسابيع القليلة المقبلة، هل تستمر الحرب المعلنة أم تضع الحرب أوزارها ونصل إلى نقطة تلاق وتفاهم، وهل هذه الخلافات بين الوزير والرئيس التنفيذى للمصرية للاتصالات ستستمر دون حسم وهو بالتبعية أحد مساعدى الوزير الرئيسيين بحكم منصبه، حيث إن الوزير هو رئيس مجلس إدارة المصرية للاتصالات لأنها شركة حكومية، وهذا ما أعلنه الوزير بأنه أكثر الناس حرصاً على مصالح العاملين بالشركة وهو ممثل الحكومة وبنفى الوزير بشدة وجود خلافات بينه وبين المهندس النواوى. المهم الآن أن الترقب مشوب بالحذر الشديد عما تسفر عنه الأيام المقبلة، ويظل مصير الرخصة الموحدة مهدداً.