رغم أن ظاهرة التسول شهدت انتشارا كبيرا خلال السنوات القليلة الماضية, فإن شهر رمضان يعتبر موسماً مهماً لكل متسول ومتواكل يستسهل مد يده للمواطنين وينأى بنفسه من عناء أى عمل, ما دام قادراً على جنى آلاف فى غضون أيام قليله ولا يكلفه ذلك سوى بعض الآهات والأكاذيب التى تدغدع مشاعر الناس وتستغل إنسانية البعض ورغبتهم فى الفوز بجزاء الصدقة خاصة فى شهر الحسنات والمغفرة, ليصبح التسول مهنة مربحة للغاية لها مواسم. الغريب فى ظاهرة التسول والجديد.. ليس فى الحيل والأكاذيب التى يتفنن بها البعض للاستيلاء على أموال الناس, ولكن فى دخول شرائح مجتمعية من المفترض أنها تمارس عملاً عاماً فى مكان عام، فإذا كان التسول حراماً وغير شرعى حتى للمحتاجين فإنه يتطلب المساءلة لمن يستغل مكان عمله للاحتيال على المواطنين. من أبرز تلك الفئات عمال النظافة الذين يعملون فى محطات السكة والحديد والمترو والشوارع وكافة المؤسسات والمصالح الحكومية, وكذلك مهنة التمريض حيث تحولت الخدمة التى تقدمها أى ممرضة إلى وسيلة للجباية وجمع أموال, وكذلك مهنة السعاة داخل الشركات والمؤسسات بنوعيها الحكومية والخاصة. «كل سنة وأنت طيب يا أستاذ».. تلك العبارة التى يصاحبها طأطأة للرأس وحركات تمثيلية توحى بأنه يقوم بواجبه على أكمل وجه هى كلمة السر لتستولى على جيب المار بجوار هذا المتسول, حتى إن بعض المتسولين يلجأون إلى ارتداء زى عمال النظافة ويحملون مقشة ويمكثون فى الشوارع والميادين الرئيسية طوال اليوم، دون أن يسائلهم أو يستوقفهم أحد. ولأن الشعب المصرى طيب بالفطرة فإن الملايين من الجنيهات تذهب لقرابة مليون متسول وفقا لآخر دراسة أجراها المركز القومى للبحوث, فى حين أن هناك الملايين من الأيتام وذوى الاحتياجات الخاصة, يمكثون فى بيوتهم ولايجدون قوت يومهم ويتعففون عن أن يمدوا أيديهم لأن كرامتهم عندهم أغلى من أموال الدنيا, وهو من قال فيهم الله تعالى «لِلْفُقَرَاءِ الَّذِينَ أُحْصِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ لَا يَسْتَطِيعُونَ ضَرْبًا فِي الْأَرْضِ يَحْسَبُهُمُ الْجَاهِلُ أَغْنِيَاءَ مِنَ التَّعَفُّفِ تَعْرِفُهُمْ بِسِيمَاهُمْ لَا يَسْأَلُونَ النَّاسَ إِلْحَافًا». تنتقد تحية راغب, موظفة بالجامعة انتشار ظاهرة التسول بهذا الشكل المفزع, وتفننهم فى حيل للنصب على الموظفين الذين تنطلى عليهم تلك الحيل والأعيب قائلة: «المتسولون أصبحوا يحاصروننا فى أى مكان, فلا يوجد ساع يقوم بتقديم أى خدمة ولو كوب شاى دون أن يأخذ مقابلها أضعافاً, رغم أن هذا دوره, فتحولوا إلى مافيا كل همها الاستيلاء على الملاليم القليلة التى يتقاضاها كل موظف فى أول كل شهر. وتلتقط زميلة لها طرف الحديث مطالبة الجهات الأمنية بضرورة التصدى لتلك الظواهر المسيئة لمصر, والتى تزيد من انتشار حالات النصب والاحتيال, خاصة فى المصالح الحكومية كأقسام الشرطة ومكاتب الشهر العقارى حيث يبتز السعاة والعمال كل مواطن له مصلحة ويرفضون أداء أى خدمة دون أن يتقاضوا مبالغ مالية أى رشوة ويحللون لأنفسهم تلك الأموال بدعوى ظروفهم الصعبة. ويري محمد على, طبيب «أن هناك وجها آخر من التسول وهو البيع بإلحاح شديد حيث يلجأ هؤلاء إلي التجول لبيع بعض السلع أو الآيات القرآنية والأدعية للتسول باسم الدين خاصة في «الشهر الكريم»، مشيراً إلى أن سبب انتشار ظاهرة التسول التي نشكو منها أننا شعب عاطفي يتجاوب بسهولة مع كل من يطلب المساعدة أو يدعي الفقر أو المرض ونصدقه إلي درجة تصل إلي حد السذاجة، وفي شهر رمضان يكثر المتسولون أمام الجوامع خاصة بعد انتهاء صلاة التراويح وبعد صلاة العيد وهذا يؤكد أن التسول تحول إلي مهنة مربحة لها مواسم».